ونتابع.... وبلا منازع.. يعتبر عام 1990 من القرن العشرين مرحلة جديدة دخل العالم يومها ضمن مفاهيم حديثة كانت غائبة أو مغيبة عن مجتمعاتنا الشرق أوسطية. فبعد حروب القومية العربية مع الكيان الاسرائيلي والفصول الهزلية التي رتب لها مسبقاً، جاءت اتفاقية كامب ديفيد لتثبت وجود هذا الكيان كحقيقة لا خيال. وبطل هذه المرحلة كان الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي تم اغتياله على يد خالد الإسلامبولي التابع لمنظمة الجهاد الإسلامي التي كانت تعارض بشدة اتفاقية السلام مع إسرائيل، ومثل هذا الحدث الإعلان المبدئي عن خطر الحركات الاسلامية المجاهدة ووسمت يومها بـ"الإرهاب".
وعلى الضفة الشرقية من الخليج الفارسي كانت الجزيرة العربية ودولها الخليجية على موعد للدخول في أتون حرب، أقل ما توصف فيه أنها مذهبية، امتدت لثمان سنوات منذ عام 1980م وتصدر لها الرئيس الراحل صدام حسين الذي سمي لاحقاً "حامي البوابة الشرقية" من الجارة المسلمة الجمهورية الاسلامية الايرانية حديثة العهد بعد اسقاط الشاهنشاهية وقدوم السيد آية الله العظمى الخميني. جميع ما أسرده هو مخطط له مسبقاً ضمن الأجندة الماسونية المتصهينة وتمثلها الولايات المتحدة بهدف السيطرة على ثروات المنطقة العربية وبالأخص الجزيرة والعراق.
فالخطة تضمنت أولاً: فصل مصر عن تصدر عباءة القومية العربية بهدف إضعاف اندفاع تيارها بالمنطقة. وثانياً: الإتيان بالسيد الخميني إلى إيران لتنشيط وإحياء المذهب الشيعي وتوحيد صفوفهم التي شتتها شاه إيران وصدام حسين.. فجاءت حرب الثمان سنوات تحت عنوان ايقاف المد الثوري الشيعي من الدخول إلى الجزيرة والعراق لاستمالت الشيعة العرب في كليهما لمفاهيم الثورية الخمينية. وثالثاً: شق وحدة الصف العربي جراء ما حدث عام 1990 والزلزال اللامتوقع بتشجيع صدام حسين على غزو الكويت، وفي المحصلة موت القومية العربية وهروب منتميها إلى معتقدات سياسية أخرى، كان الفكر الليبرالي بطلها.
وعلى ضفة شرق أوسطية أخرى تمثلت في عقد الثمانينيات كانت رحى مخططات مكملة لما كان يدور في منطقة الجزيرة العربية، وهي أفغانستان التي رضخت تحت حكم الشيوعيين من الأفغان واستعمار الاتحاد السوفييتي. يومها كانت المقاومة الأفغانية متمثلة بالقبائل والعشائر بمذهبيها السني والشيعي، ولكن ضعف تسلحها كان الحلقة الضعيفة في اتخان الروس بالألم والخسائر. وهنا بدأت الإدارة بالتدخل عبر وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) بعد أن تم إقناع الكونغرس الأميركي بفظائع مجازر الروس ضد الشعب الأفغاني، وبدأت الجولات الأميركية الإفعوانية المكوكية ما بين الرياض وتل أبيب وبعض العواصم العربية الأخرى بهدف تعزيز المقاومة الأفغانية من خلال مد الافغان بعناصر مقاتلة تحت راية الجهاد، وهنا كان دور السعودية الكبير استمالت ورعاية وايصال هؤلاء المجاهدين إلى أفغانستان.
أما الدور الإسرائيلي فكان عبر مافيا تجار الأسلحة الاسرائيليين الذين استولوا على السلاح الروسي الذي غنمه الجيش الاسرائيلي من خسائر حروب العرب مع الكيان الاسرائيلي. وعندما اشتد عضد المقاومة الافغانية بوجود المجاهدين المسلمين طورت المافيا الاسرائيلية من سلاح المقاومة بصواريخ "ستينغر" أرض - جو لكسر التفوق الجوي الروسي الذي كان يكبد المجاهدين خسائر كبيرة. الحرب الأفغانية لإخراج الروس لم تكن أجندة اعتباطية ولكنها كانت ركن أساسي في سقوط القطب الثاني المناكف للقطب الأول في العالم أميركا. فسقطت الشيوعية في الاتحاد السوفييتي وتفككت إلى جمهوريات في العام 1991 باستلام بوريس يلتسين مقاليد الحكم، وكان قدوم الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف وخططه الواعدة بإعادة البناء وخفض التوتر السوفييتي-الأميركي قد مهّد الطريق إلى الانهيار السلميّ نوعاً ما، والذي أحاط به ضباب من الانقسام الداخلي في الجيش السوفييتي والذي أوصل بوريس يلتسين على ظهر دبابة إلى سدة الحكم في روسيا.
وبعد الغزو العراقي للكويت وسقوط الاتحاد السوفييتي تفردت الإدارة الأميركية المتمثلة بالجمهوريين بحكم العالم دون رقيب أو حسيب, واستطاعت أن تجد لها موطئ قدم في الجزيرة العربية بعد أن أبقت على نظام صدام حسين حاكماً للعراق كفزاعة خطر استراتيجي لدول الخليج عوضاً عن إسرائيل التي أدرجها الأميركان في مؤتمر السلام في الشرق الأوسط مع الأطراف العربية من دول الطوق ومحيطها. وبدأت فصول الحكاية تحاك بمغزل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي سوقها الأميركان في المنطقة واندفاع الشعوب العربية بعبط وراءها. وهنا حلت الطامة.......
التعليقات (0)