الدقيقة الأولى
الوجود والعدم والمكان والزمن وكل المفاهيم العقلية البسيطة لا تؤدي إلى نتيجة واحدة في كل العقول والكائنات...فمثلا الإنسان يقدر المسافات تقديرا مختلفا عن الطير فأنت إذا أردت أن تنتقل من مكان إلى مكان فإن أقدامك توصلك إليه في خمس دقائق ولكن العصفور يصل في دقيقة واحدة ولا تحده حواجز فهو يطير فوق البنايات ليصل إلى غرضه بدون عوائق مثلك..وهنا تبدو الصورة وفيها عجزك وضعف قدرتك بالنسبة إلى عصفور...وإذا عدنا إلى فكرة الوجود عقلنا أنها فكرة مجردة لا تستقيم بنفسها لأنها تحتوي في معناها موجد وموجود وسوف نبتعد عن المفهوم الديني حتى يكون التفكير مجردا من العاطفة..إن (الوجود مرتبط بقدرة الحواس على تصوره) فأنت تتصوره طبق ما وصل إليه العلم من اتساع وفضاء ومجرات ولكن الكائن البدائي لا يرى العالم كما تراه... ولكن الكون بالنسبة له مجرد بضعة سنتيمترات أو أمتار ...والإمكانيات التي تنقلك من مكان إلى آخر تشعرك بتغير المقياس فإذا أردت الانتقال من بيت إلى بيت مجاور فإن عقلك يضع (المقياس المتري) وإذا أردت السفر من مدينة إلى أخرى ليست بعيدة وأن السفر بالسيارة فإنك تعتمد (المقياس الكيلومتري) ..ولكن إذا كنت مسافرا من دولة إلى دولة امتد المقياس ليكون مقياس زمن وليس مقياس مسافة فتقول إن المسافة بين القاهرة وجدة ساعة بالطائرة ....(أرأيت أن المقياس للمسافة أصبح بالساعة الزمنية لا بالكيلومتر المكاني)...ثم إذا انتقلنا إلى فكرة العدم وهي ضد فكرة الوجود (وفكرنا فيها جيدا) نجد أن العدم لا وجود له فالعقل لا يتحمل فهم هذه الفكرة.... لأن الشيء الخالي ليس له وجود...(فلا بد أن يكون العدم موجودا لكي نستوعبه) ....((((لأننا لا نفهم شيئا ليس له وجود))))...
الدقيقة الثانية
إذا كانت المسافة كبيرة جدا تقاس بأعداد تفوق قدرة العقل على الاستيعاب أو حتى الكتابة مثل البعد بين الأرض والنجوم (عدا الشمس) لأنها قريبة نوعا ما (8دقائق ضوئية) فإن المسافة تقاس بالسنة الضوئية وأقسامها (الثانية الضوئية) ورغم أن السنة الضوئية مقياس للزمن فإنها لا تستخدم في قياس الزمن حيث أنها خارج التصور ولا شيء يهمنا كآدميين في قياس زمن طويل كهذا ولكن المسافة هي التي تعنينا ولذلك كان مقياس السنة الضوئية مقياس مسافة رغم أنه زمن...ومن هنا نجد أن القدرة البشرية على التصور وقفت عند مسافة معينة ثم قلبت أداة القياس كما قلنا أن (المسافة) بين القاهرة وجدة (ساعة) بالطائرة ....لاحظ (المسافة ساعة) ...لماذا نقول هذا؟ ..لأن الإنسان أحيانا يغفل عن قدرة عقله ويظن أنه قادر على فهم الأشياء مهما كان تعقيدها ..لقد رأينا أن العقل يستعين بفكرة التبسيط ليعقل الشيء المعقد أي يستخدم مقاييس مفهومة تماما ليعقل أشياء يتعذر فهمها ...وحين يتأكد الإنسان أن عقله قاصر عن فهم أشياء يراها بعينه على غير حقيقتها مثل النجوم فإنه من المنطقي ألا يعقل ما لا يراه..لم يكن الإنسان القديم يستوعب فكرة البكتريا مثلا إلى أن رآها بالميكروسكوب... يعني استعان بآلة صنعها البشر ليرى شيئا لا يستطيع رؤيته...ولو تطورت آلات الرؤية أبعد من الميكروسكوب الإلكتروني لرأى الإنسان مكونات البكتريا ومكونات مكونات البكتريا إلى أن نقترب من الصفر في الحجم والكتلة وكما قلنا أن الصفر فكرة وهمية لا وجود لها لأن العدم ليس له وجود .إذ أنه إذا تصورنا أن الأشياء تنقسم إلى أجزاء والأجزاء تنقسم إلى أجزاء وإذا اقتربت من الصفر فما زالت رغم ذلك أجزاء متناهية في الصغر بمعنى أن التقسيم ليس له نهاية وهذا يقودنا إلى صعوبة فهم فكرة الصفر..وهذا يقودنا إلى فكرة روحية مؤكدة أن حياة الإنسان بما فيها من حركة وتصرف لا تنتهي بالموت لأن الموت مثل العدم لا وجود له وإنما هو تحول من شيء إلى شيء وليس تلاشيا ولا عدما...نراه ظاهرة متكررة ولكننا لا نفهمها... وإذا كنا لا نفهمها فليس من العقل أن نلجأ إلى (عقل لا يعلم) لنحكم على شيء مجهول...
