ساعة الهجوم الاسرائيلي
لحرب 1967م
في صبيحة الخامس من حزيران 1967م شنت اسرائيل حرباً مدروسةً على أعلى المستويات السياسية والعسكرية بناءاً على دوافع اقتصادية وتوسعية وضرورات أمنية. وقد أسفرت هذه الحرب التي عرفت فيما بعد بحرب حزيران 1967م أو حرب الأيام الستة, كما تسميها اسرائيل, أسفرت عن توسع اسرائيل في الأراضي العربية المجاورة واحتلالها لأراضي جديدة تبلغ مساحتها الإجمالية أربعة أضعاف المساحة التي احتلتها من فلسطين عام 1948م.
فقد احتلت الضفة الغربية بأكملها ومساحتها 5878 كيلو متراً مربعاً, وشبه جزيرة سيناء ومساحتها 61198 كيلو متراً مربعاً, و150 كيلو متراً مربعاً من هضبة الجولان السورية, وقطاع غزة بكاملة ومساحته 362 كيلو متر مربع. هذا وقد أسفرت هذه الحرب عن إخضاع حوالي مليون ونصف المليون مواطن عربي في الأراضي العربية المحتلة إلى الحكم العسكري الاسرائيلي (1).
ففي عام 1964م وُجهت دعوة رسمية إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي " ليفي إشكول" لزيارة واشنطن, ومن خلال محادثاته مع الرئيس الأمريكي " ليندن جونسون" تلقى ضمانات لشحن الأسلحة والدعم السياسي لصد المحاولات السورية لإحباط مشروع المياة القُطري في اسرائيل.
(1) الهور, منير, الموسى, طارق, مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية من عام 1947-1982, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, دار الجليل, عمان, ط1, 1983م, ص 67.
وفي هذا المضمار كرر الرئيس جونسون إلتزام الرئيس " كندي" في الثامن من أيار عام 1963م أنه "في حالة عدوان مباشر وغير مباشر سوف ندعمكم بجميع الايراءات اللازمة في الأمم المتحدة".
من ناحيتها إلتزمت اسرائيل أن تسحب المياة في إطار الخطة الاقليمية المتفق عليها حول تخصيص مياة نهر الأردن على النحو التالي: 47% للأردن, 38% لإسرائيل, 12% لسوريا, و2% للبنان, وقد إتفق على هذه الخطة مجموعة من الخبراء من خلال محادثاتهم مع المبعوث الأمريكي الخاص " إيريك جونسون", حيث كَثفت سوريا لحرمان اسرائيل من مياة نهر الأردن.
ولما فشلت في إيقاف العمل بهذا المشروع لجأت إلى محاولة قطع المياة من ينابيعها في سوريا ومحاولة إفشال مشروع المياة القطري في اسرائيل, فلهذا كان لا بد من طلب المساعدة من حكومات عربية أخرى (1).
وقد أجبرت اسرائيل على التخلي عن خطتها بتحويل مياة نهر الاردن الى المنطقة منزوعة السلاح في النقب في عام 1953م, وفي عام 1959م بدأت بدلاً من ذلك في بناء مشروع الناقل القومي للمياة من أجل نقل المياة من بحيرة " كنيرت " (طبريا) الى النقب وهذا المشروع اكتمل في عام 1964م بعد أن قررت الدول العربية وعلى رأسها سوريا إحباط مخططات اسرائيل تحويل مجرى نهر الأردن (2).
هذا وقد عقدت عدة مؤتمرات عربية منها في كانون ثاني عام 1964م وفي مُقدمة قرارات المؤتمر أن وجود اسرائيل تهديد اساسي تتفق الأمة العربية جميعاً على وجوب التخلص منه وكانت هذه المرة
(1) رفيق, موشية, إسرائيل في الخمسين, ترجمة: محمود عباسي, بلا, دار المشرق للطباعة والنشر, 1999م, ص 117-118.
(2) آفي, شليم, الحائط الحديدي, ترجمة : ناصر عفيفي, القاهرة- مصر, روز اليوسف, 2001م, ص 225.
الأولى قبل حرب 1967م التي تُعلن فيها الدول العربية في وثيقة رسمية أن هدفها النهائي هو تدمير اسرائيل, وقد أخذ زعماء اسرائيل قرارات المؤتمرات العربية بمنتهى الجدية على الرغم من إدراكهم للانقسامات والصراعات الموجودة في المعسكر العربي (1).
ودليل على ذلك أن اسرائيل كانت ترُد بقسوة على كل اعتداء على أراضيها مثلما حدث في 7 نيسان عام 1966م عندما قامت طائرات سورية بالإغارة على مزارع اسرائيلية فقتلت وجرحت العديد من المزارعين الاسرائيليين, فقام الطيران الاسرائيلي بالرد على هذا الهجوم حيث تم اسقاط ستة طائرات سورية مقاتلة, إثنتان منها سقطت فوق العاصمة السورية دمشق (2).
