هل (وجه) وكيل النائب العام أكرم وأنقى وأشرف وأقدس من ( وجه) المحامي ومن كامل (جسد ) المواطن المصري ؟!
هل الحرص على هيبة وكلاء النائب العام أشد قداسة من الحرص على كرامة وآدمية الإنسان المصري؟!
هل ارتفع سدنة العدالة في قداستهم إلى مرتبة عصمة الأنبياء.. وكرامة الأنبياء ..وشرف الأنبياء؟!
بينما تدنى طلاب العدالة في وضاعتهم إلى درك الاستباحة ..والمهانة.. والإهانة .. والتفاهة ؟!
هل صارت أحكام القضاء التي يحظرون التعليق عليها بمثابة آيات سماوية واجبة القداسة ومحظور المساس بها أو الاقتراب منها ولو بإبداء تعليق عليها رغم أنها تصدر (باسم الشعب) رغم ما ران على بعض منها إن لم يكن الكثير جبال من الدهشة والصدمة لعدم تعبيرها عن الواقع حينا وعن الحقيقة أحياناً ؟!
وهل بقاء اثنين من المحامين في قبضة القضاة واستمرار حبسهم رغم ما صاحب ذلك من تجاوز في كافة مراحل التحقيق والحبس والمحاكمة والحكم القاسي إلى درجة العسف والتعسف المبالغ فيه سيرد الكرامة والهيبة لمن شعروا بافتقادها ؟!
وهل الاستمرار من البعض في النظرة الاستعلائية .. والغرور القميء.. وتصعير الخد .. والتكبر على الناس هل سيحقق كل ذلك الهيبة والاحترام والخضوع والرضوخ لسدنة "العدالة "؟!!
وهل قطع رقاب من تجرأ على المساس بذيل جلباب وكلاء النيابة مع ترك من استباح جسد وكرامة وآدمية المواطنين وعاث فيهم تعذيباً وتلفيقاً وتقتيلاً وهو في أمن الحساب وفي أمان من العقاب .. هل سيحقق ذلك الهيبة والاحترام في نفوس هذا الشعب سدنة العدالة ؟!!
أيها الناس .. أيها القضاة .. أيها الوكلاء عن النائب العام الذي هو وكيل عن الشعب :لستم والله أنبياء لتكون لكم العصمة .. لستم والله رسلاً لتكون لكم القداسة.. لستم والله ملائكة لتكون لكم النزاهة والطهارة .. أنتم بشر .. يجري عليكم ما يجري على البشر .. تأكلون وتشربون وتمشون في الأسواق ... وإن كنتم في ريب مما نقول فعندكم رسالة شيخكم وشيخنا الجليل شيخ القضاة الراحل في صمت الأجلاء .. وفي سمت العظماء.. المستشار ( يحيى الرفاعي) التي نعى فيها العدالة في مصر .. ونحن ننقل ماجاء برسالة شيخ القضاة .. لا ننتحل من عندنا .. ولا ندعي بهتاناً وكذباً ..
يقول المستشار الجليل يحيى الرفاعي في رسالته إلى نقابة المحامين التي أعلن بها اعتزاله المهنة و المبني على أسباب خطيرة ومفزعة عن حال العدالة في مصر ما نصه :
((ومن ثم فإنني أرى اليوم من حق مصر في عنقي، وفي أعناقكم، أن نُجري معا مقارنة بين ما كان عليه حال القضاء والمحاماة في مصر قبل تلك المذبحة من احترام وتقدير وثقة مطلقة – سواء في نظر شعب مصر وقطانها أجمعين، أو في نظر حكومات العالم بأسره وشعوبه – وبين ما نرى ونسمع ونقرأ اليوم من تجريح ونقد مريرين بما فيهما من مساس جسيم بكرامة مصر وقضائها وقضاتها ومحاميها، وبما يكاد معه السكوت عن الحق الآن، أن يبلغ مبلغ الخيانة.))
