سامية فهمي القصة الحقيقية
مصريات
رغم اجتهاد الموهوبة منة شلبي و ثقة هشام سليم وبساطة اداء باسم ياخور وابتاد المخرج نادر جلال عن الفذلكة وكتابة السيناريست بشير الديك الدقيقة إلى حد كبير يظل للنص الاصلي سحره وطلاوته وعمقه ونفاذه خاصة أن الراحل صالح مرسي هو الذي اطلع مباشرة على ملفات المخابرات العامة والقضية الاصلية مما يجعل القراءة جديدة لما كتبه في ثلاثة مجلدات و585 صفحة رحلة ممتعة بصرف النظر عن تطور الاحداث في الحلقات التالية من المسلسل التي بكل تأكيد ستنتهي دون أي اشارة إلى شخصية سامية فهمي الحقيقية ومصيرها حاليا .
القصة تروي تفاصيل نجاة انسان محب لبلده من حبائل الخيانة والاحداث تدور في يوليو 68 بعد النكسة حيث ذهبت سامية فهمي للتبليغ ضد خطيبها ، فوجدت المخابرات ترصد حركة خطيبها وحركاتها منذ البداية .
التبليغ جاء بناء على نصيحة من احمد مختار رئيس تحريرها والفدائي والضابط السابق ، حيث نصح سامية بالتوجه لمقر المخابرات في كوبري القبة للقاء السيد ( عادل مكي ) ضابط المخابرات الشاب الذي كان يتابع الخائن المحب للثراء بأي ثمن وكان قلقا لدخول سامية دائرة الشكوك ..عادل دفعة مختار .. والاخير انقذ الاول في عملية فدائية مع الفلسطينيين عام 1955 ، أما الشخصية المحورية في الاحداث فهي نبيل سالم الذي لم يكمل تعليمه الجامعي ووالده موظف بوزارة الصناعة التقى بلويز جولدمان خلال خروجه من مصر في رحلة ( سياحة ) لالمانيا دون عقد عمل .. اقترب نبيل من عصابة لترويج المخدرات وتعامل بخفاء مع الالمانية التي انقذته من الموت عند مرضه .. حتى تعرف على ابو سليم السوري ضخم الجثة .. والذي يبدو عليه أنه معتز بعروبته و ثري . ( يرى أن جمال عبد الناصر زعيم عظيم وتاريخي لكنه جعل اسرائيل تحظى بتعاطف العالم )، ينفق ببذخ ، البداية الخطأ والطريق لجهنم مفروش بالنوايا الحسنة فرغم مساوئ نبيل وفشله ( لأنه شايف نفسه ) دون أن يبذل جهدا .. فإن بداية وقوعه في الفخ كانت إقناعه لنفسه بأنه فقط سيجاري الرجل الكبير ( ابو سليم ) حتى يحصل على المال اللازم لكي يعود ويستكمل دراسته في مصر ، أو في أفضل الاخةال يؤسس شركة تؤمن مستقبله ، وفي المقابل أحكم الرجل الكبير وفريديرك الخناق عليه وورطوه وهددوه بالسجن أو الاغتيال في حالة الخروج عن طريق الانحراف ، الرجل الكبير أبو سليم استجوب نبيل وكأنه يتحدث معه حديثاً ودياً وداعب أحلامه عندما نصحة بإغداق الهدايا على سامية فهمي حتى ترضى عنه ، وعلى طريقة الخطوة خطوة زعم ابو سليم أن تجارة المخدرات تجارة عالمية ورغم أنه لن يتم إرساله لمصر خوفا من العقاب الشديد فإنه أيضا لن يتورط في الاتجار بالمخدرات في اوروبا قبل أن تكون له إقامة شرعية وسرعان ما تطور الامر في النهارية لشبكة يسعى نبيل لتجنيدها بكل حنكة من المصريين عن طريق الجنس و المخدرات .