على الرغم من ذلك كانت مشكلة الفدائيين تقُض مضجع الكيان الاسرائيلي من خلال إعتداءاتهم المتكررة من داخل الأراضي السورية والأردنية.
ونتيجة للاعتداءات المتكررة على الحدود السورية, هدد " الجنيرال رابين " رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي بأنه إذا استمر نشاط الفدائيين فإن قواته مستعدة لدخول دمشق وهدم النظام الحاكم فيها (3).
كذلك قامت اسرائيل بنسف جميع بيوت قرية " السموع " قرب مدينة الخليل التي تتبع للنفوذ الأردني حينذاك, وقتلت واحد وعشرون من الرجال والنساء العرب كما جرحت سبعة وثلاثون شخصاً منهم, مُدعيةً ذلك بسبب اعتداء الفدائيين على المستوطنات الاسرائيلية (4).
(1) آفي, شليم, الحائط الحديدي, ترجمة : ناصر عفيفي, القاهرة- مصر, روز اليوسف, 2001م, ص 225-226.
(2) مرشية رفيق, مصدر سابق, ص 119.
(3) آفي شليم, مصدر سابق, ص 233.
(4) سليمان الموسى, تاريخ شرق الاردن, الجزء2, مكتبة المحتسب, عمان-الاردن, 1996م, ص117-118.
الأسباب المباشرة للحرب:
من الأسباب المباشرة للحرب, يعتبر المؤرخين أن التحذيرات السوفيتية والتقارير(1) التي بعث بها الاتحاد السوفيتي لمصر كانت هي السبب المباشر للحرب, لكننا يمكن أن نعتبرها سبب مباشر للحرب بالنسبة للعرب, وسبب غير مباشر أدى الى السبب الغير مباشر بالنسبة للاسرائيليين.
وفحوى هذا التقرير أنه في العاشر من أيار 1967م بالقاهرة, توجه " محمد أنور السادات" رئيس المجلس الوطني المصري آنذاك الذي كان عائداً من زيارة رسمية لموسكو وكان قد أجرى محادثات في مطار موسكو مع " فلاديمير سيمونوف" نائب وزير الخارجية الذي أخبره أن عشرة ألوية تحتشر على الحدود السورية, فإتجه السادات الى مقر " جمال عبد الناصر" في "منشية البكري" حيث كان عبد الناصر مجتمع مع عبد الحكيم عامر, وأخبرهم بمضمون التقرير (2).
استعدادات القادة المصريين:
في 14 أيار 1967م اجتمع كبار المسؤولين المصريين في الجيش المصري, وتقرر ارسال "محمد فوزي" رئيس هيئة الاركان المصري الى سوريا لفحص الادعاءات السوفيتية (3), وطلب من
(1) هذه التقارير, فقد اعتقد السوفييت بأن المصريين قادرون على إلحاق الهزيمة باسرائيل أو على الأقل الصمود بوجههم على أرض سيناء, وكذلك كان السوفييت يريدوا أن يحققوا نجاحاً سياسياً يُضعف اسرائيل خليفة الولايات المتحدة الامريكية.
(2) بريغمان أهارون, جيرسان الطُهري, اسرائيل والعرب حرب الخمسين عاماً, ترجمة : سالم سليمان العيسى, الأوائل للنشر, دمشق, 2002م, ص 70.
(3) إييان بلاك, مصدر سابق, ص 211.
عبد الحكيم عامر, بإستنفار القوات المصرية والسفر لسوريا, واستقبله وزير الدفاع " حافظ الاسد" آنذاك, وطلب منه مرافقته الى الحدود.
فيقول محمد فوزي " كنت أبحث وأفتش عن أي تأكيد لوجود القوات الاسرائيلية, ولكنني لم أجد أي شيء غير عادي". كما أطلق على آخر صور جوية فكان الوضع فيها أيضاً عادياً.
عاد اللواء محمد فوزي للقاهرة ورفع تقريراً الى عبد الحكيم عامر, وفي هذا الوقت بالذات تسارعت الامور والقرارات المتتابعة التي قادت مصر الى نقطة لا رجعة فيها للتهرب من انتقادات أجهزة الراديوا العربية, خاصة أجهزة راديو السعودية, الأردن, وسوريا, التي كانت تشكوا مصر بإختباءها وراء تنانير قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة (FUNU), فقررت التخلص من كابوس التهم في سيناء بمواجهة الاسرائيليين (1).
