سبحان الذي يُغير ولا يتغير

شارك زملاءه مكتبا ً متواضعا ً عليه بضع وريقات وعدة أقلام لا يستخدمهم إلا فيما ندر؛ غرفة صغيرة يتقاسمها عشرة موظفين ، مكاتب وكراس ٍ لا تتسع لهم ، لذا قرروا أن يتناوبوا .. كل يوم خمس موظفين على أن يقوم كلّ منهم بالعمل المترتب عليه لكي لا يقعوا في ( السين والجيم ).

سنة .. سنتان .. ثلاث سنوات وهم على هذا المنوال .. إلى أن طرقت باب تلك الغرفة ورقة ممهورة بتوقيع أخضر و تنصُّ على أن ذاك الشاب قد ضحك له الحظ وأصبح مديرا ً.

وما كاد يقرأ ما جاء في تلك الورقة حتى قفز قلبه من بين عينيه مع شهقة كادت أن تفقده حياته .. وبدأ بالهلوسة غير مصدق:
” أنا ..أنا .. الشاب الفقير الذي تمنعه ظروفه من أن يستقل (التاكسي) ،أنا الذي لم أجرؤ على التدخين فقط لكيلا أتكبّد مصاريف زائدة عن حدي .. جسدي مذ تسلّمت الوظيفة لم يعرف سوى ألوان قليلة من الملابس، كرسي الخيزران و البلاستيك جعلتني كالغصن المائل …..”

وبعد تلك الهلوسات .. استيقظ على الواقع متمنيا ً ألاّ يكون حلما ً .. نظر أمامه .. وجد أن الورقة لازالت على مكتبه ..

سبعة أيام كانت مدة غيابه عن عمله .. زملاؤه قلقوا عليه وأخذوا يطلبونه وكان دائماً (خارج التغطية )..

جاء اليوم الموعود .. أصوات سيارة فارهة تملأ المكان تقف أمام مبنى المديرية .. السائق يفتح الباب لرجل تزين ربطة العنق قامته .. و( سيكار ) فاخر تحمله أصابعه .. نظارات سوداء تغطي عينيه .. أحدهم يحمل حقيبته وآخر يسير خلفه كظله.

صرخ أصدقاؤه المتمركزون وراء النوافذ : إنه فلان .. “سبحان الله الذي يُغيّر ولا يتغير”.

لم تمض على جلوسه على كرسيه سوى عدة ساعات .. أصدر قرارا ً بمنع المناوبة .. الدوام من الساعة الثامنة حتى الثالثة والربع ، أي إجازة إدارية تعتبر بلا أجر و …..
تسلّم زملاؤه تلك التعليمات وقالوا لبعضهم بضحكة ساخرة : ” لم تدم لغيره حتى تدوم له ” ….

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : سيدة الزرقـــــــــة.