طرق مقابلة نبيل لأبي سليم وطرق ترك مفتاح غرفته في المكتبة داخل كتاب بعينه كانت مؤشراً خطراً لنبيل فهو لم يكن غبياً لكنه تجاهل مؤشرات الخطر متعمداً .. مستسلما لمصيره وتورطه ، خاصة بعد أن ورطه نبيل في نقل حقيبة مخدرات وسط ترتيبات تمويه معقدة .. ( وهو ما اتضح بعد ذلك إنه مجرد تدريب وتوريط له ) ، نقل نبيل حقيبة المخدرات بالفعل ، لكن الموساد دفعه لمخالفة تعليمات ابو سليم من خلال عميلة الموساد وإقناعه بأنه تم كشفه من قبل الشرطة الالمانية وضبط متلبساً ، فيتم تهريبه بجواز سفر مزور الى سويسرا ومنها برا إلى ايطاليا ،
القصة الحقيقية ظهرت بها ثلاث عميلات للموساد كانت أخطرهن لويز جولد مان عميلة الموساد التي تتقن العربية وتوقع العرب في الخارج بسهولة نظرا لأنها عاشت فترة في بيروت ولديها جواز سفر امريكي .
تمكنت المخابرات الاسرائيلية من نسج ملف لها ودسه على إحدى الشركات العاملة في مجال السياحة وكانت تحاول في كثير من الاحيان ألا تثير الشكوك ومع هذا كشفتها المخابرات المصرية وسددت لها ضربات موجعة جعلت قيادتها تسحبها الى تل ابيب لفترة طويلة … عادت لشركة السياحة سكرتيرة تستقبل نبيل الباحث عن عمل وتبدي اعجابها بوسامته وتساعده في اتقان الالمانية حتى تسيطر عليه داخليا وبعد توريطه اختفت من حياته لتظهر له راشيل في ايطاليا والتي قالت له بشكل مباشر انها اسرائيلية من مواليد الاسكندرية وحضرت الى ايطاليا للعمل .
تتصاعد الاحداث وسخونتها عندما تسافر سامية لايطاليا لشراء سيارة .. وهو ما يتماشى مع الاجواء والقوانين في تلك الفترة .. ( الذهاب الى المانيا أو بريطانيا أو اليونان لشراء سيارات مستعملة ) ، وهناك عرفها نبيل على مسيو جارديني صاحب وكالة أل . أم . دي للانباء .. وتم تقديمه على أنه كاتب في صحيفة لاربابليكة الايطالية اليسارية التوجه حتى تطمئن سامية فهمي ثم تم الضغط عليها لتستجيب للعمل في وكالته من خلال سرقة أموالها ، لكن الشك تعاظم في قلبها عندما ذكرت في الفندق أنها ستتصل بالسفير المصري لمساعدتها وهنا فوجئت بتحول كبير في معاملة الفندق الذي لم تدفع اجرته ، حيث رغب الموساد في إبعادها عن السفارة المصرية ومع هذا كان اتخاذ القرار بالنسبة لها سهلا حينما كان عليها الاختيار بين مصر و .. نبيل .
تسلسل الاحداث يؤكد للجميع أن سامية فهمي اختارات الشخص الخطأ لكي تمنحه قلبها .. فطوال الوقت كان أمامها مدير تحريرها الشهم المفتون بها فريد الذي يضطر في النهاية لخطبة فتاة أخرى .
وموقفها من سفر نبيل غير المخطط على أسس كان سلبيا ومنذ البداية تركها الضابط عادل تروي ما تريد أن ترويه ثم طلب منها الخطابات التي أرسلها لها نبيل .. رغم أنها شخصية ، وفي هذا ترسيخ لمبدأ عدم الشعور بالاحراج من ذكر تفاصيل شخصية عندما يتعلق الامر بأمن الوطن وتجدر هنا ملاحظة أنه عندما دخل نبيل دائرة الخطر حاول عدد من رجال المخابرات المصرية إبعاده عن ابو سليم بعرض وظيفة عليه في فرع لشركة مصرية لكنه أصر على الرفض .. وظل يخون بلده دون مقابل حيث أوهمه أبو سليم عميل الموساد أنه أضاع مخدرات بربع مليون جنيه وأن المنظمة التي يعمل لصالحها تريد منه أن يوقع على ايصال بالمبلغ على أن يتم رده من خلال العمل لصالح المخابرات الاسرائيلية .
وعن وسائل المخابرات المصرية في الخداع أوضح صالح مرسي في روايته أن المصريين أقنعوا الاسرائيليين بأنهم غير موجودين في هامبورج وفي المقابل ارتكب الاسرائليين خطأ فادحاً بتأجير خزانة لنبيل في السكة الحديد وكان الخطأ الاكبر أو بالاحرى الضربة القاصمة التي أدت شل العملية برمتها سوء تقديرهم لطبيعة شخصية سامية فهمي وعدم إدراكهم أنها لن تتورط في خيانة بلدها حتى ولو كان هذا من أجل إرضاء حبيبها الذي بدأت تتشكك في خيانته لمصر بعدما شعرت أنه تغير لكنها اعتقدت أن هذا فقط بتأثير التجربة المريرة التي خاضها في الغربة دون عقد عمل .. نبيل سال لعابه عندما علم أن سامية فهمي تدرس في معهد الدراسات الاشتراكية الذي أتاح لها بجانب عملها الصحفي لقاءات دورية مع نواب رئيس الجمهورية و الوزراء والشخصيات العامة ، ولهذا تأكدت المخابرات وتحديدا الضابط عادل مكي من أن الزيارة التي قام بها نبيل لمصر كانت تستهدف فقط الايقاع بالصحفية سامية فهمي .
لاحقا تتعلل سامية فهمي بدخول والدتها المستشفى لمرضها الشديد وعدم قدرتها على الحضور لروما حسب طلب وكالة الانباء وهنا يتلقى نبيل الاوامر من ابو سليم بأن يسافر لكي يحضر المعلومات من سامية فهمي في ظرف مكتوب ويتم ذلك بمتابعة من المخابرات المصرية ، لتنال سامية 500 دولار من الموساد نظير عملها ويعود نبيل فرحا إلى ايطاليا بعد أن تصور وجود معلومات مهمة معه سيسعد بها الموساد .
بعد ذلك ستذهب سامية فهمي الى ايطاليا لتتفق مع عملاء الموساد على أن يرسلو لها رسالة عبر الراديو باسم فتاة أخرى على أن يكون فك شفرتها في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ وتحديدا الطبعة الثالثة ودربوها على استخدام الشفرة وفكها ، مع توفير جهاز راديو حساس لها وبالفعل أرسل الموساد سيارة للاسكندرية كان مخبأ بها الكربون السري والمطهر ومفتاح الشفرة ، وهو ما نجحت سامية فهمي في تسليمه الى مصر بالاضافة الى نبيل الذي تم تصويره في غرفة في فندق بمصر وهو يتلقى أول رسالة مشفرة عبر الراديو من الموساد ليعترف نبيل تفصيليا ويكشف كثير من أسرار شبكة الموساد .. وينصح سامية بأن تحب من يستحقها بعد أن حسمت أمرها بعد أعنف صراع بين العاطفة والواجب .
الجميل في الرواية أنها ليست سردا دراميا مثيرا للأحداث فحسب وإنما تقدم أيضا بانوراما استعراضية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر في سنوات ما بعد النكسة ، يقول صالح مرسي في سامية فهمي ” لم تكن المعلومات التي توافرت لضابط المخابرات المصري عادل مكي عن بيل سالم تمثل شيئا جديدا عليه .. ففي تلك الايام التي اعقبت هزيمة 1967 نشطت المخابرات الاسرائيلية نشاطا كبيرا في محاولة لاستغلال ذلك التمزق الذي دفع أعدادا هائلة من الشباب المصري دفعاً إلى اوروبا .. كانت اسرائيل في تلك الايام تملك امكانيات بلا حدود واستطاعت الدعاية الاسرائيلية – في الغرب كله وفي الولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص – أن تحصل على المزيد من المساعدات والمكاسب فوق ما كانت تحصل عليه بالفعل مما أعطاها امكانات هائلة ولابد لما من الاعتراف بأن المخابرات المصرية لم تكن تملك مثلها في وقت كانت البلاد فيه في حاجة ماسة إلى كل قرش ” .
ثقة صالح مرسي في إمكاناته وفي امكانات المخابرات المصرية وقدرته على اختراق وفهم الجانب الآخر بدت واضحة في فقرة وردت في المجلد الثاني من مجلدات سامية فهمي الثلاثة إذ يقول :
” لابد لما هنا من إلقاء نظرة ولو سريعة ، نستكشف بها كيف يفكر ضابط المخابرات الاسرائيل الي أطلق على نفسه اسم ابو سليم وبالتالي كيف كان يفكر جهاز المخابرات الاسرائيلي … حتى تستقيم الامور وتتضح الخيوط كل الخيوط أمام من يريد أن يعرف كيف كانت العقلية الاسرائيلية تفكر وتتحرك في تلك الحقبة الخطيرة والمشحونة التي أعقبت هزيمة يونيو 1967 ، وكيف كان الغرور الاسرائيلي وذلك الصلف الذي تسلحوا به ، سلاحا استعمله الرجال ( يشير صالح مرسي بهذه الكلمة لضباط المخابرات المصرية خاصة أولئك الاملية في اوروبا للتصدي المبكر لمحاولات الاختراق الاسرائلية من اوروبا ) وحاربوا به مع اسلحة كصيرة كلفتهم من الجهد والعرق كثيراً “.
