ونتابع... وتعتبر حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية من أخطر مراحل سلسلة تسيد الماسونية العالمية وربيبتها الصهيونية على العالم، ويومها تحركت الإدارة الأميركية بمشروع مارشال لإعادة بناء رأس المال في أوروبا عموماً، بهدف إيقاف المدّ الثوري التحرّري في المقام الأول، وخاصة في فرنسا وإيطاليا، وأيضاً بهدف السيطرة على رأس المال في كل من هذين البلدين.
كذلك، هدف مشروع مارشال إلى إعادة بناء رأس المال في ألمانيا واليابان اللتين تميزت مجتمعاتهما بالضعف النسبي النقابي والسياسي، الأمر الذي كان يعني مردوداً ربحياً أكبر لرأس المال الأميركي ولطبقتي البورجوازية الألمانية واليابانية في كل منهما، إلى جانب توفُّر القدرة الأكبر للنمو والتوسع في هذين البلدين.
ولكل من لا يعرف "مارشال"... فهو الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947، فقد ألقى في 5 يونيو 1947 خطابا امام جامعة هارفارد يوضح فيه مشروعه الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكانت الهيئة التي أقامتها حكومات غرب أوروبا للاشراف على إنفاق 13 مليار دولار أميركي قد سميت "منظمة التعاون والاقتصادي الأوروبي" وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة اعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوروبية.
يومها وقف مارشال يصف الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية الآخذة في إفلاس القارة الأوروبية أثناء نضالها المستميت في سبيل التعافي من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. فلم يكن لدى الأوروبيين، بعد مرور عامين على انتهاء الحرب، أي منتجات يبيعونها للحصول على العملة الصعبة. ونظراً لذلك، لم يكن بإمكان المزارعين بيع المواد الغذائية التي أنتجوها. وقد أدى هذا إلى انهيار المجتمع الاقتصادي وإلى التخوف من ظهور مجاعة واسعة النطاق أثناء إنفاق العائلات والحكومات السريع لكل مدخراتها على شراء الضروريات. وكانت قدرة العملة الألمانية الشرائية قد انهارت بحيث أصبحت لا قيمة لها وأصبحت السجائر هي العملة المعتمدة في معظم الصفقات.
وبرز تحدٍ آخر تمثل في فصائل المقاومة لجيوش هتلر "النازية" وموسيليني "الفاشية" التي ظهرت خلال الحرب ونهضت على عاتق الأحزاب التقدمية والنقابات العمالية التي أخذت على عاتقها أيضاً مقاومة الرؤوس الرأسمالية الأوروبية التي استمالتها الإدارة الأميركية من الحكومات الأوروبية، وفرنسا أنموذجاً. فكانت النتيجة أن الحرب انتهت والمقاومة هي سيدة المسرح السياسي، لذلك كان ردّ فعل رأس المال الأميركي، والبورجوازيات الأوروبية واليابانية التي سلمته زمامها، هو التصدّي الفوري لتلك المقاومة وجماهيرها العريضة، للحيلولة دون خروجها من شبكة العلاقات الرأسمالية، فكان مشروع مارشال أول وأهم أساليب التصدّي.
لهذا توجب على الساسة الأوروبيين واليابانيين الذين قبلوا برامج المساعدات والإعمار الأميركية الخضوع لشروط واشنطن، فانتشرت لجان المراقبة الأميركية في الدوائر الرسمية وفي إدارات الشركات للتدقيق في مدى الالتزام بتنفيذ البرامج. ولم تكن تلك المظاهر إلا أنها تعبر وبشكل فج عن السيطرة الأميركية على القارة العجوز بهدف إخضاع شعوبها للأمركة القادمة. أما اليابان فقد بدت السلطوية الأميركية في أوضح طلاتها وغدت بلاد "الترانزيستور" مجرّد مستعمرة على مدى عقدين من الزمن، ثم تحوّلت إلى طرف من أطراف رأس المال الدولي الموحّد بزعامة رأس المال الأميركي.
وفي أتون هذا الذعر رضخت أوروبا واليابان لسياسة الأمر الواقع بالتبعية للأميركيين كحماة لأنظمتهم المتهالكة، وقادهم ذعرهم إلى الخيانة الوطنية، حيث مكنوا الأميركيين من الإطلاع بسهولة وبساطة على أسرار صناعاتهم المتفوقة، ووضع يدهم على كنوزهم العلمية والمادية والبشرية التي لا تقدّر بثمن. وبما أن الدولار غدا سيّد العملات، فقد نجح ماسونيو واشنطن في تحقيق سيطرتهم عن طريق الاستثمارات وشراء المشروعات القائمة في تلك البلدان، مقابل وعود بالتسديد بالدولار، ومقابل إعطاء الدائنين شهادات بتلك الوعود، فكانت "برامج الإعمار" العملاقة التي جعلت أوروبا واليابان، بمصانعها وشركاتها وأسواقها، بلداناً تابعة يقتسم الاحتكاريون الأميركيون منافعها وأرباحها.
وترتب على ذلك الأمر انخراط دول غرب أوروبا واليابان في الأحلاف، كحلف "شمال الأطلسي" الذي اتسع ليشمل السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع. وهدفت الماسونية العالمية من ذلك توحيد الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة في إمبراطورية جديدة تقودها محافل واشنطن.. فقد اقتضى لقيام الإمبراطورية الأميركية الجديدة "الماسوأنجيلية" المتصهينة، زوال كل أثر من نفوذ لأية دولة رأسمالية قديمة. وتيقن الماسونيون أن تحقيق انصهار تلك الدول لن يكون ناجعاً عن طريق العنف والإكراه العسكري فقط، بل كان عليها التوفيق بين حاجتها إلى المستعمرين القدماء كمساهمين في إمبراطوريتها يقفون معها ضدّ الشعوب، وبين نزعتها الاحتكارية التي لا يمكن أن تسمح لهم بالإحتفاظ بسياساتهم الاستعمارية المستقلة عنها.
وهكذا فهي دعمتهم بالمال والسلاح لقمع الثورات والمقاومة، وفي الوقت ذاته وضعت نفسها في موقع القادر على توجيه الأحداث كي تخدم في النهاية مصالحها أولاً. ولعل ما ترتب عليه من أحداث وقعت منذ عام 1948 وإلى 1990 في منطقة الشرق الأوسط، الكيانات التي أنشئت والسلطويات التي مكِّنت، لهو دليل دامغ على أن القوى الخفية في السرادق والأقبية في وجهها الباطن والماسونية والصهيونية في الوجه الظاهر، لم تكن بريئة مما آل إليه العالم وما سيؤول له قادماً غلى طريق الدمار الشامل. ولهذا، فإن الأمم جميعها وبمختلف فئاتها تقف من الديكتاتورية الأميركية العالمية موقفاً يتراوح بين التململ والاحتجاج وبين التصدّي والمقاومة. ومرحلة جديدة بدأت.......
التعليقات (0)