الدقيقة الثالثة
تتغير قيمة (الأشياء) بتغير الحاجة..مثل الشعور بقيمة الماء حين تعطش وأنت في صحراء وعدم الإحساس بقيمته عندما يتوفر..أو إذا فقدت المال وأنت في حاجة إليه وفقدت الشعور بقيمته إذا حصلت عليه بدون تعب... والشعور بالقيمة يتغير حسب الظروف والحالة النفسية..فمثلا تشعر بطول الدقيقة عند الحزن أو الألم أو السفر الشاق أو (عند الأمن المركزي) وتشعر بقصر اليوم إذا كان سعيدا وفي مكان مريح مع الأحباب...وهكذا تجد (امتداد الوقت وقصره لا يرتبط بالزمن المجرد فقط)...إذا فالقياس ليس ماديا فقط ولكنه يخضع في جزء منه للحالة الشعورية أو ما نسميها (العاطفة) وهذا معناه أن الأشياء ليست عقلية فقط ولكنها خليط من العقل والعاطفة ...وهنا تظهر فكرة الدين فهو خليط من الفكر العقلي والشعور (العاطفي) أو ما يسمى جوازا (القلبي) والشعور بالراحة حين اللجوء إلى فكرة استيفاء الحق من الظالم عند (حكم عادل) يزيل عنك شعورا ماديا بالضيق يظهر على أعضائك الداخلية والخارجية وهذه مظاهر مادية تنتج عن تفكير عقلي ومثلها أن يسرع القلب بالنبض وقت الخوف أو لقاء الحبيب أو تذكر الذنب خوفا من الحساب...
الدقيقة الرابعة
قد توقف العاطفة عمل العقل في حالة الغضب أو التحيز أو التعصب لفكرة ما... وقد يوقف العقل العاطفة في حالة الخطر مثل شعور المقاتل في زمن الحرب فإنه ينسى كل ما يربطه بالأهل والمال ويكون تركيزه الكامل في درء خطر العدو أو القضاء عليه دون تردد ولا حساب لعاطفة الرحمة..ولذلك فإن التوازن العقلي والعاطفي يحدث في حالة إمكانية الأسر بدل القتل وإن كان ذلك أقرب إلى تحكيم العقل نظرا لتوقع ما يأتي بعد توقف الحرب...وهنا أيضا تظهر عبقرية الدين في تحقيق التوازن بين العقل والعاطفة بالتوجيه إلى امتلاك النفس عند الغضب ...حديث الرسول (لا تغضب) والحديث الثاني....(ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب)..أو أحاديث الحث على توقير الكبير..والعطف على الضعيف والصغير.. ورحمة الذي ذل بعد عز ...إلخ...وبالعودة إلى مفهوم العاطفة التي نعرفها من خلال المشاعر البشرية المختلفة (كل ما يتعلق بالشعور) مثل الحب والكره والغيرة والحسد والغضب والرحمة والشفقة والتعاون أي كل المشاعر النفسية الحميدة والذميمة ..نجد أن الدين قد وضع لها قوانين جديدة وأقر قواعد قديمة وكانت حياة الرسول تطبيقا أمينا لهذه القواعد والشرائع بل جاءت في بعض آيات الكتاب تفصيلا لأهميتها البالغة مثل ...(لاتخرجوهن من بيوتهن إلا...) ...يريد الله بكم اليسر...لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم..لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ..(وبينكم أيضا ولا حتى في الدعاء والصلاة) لا تجهروا له بالقول.. لا تجهروا بالصلاة ...لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم .....ولا تعتدوا.... وأنفقوا في سبيل الله ...إلخ...