ويسترسل مرسي فيوضح عشقه لعمل المخابرات وتقديره العظيم لمن يؤيدونه لدرجة مقارنته عملهم بأعمال الفنانين والمبدعين ويقول ” وإذا كان هذا النوع من النشاط الانساني له قوانينه وقواعده التي لا تختلف في أصولها وجذورها من دولة إلى دولة أو من جهاز إلى آخر .. إنما يأتي الاختلاف في التفاصيل التي تخضع – مع الظروف الموضوعية المحيطة بكل حالة – للتقدير الشخصي لضابط هذه الحالة .. وقد لا يكون الاختلاف من جهاز إلى جهاز آخر فقط ، بل ربما كان بين ضابط وآخر في الجهاز الواحد …فإن التصرف هنا – أو كما يطلقون عليه التكتيك – هو أقرب إلى بصمة الفنان منه إلى أي شيئ آخر ” .
ومن المعلومات التي كشفها صالح مرسي في المجلد الثالث من ” سامية فهمي ” ما ذكره عن تطور حدث في الستينيات من القرن العشرين في حرب الجواسيس في اوروبا فقال : ” انتشر في اوروبا – إبان العقد السادس من هذا القرن خاصة بعد حرب 1967 – ما أطلق عليه رجال المخابرات المصريون اسم ( بيوت الملذات ) ولم تكن هذه البيوت سوى مصيدة للشباب العرب الباحثين عن الملذات ، أقامتها المخابرات الاسرائيلية في العديد من الدول الاوروبية ، خاصة تلك التي كان العرب يكثرون من التردد عليها في رحلات سياحية كنت تطول في بعض الاحيان ، ..كان الشباب العرب – في أحضان الحسناوات المدربات تدريبا عاليا ، مع كئوس الخمر والدخان الازرق – يبوحون بما يجب ألا يبوحوا بع .. ولقد استطاعت المخابرات المصرية في وقت مبكر ، أن تكتشف هذه البيوت وأن تخترق معظمها وبعض هذه البيوت كان مرتعا لكثيرين من الشباب العربي الذي تطوع بإبلاغ المخابرات المصرية عما حدث ، ثم تطوع بالاستمرار في التظاهر في البحث عن ليال حمراء ، كي يبوحوا بمعلومات مغلوطة كانت بالقطع تنقل إلى المخابرات الاسرائيلية التي كثيرا ما أوقعت قياداتها السياسية في تلك السنوات ، في مآزق تكاد تكون مضحكة نتيجة لتلك المعلومات الخاطئة والمغلوطة التي كانوا يلتقطونها من ضحاياهم الموهومين .. كما استطاع رجال المخابرات المصرية في الوقت نفسه أن يوقعوا بهؤلاء الذين أفاقوا مما انزلقوا إليه ، كي يجدوا أنفسهم قد تطوروا حتى آذانهم في الخيانة “.
وفي الوقت نفسه كانت هناك مقاه مثل مقهى بابلو في روما الذي كان يستعمل في بعض نشاكات الموساد المختلفة ، سواء بعلم صاحب المقهى أو دون علمه ..وكان هذا النوع من المقاهي المريبة يستعمل كستار من الممكن أن يلتقي في رجال الموساد مع من يريدون اللقاء بهم بعيدا عن عيون المتطفلين … تماما مثلما فعل من أطلق على نفسه اسم أدريان تومسون مع سامية فهمي .
وأخيرا فإن حرص صالح مرسي على عدم المبالغة في تصوير مثالية رجال المخابرات المصرية والاعتراف أحيانا ببراعة عمل قام به الموساد منح أعماله المصداقية ونبه الجمهور لصعوبة عم ل المخابرات الذي يواجه خصما لا يستهان به ويتمتع بامكانات وخبرات كبيرة ، الامر الذي يحفز المواطن العادي للابلاغ إذا ما توافرت لديه معلومات أو توريط ضعاف النفوس ومن يسافرون بغير هدى أو تخطيط خارج مصر وهو جهد محمود بالطبع لصالح مرسي ومن هم وراء صالح مرسي في ظل استمرار الصراع الخفي بيننا وبين تل أبيب حاليا وفي الافق المنظور
د.أحمد فؤاد انور
التعليقات (0)