((- ذلك بأن حكومات جمهورياتنا المتعاقبة، و إن وضعت في دساتيرها نصوصا أساسية بمبادئ سيادة القانون واستقلال القضاء وحصانته، وتحظر وتؤثم التدخل في أية قضية أو أي شأن من شئونهم من جانب أية سلطة أو أي شخص- فإن هذه الحكومات ذاتها لم تتوقف – طول هذه السنين – عن النص في القوانين المنظمة للسلطة القضائية وغيرها على ما يجرد تلك النصوص من مضمونها تماما، بل ويخالفها بنصوص صريحة، تصادر بها لحساب السلطة التنفيذية معظم أصول هذا الاستقلال وقواعده وضماناته، كما تسند بها بعض اختصاصات القضاء الطبيعي إلى غيره، وتصدر قرارات وتصرفات واقعية أخرى من خلال وزارة العدل – وهي أحد فروع السلطة التنفيذية – تسيطر بها على إرادة رجال السلطة القضائية وشئونهم، بل و أحكامهم القضائية (!).))
((ولئن أفصحت المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء (رقم 66 لسنة 1943) عن أن ما جاء به من ضمانات تشريعية لاستقلال القضاء هو مجرد خطوة على طريق هذا الاستقلال سوف تتبعها خطوات، إلا أن الحكومات المتعاقبة أخذت تنتقص من هذه الضمانات، وتتحكم في شئون رجال القضاء و إرادتهم وحريتهم، بنصوص تشريعية وتطبيقات عملية مخالفة للدستور سلبت بها مضمون ذلك الاستقلال وجدواه حتى صار ذلك من العلم العام))
(((ب) ومع تقادم العهد بهؤلاء الرؤساء في مناصبهم ومزاياهم المالية والعينية، تنامت سلطاتهم المختلطة – سعة وعمقا- حتى امتدت آثارها إلى العمل القضائي ذاته، واهتزت الثقة العامة فيه خاصة حين يتم تعيين بعضهم محافظين(!) وحين تتضمن محاضر توزيع العمل بالجمعيات العمومية لبعض المحاكم دعوة كافة القضاة من أعضائها لما معناه ضرورة عرض الدعاوى الهامة –المنظورة أمامهم- على رئيس المحكمة للمداولة معه فور حجزها للحكم وقبل المداولة فيها(!) وفي ذلك ما فيه من إثم جنائي وقضائي تنص عليهما أحكام الدستور و القانون!.
(ج) بل لقد دأب بعض وزراء العدل على التردد على بعض المحاكم، وفي رفقتهم (أحيانا) رئيس مجلس القضاء الأعلى – أي رئيس محكمة النقض – وغيره من كبار رجال القضاء، حيث يستقبلون بالزغاريد، فينثر الوزير المكافآت بسخاء، دون أن يكون لهذا العبث أي أصل من شيم قضاء مصر وقضاتها ولا من قيمهم ولا من تقاليدهم في أي يوم من الأيام.
(((ي) بل لقد عادت الوزارة لما كانت تجري عليه في مستهل القرن الماضي إبان سيطرة الإنجليز عليها لضمان مصالحهم – من إصدار التعليمات والمنشورات لرجال القضاء (!) حتى أنها أفردت أحد هذه المنشورات للتنبيه على رؤساء المحاكم والقضاة بموافاتها بصور من صحف الدعاوى المدنية والجنائية آلتي تُرفع على شخصيات هامة مسئولة- فور تقديمها- ولم يزل هذا المنشور معمولا به في المحاكم جميعها حتى اليوم، على نحو يترك أثره الطبيعي على إرادة القضاة عند الفصل في هذه القضايا. (!).
13- ومن خلال ذلك كله وغيره، وبموجب اختصاصات إدارة التفتيش القضائي، ورؤساء المحاكم – بل والتنازل غير المشروع الذي تتضمنه جميع محاضر الجمعيات العمومية للمحاكم عن أهم اختصاصاتها لرؤسائها – ساد الاعتقاد بأن الوزارة تتحكم دائما في توزيع العمل أمام الدوائر بالهوى والاعتبارات الشخصية التي تثير التساؤلات- وليس بقواعد موضوعية عامة مجردة كما كان عليه العمل طوال السنين الماضية حتى طال ذلك محكمة النقض ذاتها لأول مرة في تاريخها – وكل ذلك بالمخالفة لنص المادة (30) من قانون السلطة القضائية، وهو ما ترسخ معه لدي الناس أن الوزارة صارت تهيمن على القضاء والقضاة والقضايا حتى صارت جميع الأحكام الصادرة فيما يسمى بقضايا الرأي العام يتم نقضها دوما، و أكثر من مرة، بل وتتعرض لانتقادات رؤساء الدول والحكومات والصحف الأجنبية حسبما سلف البيان، وبما نجم عنه تجريد سائر المحاكم والقضاة من الشعور بالاستقلال، ومن شل قدرتهم الكاملة على مقاومة الضغوط التي قد تمارس عليهم، إذ خلقت تلك الظواهر لكل منهم مصلحة ظاهرة في اتقاء غضب السلطة التنفيذية عليه –ممثلة في وزارة العدل-، وهو ما لا يستطيع معه القاضي إصدار الحكم في أية قضية من تلك القضايا بغير ميل حتى لو لم يضغط عليه أحد، وكل ما تقدم صار بكل أسف من العلم العام، وهز الثقة العامة في المحاكم بل ضيعها، - خاصة عند تكوين كلمتها في تلك القضايا بالذات، وجعلها تبدو – سواء في نظر المصريين أو الأجانب- كمجرد مرافق إدارية تابعة للسلطة التنفيذية فعلا، وانسحب ذلك بداهة – ومن باب أولى- على النيابة العامة للأسباب ذاتها ولإصدارها منشورات أمعن في الخروج على الدستور والقانون، ولما تقوم عليه هذه النيابة من جمع بين سلطتي التحقيق والاتهام، مقترن بتبعية إدارية تدريجية ساحقة لإرادة المرؤوسين فيها، فضلا عن احتفائها الشاذ بشكاوى وتقارير الأجهزة الأمنية والرقابة الإدارية، بل وبعض شكاوى الأفراد التي قد يتمكنون من تقديمها لأحد كبار المسئولين وتحقيقها في يوم تقديمها ذاته، وهو ما انعدمت معه في نظر الناس قاطبة كافة ضمانات المساواة بين المواطنين أمام القانون والقضاء، وهو ما انتهى إلى ضياع سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه، بما فيها أفواه الرئيس الأمريكي الحالي، وأكثر من رئيس وزراء لإسرائيل (!).
تلكم مقتطفات من رسالة اعتزال شيخ القضاة المستشار الجليل الراحل يحيى الرفاعي الذي رحل عن دنيانا منذ بضعة أشهر قليلة .. رسالة ألقاها كمثل القنبلة ولكنها لم تنفجر .. فقد لفها الصمت المطبق .. والتعتيم الآثم .. ولم يناقشه أحد فيها .. أو فيما أورده من وقائع تتزلزل تحت وطأتها الجبال الرواسي.. قالها الرجل في صمت ورحل .. وتركنا نبحث عن الكرامة المهدورة .. وعن الهيبة المفقودة .. وعن العدالة الضائعة في متاهات هذا الخضم الرهيب من فقدان الثقة في كل شيء ..
وأخيراً نذكركم وأنفسنا بالمقولة التي صارت خالدة في الفاروق عمر بن الخطاب :
حكمت ..
فعدلت ..
فأمنت..
فنمت ياعمر...
فمتى يشعر الناس بالأمان .. ومتى تعود إلى الشعب ثقته في نفسه .. وفي مرافقه .. وفي مؤسساته ..
والأهم.. متى تعود الثقة في حائط الصد الأخير .. العدالة !!!!
التعليقات (0)