مواضيع اليوم

سبأ: تحت النار والحصار

زيد المحبشي

2011-07-08 19:01:50

0

زيد يحيى المحبشي

أخر تعديل لهذه المادة في 8/7/2011
ما يتعرض له الصحفيون في اليمن من كبت وترهيب وملاحقة واضطهاد وترويع وقتل وخطف ومصادرة لصحفهم من قِبَل النظام الحاكم, الممعن منذ انطلاقة الثورة الشبابية التغييرية السلمية في شباط/ فبراير 2011 وحتى كتابة هذه السطور, في سياسة التعذيب والتنكيل والملاحقة والاختطاف والمصادرة, وهي وإن كانت من الأمور الطبيعية والمبررة, التي عادةً ما تصاحب أي صراع سياسي بين ثقافتين متناقضتين, الأولى: تُصِر على الرضوخ لثقافة الاستكانة والمهادنة والقبول والرضا والتسليم الإستلابي بالواقع المأفون بكل مساوئه واعتباره من المسلمات والمقدسات التي لا يجوز الخروج عليها أو السعي لتغييرها, والثانية: تنشد ثقافة التغيير والحرية والعدالة والمساواة واحترام الرأي والرأي الأخر والتعددية الإيجابية والفاعلة والتداول السلمي للسلطة والحياة والكرامة الإنسانية, ولديها رغبة جامحة في إقامة الدولة المدنية الحديثة والعصرية التي كانت ولا تزال حُلم كل اليمنيين منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر, والتي مثلت أيضاً السبب الرئيسي لاندلاع ثورة فبراير 2011 المباركة, تلك هي دولة النظام والقانون, دولة المؤسسات الديمقراطية الحقيقية والسيادة الشعبية المعتبرة والمقررة والمستمدة قوتها من الشرعية الثورية كقوة رئيسية تجاور القوة العسكرية والقبلية والحزبية والإرث التاريخي ولا تنتظرها في صناعة حاضر اليمن ومستقبله, إنها دولة لا مكان فيها للغبن والتسلط والفساد والاستفراد والاستبداد والجور ومصادرة الحريات العامة وفي مقدمتها الحريات الصحافية.
  لكن من غير الطبيعي ومن غير المبرر ظهور قوى ومشيخات قبلية وأصولية وعسكرية وحتى حزبية للأسف الشديد, لم تدخر جهداً ولم تجد حرجاً للإسهام والإدلاء بدلوها في اضطهاد الصحفيين وترويعهم, وانتهاك الحريات العامة ومصادرة سنة التنوع الكونية, بذات الأساليب والوسائل والأدوات التي ينتهجها النظام وبذات الوحشية والهمجية البدائية, ولكن هذه المرة تحت عباءة ثورة التغيير, بعد أن سنحت لهم الفرصة ومكنتهم الأحداث العاصفة بهذا البلد المنكوب, من سهولة ركوب أمواج ثورة شبابه المتطلع نحو المستقبل, ليدفع الصحفيون في كلا الحالتين فاتورة وثمن وضريبة صراع قديم متجدد لا ناقة لهم فيه ولا جمل, وليس أخرها الهجوم الهمجي لمسلحي شيخ قبائل حاشد "صادق الأحمر" على وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" يوم الاثنين 23 أيار/ مايو 2011, والذي امتد لنحو سبع ساعات ونصف (من الساعة الواحدة ظهراً وحتى  الساعة الثامنة والنصف مساءا), قاموا خلالها بمحاصرة نحو 70 شخصاً من موظفي الوكالة بينهم 13 صحافية و42 صحافي ومنهم طبعاً كاتب المقال, داخل مبنى الوكالة وقصفه بنيران الدوشكا وقذائف الآربي جي وصواريخ لو وغيرها من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة, بصورة عشوائية ووحشية, تمثل سابقة خطيرة وبعيدة كل البعد عن الأعراف والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق المدنيين في الحروب الأهلية وتتنافى كليةً مع كل الأخلاقيات والأعراف القبلية والدينية العربية والإسلامية, وتعيد للذاكرة هجوم المغول الوحشي والهمجي قبل نحو 400 سنة على بغداد بكل تفاصيله, في الوقت الذي كان فيه قطز المملوكي ممسكاً بمقاليد حكم الخلافة الإسلامية بمصر.
الهجوم القبلي الهمجي على وكالة سبأ أسفر عن تدمير الطوابق الثلاثة العلوية والشبكة التقنية بالكامل, وتدمير المولد الكهربائي الخاص بالوكالة وخزان الديزل التابع له, وسيارتين من سيارات الوكالة, الأولى: تعود لمدير عام الأخبار الأستاذ أسعد الكلالي, والثانية: تعود لمدير الموارد البشرية حسين عثمان, كانتا وقتها رابضتين بفناء حوش الوكالة .. الخ, ناهيك عن الأضرار النفسية التي لحقت بموظفي الوكالة, بعد أن كنا قد عشنا تلك الساعات الثقيلة والرهيبة والأكثر سوءا ورعباً بالنسبة لنا, وسط أجواء مخيفة من الموت والهلاك المحقق لولا تدخل عناية السماء أولاً والعقلاء من أبناء هذا الوطن العظيم بعد إيقانهم بخطورة الحدث ومجانبته للصواب ثانياً, للتوسط من أجل إيقاف القصف والحصار وتوفير مخرج آمن, حتى يتسنى إنقاذنا وخروجنا من ذلك المستنقع الملتهب بأمن وسلام, وهو ما تم بالفعل بعد الساعة الثامنة و45 دقيقة من مساء ذلك اليوم المشؤم, حينها فقط أحسسنا بقيمة الحياة ونعمة الأمن والاستقرار والحرية والكرامة.
