رغما عنا..ودون ترتيب مسبق..تجبرنا بعض الاحداث التي تطرأ على رتابة المعاش من ايامنا..الى استعادة المقارنة الازلية العتيدة ما بين الشر والخير..ما بين النفس الاستحواذي الاكتنازي الجشع..وما بين الايمان برفعة الوجود الانساني الخيّر واوليته ..بين التسلط والتقنين والتحديد القسري لارادة الشعوب ..وما بين الافق الذي يتيح الدفق الروحي للانسان لاطلاق اجمل ما فيه من مواهب وملكات وقيم اخلاقية حميدة..
سبع وستون دقيقة من الخير مقرونة بالزهور والحلوى وبطاقات التهنئة هي هدية العالم للقائد العظيم.. 67 دقيقة من تنظيف الازقة واماطة الاذى عن الطريق وعيادة المرضى ومواساة اليتيم ورسم البسمة على شفاه الاطفال.. سبع وستون دقيقة من تشجيع الناس على فعل اشياء بسيطة وعادية.. والاهم طوعا لا كرها.. هي التكريم الذي ينتظره نيلسون مانديلا..ذلك الانسان العالمي الكبير..الذي تقف له الانسانية في عيده اكبارا لنضاله الصرح تجاه مناهضي الحقائق الاساسية في الوجود والحياة..
سبع وستون دقيقة من الخير هي كل ما ينتظره ويسعد به المناضل العتيد الذي لن يخطئ التاريخ وضعه في مصاف الكبار الذين تركوا بصمتهم على مجمل المسيرة الانسانية المظفرة نحو الخير والنقاء بصورته الحرة الاسمى.. الذين يتملكون القدرة على استخلاص النور الازلي الموجود في الوحدة البشرية الاساسية..ذلك المناضل الذي اعتبرت الجمعية العامة للامم المتحدة يوم مولده يوما دوليا لنيلسون مانديلا، اعترافا باسهامه الهائل في نشر ثقافة العدل والسلام والحرية.
مانديلا الذي قضى 67 عاما من حياته في النضال من اجل التحرر والانعتاق والمساواة والعدالة الاجتماعية ..كان دائما ما يردد.. بتواضع الانبياء.. انها مهمة الناس العاديين في أن يجعلوا من العالم مكانا افضل..
هذا التواضع الذي يصفه الامين العام للامم المتحدة بانه مجرد سبب واحد من الأسباب التي تجعل نيلسون مانديلا مصدر إلهام للملايين، هو الذي جعله ينأى بنفسه عن الاستناد إلى الثروة أو السلطة،بل كان يحرص على تذكير الجميع الجميع بأنه رجل عادي. ولكنه حقق أشياءً غير عادية..
يضيفالامين العام متحدثا بلسان العالم"إن إنجازات نيلسون مانديلا كانت تكلفتها باهظة على المستوى الشخصي والأسري. إن تضحياته لم تكن لخدمة شعب أمته في جنوب أفريقيا فحسب، بل إنها جعلت العالم مكانا أفضل لجميع الشعوب في كل مكان. واليوم، في اليوم الدولي الأول لنيلسون مانديلا، نشكره على كل ما بذله من أجل الحرية، ومن أجل العدالة، ومن أجل الديمقراطية. لقد أوضح الطريق، وغير العالم، ونحن في غاية الأمتنان له".
تجبرنا هذه المقاربات الى الاستذكار القسري للمهرجانات الخرافية التي كان يساق لها الناس قسرا بالسياط ويتراقص فيها الرفاق ويتبارى من خلالها آخرون في نظم قصائد التغزل والتودد لمقام حامي البلاد ومالك مصائر العباد..وتعطل بها المؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات ويخشى فيها أي موظف من التغيب تحت طائل تهمة عدم التفاني في حب القائد..وهي التهمة التي تعادل تهمة الخيانة العظمى لدى الدول الطبيعية.. وتقام المآدب المتنوعة والمختلفة حد الغرابة والابتكار ولكنها تشترك جميعها في صفة البذخ والاسراف، ففي وقت كان فيه الشعب العراقي يعاني تحت طائلة الحصار الاقتصادي الجائر، والمواطن الفقير لايجد ما يأكله ..تهدر عشرات الملايين من الدولارات على احتفالية عيد ميلاد الحاكم حتى بات يوم 28 ابريل/ نيسان تاريخا يفرض نفسه في اجندة العراقيين تحت أي ظرف يعيشونه او يعيشه بالأحرى العراق.
وكما هو منتظر ومن منطق السياق الطبيعي للاشياء..هذا اليوم اصبح الان لا يمثل الا ذكرى هلامية باهتة الملامح لا تصلح الا للسخرية والتندر ولا يحتفل او يحفل به احد الى ايتام النظام وامعاته الذين لا يستذكروه الا بشموعهم السوداء المطفأة وحلواهم المليئة بالبارود الذي ينثرونه على ارصفة الموت المجاني ..ولا يذكرونه الا بانخاب الدم المراق في طرقات مدننا التي طالت نقاهتها من عهد الخراب البائد.
سبع وستون دقيقة هي اكثر مما يحتاجه السلاطين القابعون على عروش بلداننا لان يتخلوا عن محاولاتهم الفاشلة في البحث عن تأله زائف لا ينطلي الا على مريديهم من المنافقين والمطبلين ولا يساوي البذخ المبالغ له من خلال فضائيات لا يشاهدها احد ووسائل اعلام وجرائد لا تقرأ..
سبع وستون دقيقة قد تكون كافية لحكامنا لاجل تقصي اثر العظمة والخلود في خطى الزعيم العظيم..والتأمل في معنى ان يكون الانسان ممتلئا حد التخمة بالهم الانساني ومسكونا باحلام البشر وامانيهم ويجد مبررا وحيدا لوجوده في تطبيق هذه الأحلام والأماني والقيم وإبرازها وغرسها في أرض الواقع ..وكيف ان سطوة وهيبة الحكم لم تستطع ان تغتال الوهج الطفولي والاحساس الكامل بالا..وكيف ان عرش دولة اكبر واعظم كثيرا من دولكم الكارتونية لم يقوى على نزع انسانية وعفوية وبساطة العظمة في تواضع الخلق وقوة الحضور..
سبع وستون دقيقة قد تكون فاصلة ما بين الانبعاث والاندثار..ما بين عظمة الخلود ونفق النسيان المعتم..
لسنا في معرض النصح لمن قضي منهم نحبه..ولكنها تذكرة-وان كانت لا تحمل الكثير من الامال او الاوهام-لمن ينتظر..عسى ان يبدلوا مواقفهم تبديلا..
التعليقات (0)