وأهم الاعمال التي قام بها عبد الناصر واعتبرها الاسرائيليون ذريعة للحرب:
1- إخراج قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة التي كانت متمركزة على الجبهة المصرية – الاسرائيلية (الجانب المصري) ومهمتها حفظ السلام في قطاع غزة وفي شرم الشيخ منذ نهاية حرب عام 1956م, وحلت محلها القوات المصرية التي أصبحت في حالة هجوم بدل من كونها في حالة دفاع, وحشدت مصر قوات ضخمة بدل قوات الطوارئ (2).
2- دعا الرئيس جمال عبد الناصر اللجنة التنفيذية الى اجتماع حاسم, حضره عبد الحكيم عامر نائب القائد العام الاعلى للقوات المسلحة, وصدقي سليمان رئيس الوزراء, وزكريا محي الدين النائب الثاني للرئيس, وحسين الشافعي عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي, ومحمد أنور السادات.
(1) بريغمان, مصدر سابق, ص 71-73.
(2) مذكرات اسحاق رابين, ترجمة دار الجليل, دار الجليل للنشر, عمان, 1993م, ص 126-129.
وكان جدول الاعمال هو (مضيق تيران), انتهى الاجتماع وغادر جمال عبد الناصر بصحبة القادة العسكريون وكبار المسؤولين السياسيين ورآسة أركان القوات الجوية على جبهة ( بيرحفافه) و أصدر عبد الناصر قراراً بإغلاق مضيق تيران بوجه السفن الاسرائيلية قائلاً: إحتلت قواتنا شرم الشيخ ولن نسمح أبداً للعلم الاسرائيلي أن يسلك خليج تيران, أما اليهود إذا هددوا بالقيام بالحرب, نجيبهم: أهلاً وسهلاً, فنحن مستعدون لهذه الحرب, فهذا الخليج هو ملكنا (1).
3- أما الاجراء الأخير الذي قام به جمال عبد الناصر, هو زج القوات المصرية نحو قناة السويس.
والتصريحات التي كان يُدلي بها في مناسبات مختلفة, كان فحواها أن نهاية اسرائيل قد حلت وكذلك نداءات الراديو المصري في أنه حان وقت الحرب.
كذلك فإن توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في 30 أيار 1967م بين الملك حسين وعبد الناصر, لم يُهملها الساسة الاسرائيليين بل كانت بمنتهى الجد والاهتمام (2).
ومن أهم بنود الاتفاقية: تُولى قيادة الجيش الاردني لقائد مصري, وهذا ما حدث, فقد تولى القيادة عبد المنعم رياض, وفي الرابع والعشرين من أيار من نفس العام, ولكسب الوقت ولحسم الموقف من الرد الاسرائيلي على مصر, الذي تم في صبيحة يوم 5 حزيران 1967م وبعد الجلسة التي عقدها الكنيست, غادر إيبان وزير الخارجية الاسرائيلي متوجهاً الى ثلاثة عواصم أوروبية, منها: باريس, ولندن لشرح مضمون مهمته للرئيس الفرنسي "شارل ديغول" ورئيس الوزراء البريطاني "هارول ويلسون"
والرئيس الامريكي "جونسون", بأن اسرائيل لا تسمح بإغلاق مضيق تيران بوجه سفنها, وللحصول على
(1) بريغمان, مصدر سابق, ص 73-74.
(2) اسحاق رابين, مصدر سابق, ص 69.
موافقة هذه الدول الثلاث لتأمين مرور السفن في المضيق (1).
أعلنت مصر بأن مضائق تيران قد أُغلقت في اليوم السابق بالألغام والمدافع والزوارق العسكرية والطيران وهددت بإطلاق النار على كل سفينة اسرائيلية لا تعود من حيث جائت وإن كل السفن الأخرى يجب خضوعها للتفتيش.
وأعلن ليفي اشكول بغضب أن الحصار المصري عمل عدائي ضد اسرائيل, وأعاد تأكيد امريكا وفرنسا وبريطانيا في هذا الشأن, حين اضطرت القوات الاسرائيلية للانسحاب من شرم الشيخ عام 1956م ولم يكن يُعرف أي مدى يمكن أن يصل فيه الدعم السوفييتي لمصر وسوريا. وردد رئيس الوزراء البريطاني أقوال الرئيس "جونسون" التي أدلى بها وأضاف أن بريطانيا مستعدة لتأكيد مبدأ حرية الملاحة في مضائق تيران.
كان هناك قلق امريكي حين تبين أن اسرائيل تطالب بالمساعدة, ولهذا بُعثت رسالة الى ليفي اشكول تطلب منه تأجيل العمل العسكري مدة 48 ساعة حيث وافق مجلس الوزراء الاسرائيلي على قبول مضمون هذه الرسالة, وذلك لاتمام كل خطوات التعبئة (2).