ساعات لا يمكن نسيانها أو محوها من الذاكرة, عشنا خلالها أجواء رعب حقيقية تشابه إلى حدٍ بعيد الأجواء العنفية لأفلام الكاوبوي الأميركية, بما تخللها من رعب وخوف وقصف عشوائي وهمجي حيناً ومركز ومقصود حيناً, قام خلاله المسلحين القبليين بالاستعانة بالنواظير الليزرية لتحديد أماكن تواجد الصحفيين واقتناصهم ورصد واقتناص كامراتهم الفضولية, إلا أن عناية السماء حالت دون سقوط أي منهم, وهو ما أغاض المهاجمين وأتاح لهم فسحة لإطلاق العنان لمخيلتهم من أجل تبرير الجريمة, ولعلى أسخفها طبعاً الزعم بوجود سبعة مدافع فوق سطح مبنى الوكالة تابعة للحرس الجمهوري وقيام الأخير باستخدامها في قصف بيت الشيح عبدالله بن حسين الأحمر رحمة الله تغشاه, ثم التراجع بعد أن تبين أن المبنى لم يكن فيه أي جندي من جنود الحرس الجمهوري ولا أية مدافع أو صواريخ, معتبرين ما جرى مجرد دعابة ورسالة في ذات الوقت للقيادة السياسية, لكنها للأسف الشديد دعابة قاتلة وسخيفة وثقيلة دم, لأن المستهدفين لم يكونوا جنوداً ومبناهم لم يكن ثكنة عسكرية وإنما هم مجرد مدنيين عُزَّل لا حول لهم ولا قوة يؤدون أعمالهم كأطراف محايدة تقتضي مهنتهم الرسالية نقل المعلومة وتغطية الحدث ولذا فجُل ما يملكونه هو القلم والفكر وأجهزة الحاسوب والأوراق, والأدهى من ذلك أن غالبية المتواجدين ومنهم كاتب المقال, هم من أقلام التغيير ومن الداعمين لثورة التغيير الشبابية السلمية منذ انطلاقتها, ولا زالوا كذلك رغم كل المرارات والتجاوزات والاستهدافات التي حدثت ولا زالت  تحدث للحقوق والحريات الصحافية.
ولنا هنا أن نسأل عن الذنب والجريرة التي اقترفناها حتى يتم الزج بنا في محرقة العصبيات والُثارات القبلية ومستنقع تصفية الحسابات السياسية والحزبية والتاريخية, وتحويلنا إلى أهداف عسكرية في حرب وصراع لا ناقة لنا فيهما ولا جمل.. ولنا أيضاً أن نسأل في وضعٍ مخيف كالذي نعيشه اليوم عن هوية اليمن الجديد يمن ما بعد ثورة شباط فبراير 2011 ؟ وسط تزايد المخاوف بصورة لافتة على خلفية مجزرة 19 مارس 2011 تحديداً من إمكانية استنساخ لغم القوى التقليدية والقبلية والأصولية والعسكرتارية المتفجر عقب ثور التغيير المصرية بتداعياته الكارثية المهددة بإهلاك الحرث والنسل في اليمن؟, مع كل الحب لكل أفرقاء الصراع السياسي في اليمن, وكلي الأمل لاستشعار جميع أطراف الأزمة اليمنية من منطلق الضرورة المرحلية والواجب الديني والوطني قبل فوات الأوان وخراب مالطة وهدم المعبد على من فيه بأن الوطن فوق الجميع وأوسع من الجميع, وبأن الحوار لا سواه إذا خلُصت النوايا وتطهرت القلوب من درن الأحقاد والكبر والضغائن وتم تغليب المصلحة الوطنية على ما عداها يظل المخرج الوحيد للجميع والسبيل الأقوم لإنقاذ الوطن والسير به إلى بر الأمان ذلك انه ليس بمقدور أي طرف إلغاء الأخر مهما كانت قوته أو قاعدته الشعبية إلغاء الأخر أو تجاوزه أو فرض إرادته عليه كوننا نعيش في بلدٍ محكوم بتوازنات وتنوعات فكرية وقبلية وسياسية بالِغَت الحساسية وهذا يستدعي من الجميع ضرورة التضحية والتنازل من أجل الجميع الذين هم نحن اليمنيون لا سوانا بدلاً من الانتظار لفزاعة الإنقاذ الخارجية, لأن ما عدا ذلك الخراب والدمار والويل والثبور وعظائم الأمور.
هذا المقال عبارة عن جزئية من ملف توثيقي مطول سمحت لي الفرصة بتحبيره يحمل عنوان "سبأ: سبع ساعات تحت القصف والحصار" أتمنى أن يرى النور قريباً, حاولت فيه توثيق تفاصيل أحداث الاثنين الأسود 23 أيار/ مايو 2011 والتركيز بصورة خاصة على مجريات الهجوم على وكالة سبأ من واقع الحدث, لما شاهدته أثناء تواجدي بمبنى الوكالة يومها, ورصد كافة الوقائع والأحداث التي عشناها بصورة حيادية وموضوعية, بعيداً عن التجني الأيديولوجي والتجيير والمناكفات القبلية والسياسية والحسابات الحزبية الضيقة.
  للتأمل فقط, يقول الإمام علي عليه السلام: " لو تكاشفتم لما تباغضتم" " أشجع الناس من غلب هواه"
Al-mahbashi@maktoob.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !