سؤال ، ظاهر منه أن المخوّل للجواب عنه طبيب مختص ، أو مشتغل بالطب و الصحة العامة .و لست انا بهذا و لا ذاك ، و إنما سآتي الجواب من باب آخر .
و إنّ الذي دفعني للكتابة فيه أمران :
أولهما : أني سمعت من يذكر سحور رمضان - في زمن المضحكات هذا - بالهزء و السخرية .. و باعث السخرية عنده أن التسحر ليس صحيّاً ، لأن الصائم يكظ معدته بطعام السحور الثقيل ، ثم يغط في نوم عميق ، يرى فيه من عجائب الأحلام ألوانا .. !
و الآخر ( و هو الأهم ) : أني ــ حقا ــ قد رأيت كثيرا من الناس يسلكون مع هذه السنة النبوية ( السحور ) مسلكاً خاطئاً غير قويم .
و بهذه المناسبة ، فإنني أود التأكيد على أمرين كذلك :
الأول : أنّ الأحاديث النبوية الشريفة الواردة بخصوص مشروعية السحور ، صحاح متواترة ( أنظر : نيل الأوطار للشوكاني 4/300 و 303 ) و ذلك يعني أن مشروعية السحور ليس في صحتها أدنى شكّ ، بل إنّ الشكّ في مشروعية ما تواترت به الأحاديث الشريفة كفر و ردة !
و الآخر : أنّ ما صحت نسبته إلى كتاب الله و سنة نبيه الكريم ، و صح فهمه ، فإن الخير كله في فعله إن كان أمراً و الشرّ كله في فعله إن كان نهياً ، ذلك أنه تشريع من لدن حكيم عليم رحيم ، يحل لنا الطيبات و يحرم علينا الخبائث .
و الذي لا شك فيه ، و يمكن أن يدركه الناس بالتجربة ، من غير حاجة إلى نصح أو إرشاد من طبيب ، أن النوم عقب تناول الطعام مباشرة مضرّ صحياً ، و أن إثقال المعدة بالطعام مضر كذلك . فإذا أجتمعا معا : إثقال المعدة و النوم المباشر ، فهو لا شك ضرر محقق .
و هذا هو الحال الذي عليه كثير من الناس في التسحر : إثقال للمعدة و نوم مباشر . و هو - مما يؤسف له - مخالف للهدي الشرعي القويم .
إنّ رمضان عبادة ، و ما ينبغي لهذه العبادة إلاّ أن تكون على وجهها الصحيح ، وإنّ صحة الأبدان هي من مقاصد الصيام . و قد قيل في تفسير قوله تعالى : ( لعلكم تتقون ) من الآية الكريمة :( يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) أي : تتقون الآثام و المعاصي و الأمراض .
أمّا الهدي الشرعي بخصوص سنة السحور ، فيقتضي أمرين :
الأول : أن لا يثقل المرء معدته بالطعام سواء أكان ذلك في رمضان أو سواه ، فذلك قوله ( صلى الله عليه و سلم ) : (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن لم يكن بدّ فثلث لطعامه و ثلث لشرابه و ثلث لنفسه ) و قوله كذلك : ( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه) فإن كانت الذريعة في كظّ المعدة و إثقالها بطعام السحور هي التزود بما يتقوى به الصائم على صيامه ، فإنه لن يفوت الصائم في صومه عن باقي الأيام سوى وجبة واحدة .
و الآخر : أنّ نهار المسلم إنما يبتدئ بصلاة الفجر ، لا بالساعة السابعة و لا الثامنة صباحا . و حتى يتمكن المرء من الصحو المبكر و الاستيقاظ نشيطا غير محتاج لمزيد من النوم ، فقد كان الهدي النبوي في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : (لا سمر بعد العشاء ) أي : النوم المبكر . و لذا فإنك تجد المبكرين في صحوهم يبارك لهم في أوقاتهم و أرزاقهم ، فذلك قوله -صلى الله عليه و سلم - : (رزق أمتي في بكورها ) .
و بهذا يتبين أن الهدي الشرعي مخالف لما هو عليه كثير من الناس في عاداتهم في السحور ، من اثقال المعدة و النوم المباشر ، بل هم مخالفون للهدي الشرعي في ذلك . و قد درجت بعض المؤسسات و الدوائر كالمدارس مثلا على تأخير بداية الدوام اليومي في رمضان ساعة أو بعض ساعة . و الرأي عندي أن يقدم الدوام ساعة و لا يؤخر ، فإن ذلك أنفع للمرء بوقته ، و أصح لبدنه ، و أوفق للشرع الحكيم .
( عن صحيفة القدس - المقدسيّة - عدد 22 /2 / 1995 - ص (15)
التعليقات (0)