الدقيقة الخامسة
القاعدة المعروفة التي تقول إن المادة لا تفني ولا تستحدث قاعدة علمية لأن تحول المادة من صورة إلى أخرى أو تحولها في النهاية إلى طاقة حقيقة علمية ثابتة حتى الآن وربما تتغير.... وهي قاعدة عقلية منطقية ولكن بعض الظواهر التي اكتشفت حديثا تضع هذه القاعدة موضع التساؤل مثل ظاهرة الثقب الأسود الذي يبتلع كل ما وصل إلى مجاله حتى الضوء....قد يكون اكتشاف ظاهرة الثقب الأسود هي (مقلوب الاستحداث من العدم) بمعنى أن المادة التي تختفي في الثقب الأسود تذهب إلى العدم فكيف لا نتخيل الخلق من العدم وهو أيضا (مقلوب انعدام الموجودات في الثقب الأسود) ...هذا يجرنا إلى فكرة الخلق الأول التي أشار إليها كتاب الله ...(قال هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) والشيء هنا هو المادة التي تقاس... وعدم وجودها لا يعني أنها ليست موجودة في الكون وإنما يعلم الله أننا لن نراها إلا إذا خلقت....ثم إذا جاءت لحظة موتها (الروح) فإنها أيضا بالعقل لا تذهب إلى العدم (حسب قاعدة المادة لا تفنى) وإن قلت إن الروح ليست مادة (فما هي إذن؟)... قال الله (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)...يعني هي شأن من شؤون الله لا يستطيع الإنسان تصورها ولن يستطيع ..وبالعودة إلى فكرة (لا تفني) فإن الروح لا تفني بقانون الأرض الذي نعرفه وتفندها فكرة الثقب الأسودوهنا تبدو المفارقة كأن الله أعطاك الشيء ونقيضه حتى تعلم أن الظواهر لا تحتكم إلى العقل فقط فلا بد من النقل وأن (النقل في هذه الحالة يستحيل أن يكون عن البشر).... وأن العقل قاصر عن فهم التناقضات الكونية و(لا بد من إخبار من الله الخالق) ....وربما كانت هذه حجة الله على الناس وعلى قصور العقل عن الإحاطة بعلم الله وتكون النتيجة أن (التسليم بالعجز عن الفهم إقرار لله بالعلم المطلق) والقدرة التي لا تحد...وأخيرا ..العجز عن الإدراك إدراك
الدقيقة السادسة
الإبداع صفة من صفات الله يخلق بغير مثال...يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه..... يعني إعادة الخلق أسهل من الخلق الأول.... وهذا منطقي بطبيعة الحال ومذكور في الكتاب أكثر من مرة ...يبحث البشر عن معلومات مكتشفة أو نظريات مستحدثة عن كيفية الخلق وبداية الكون ونهايته وكلما وصلوا إلى تاريخ قديم (عن طريق ظاهرة عمر النصف للمواد المشعة أو الكربون) يجدون تاريخا أقدم.... وبدأ العلم بالقول أن عمر الأرض مليون عاما ثم تطور حتى بلغ المليارات ولم يصل الإنسان بعد إلى تاريخ معقول لبدء الكون الذي نعيش فيه وهنا يثور في نفس الباحث سؤال حتمي ..إلى متى تظل الحياة على الأرض أو متى تقوم القيامة التي يسمعون عنها في الكتب السماوية؟ لقد بدأ الخلق منذ ملايين السنين فلماذا ومتى ينتهي الخلق وتقوم القيامة؟... إذا كان الخلق قد بدأ منذ مليارات السنين فهل يستمر مليارات أخرى أم ينتهي في غضون أعوام عدة كما يقول البعض افتراء على الله ...يسأل أيان يوم القيامة...يسألونك كأنك حفي عنها أي (عالم بها) وفي كل مرة يقول الله ....قل إنما علمها عن ربي ...قل إنما علمها عند الله لا يجليها لوقتها إلا هو...ويبين أشراطها الغيبية التي لا نفهم النصوص التي جاءت في شأنها لأن الساعة مخفية عن الخلق كما أن القيامة بالمفهوم الجمعي غائب عن البشر ومن الناس من يقول بأن القيامة لكل مخلوق تحدث عند وفاته وهذا بحث لن نخوض فيه الآن ...ولكننا من البداية نقول أن التفكير في مثل هذه الأمور يجب ألا يتعدى الفسحة والترفيه لأن الوصول إلى الغاية مستحيل ...ومن المهم جدا أن نصل إلى النتيجة التي نهدف إليها وهي أن النقل عن الله ضرورة لسلامة العقل من الفتنة.... وكل ما جاء في كتاب الله حق لأن عقولنا لن تستوعب أسرار الكون والنفس والخلق والإعادة والقيامة ...إلخ..... والتطورات التي يكتشفها العلم (مثل التحول من نظريات إقليدس إلى نظرية النسبية) تشير إلى أننا ما زلنا نسير في العلم من علم ناقص إلى علم ناقص... ومن متغير إلى متغير... ومن بديهية إلى بديهية لأن البديهيات تتغير أيضا كلما تقدمنا في العلم.... المهم أن نتعلم من كل ما سبق من هذه الدقائق الست أننا .....لا نعلم علما يقينيا........ ولن نعلم علما كاملا ...وما أوتيتم من العلم إلا قليلا....هذا هو فرع أصيل من الدين ((((الإسلامي))))
التعليقات (0)