كما طار إيبان الى باريس وقابل الرئيس شارل ديغول الذي لم يستمع إليه بإهتمام مُعتقداً بأن اسرائيل خاضعة أكثر من اللازم للنفوذ الامريكي (3), وكان مفتاح الحل بيد واشنطن بالطبع, لكن الولايات المتحدة ولا أية دولة صديقة أخرى كانت قادرة على تقديم أي شيءٍ لاسرائيل بإستثناء مشورة التحلي بالصبر, وأصبح واضحاً من أن اسرائيل ستواجه هذه الازمة لوحدها. وقد ترتب على رابين
(1) أدغار آوبلانس, الحرب الثالثة بين العرب واسرائيل, ترجمة مازن البنوك, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت 1988م, ص20.
(2) أدغار آوبلانس, مصدر سابق, ص 20-21.
(3) نفس المصدر السابق, ص 20.
رئيس هيئة الاركان تزويد الحكومة ووزارة الخارجية ولجنة الامن بالكنيست بآخر المستجدات على الساحة العسكرية, حيث أعباء ومسؤوليات وزارية في حالات كثيره, وفوق هذا كله يتولى قيادة الجيش وكانت هذه مهمة ثقيلة ومروعة (1).
وفي اجتماع لمجلس الوزراء الاسرائيلي مرة أخرى في الصباح, أعاد النظر في الموضوع, وبعد الاجتماع تقرر إرسال " البريقادير" مئير أميت, مدير المخابرات الاسرائيلية الى واشنطن ليرى ماذا يدور هناك. إكتشف أنه ليس هناك أي عمل لمساعدة اسرائيل (2).
عندما التقى مع "ريتشارد" و "هيلمز" رئيس السي آي آيه, أيقن أنه لم يُتخذ أي اجراء حول جمع الاسطول الدولي في تيران أمام السفن الاسرائيلية, ولذلك أصر على مواجهة أمين سر وزارة الدفاع "روبرت ماكنمار" الذي يؤكد الآن ما قالة البريغادير " أريد أن أصرح ببعض الأمور ببعض التصريحات- أريد ولا أنتظر أي جواب من جانبكم" ثم أضاف أنتم تعرفون الوضع, وإنني هنا بمهمة رسمية ولا نطلب منكم سوى ثلاثة أمور هي (3):
1- أن تزودونا بإعادة التسليح بعد الحرب.
2- أن تساعدونا بالأمم المتحدة.
3- أن تُبعدوا الروس عن المنطقة.
رغم كل ذلك توصل رئيس المخابرات الاسرائيلية الى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة الامريكية توافق على قيام اسرائيل بتوجية الضربة الوقائية- لكن, مُحاورية الامريكان كان لهم إتجاه آخر حيث
(1) موشية رفيق, مصدر سابق, ص 125.
(2) أدغار آوبلانس, مصدر سابق, ص 22.
(3) بريغمان, مصدر سابق, ص 96.
توصلوا الى قناعة بأن اسرائيل على وشك تنفيذ ضربتها. وقد أكد اللقاء مع البريغادير "عاميت" القناعة لدى الامريكيين بأن اسرائيل ماضية قُدُماً نحو الحرب (1).
الموقف الامريكي البريطاني:
في 24 أيار, أعلنت امريكا وبريطانيا ضرورة فتح مضائق العقبة للملاحة الدولية, ولو أدى ذلك لإستعمال القوة. وفي 26 أيار أعلن جمال عبد الناصر: "إذا قامت اسرائيل بأي عمل عدواني ضد أية دولة عربية, فإن حربنا معها ستكون شاملة هدفها تطهير الوطن المحتل". وإتهم الولايات المتحدة بأنها العدو الأكبر, وأن بريطانيا تبعٌ ذليلٌ لها.
وفي هذه الاثناء طالب الرئيس الامريكي, عبد الناصر بضبط النفس وعدم المبادرة للعدوان, أما "يوثانت" الذي زار القاهرة فقد أعلن أن مصر لن تكون البادئة في العدوان وأنها ترغب في إعادة الهدنة المشتركة التي كانت قائمة قبل العدوان على السويس في عام 1956م.
وفي 30 أيار, الملك حسين يصل فجأة الى القاهرة ووقع معاهدة دفاع مشترك, وفي 1/حزيران أعلنت اسرائيل التعبئة العامة, وإنظم "موشية ديان" الى الوزارة الاسرائيلية كوزيراً للدفاع. وفي الثاني من حزيران, أي قبل الهجوم الاسرائيلي بثمانية وأربعون ساعة, حال إجتماع مجلس الوزراء بجلسة سرية أكد السفير العراقي للحكومة الاردنية أن معلومات مؤكدة وصلت الى الاستخبارات العسكرية العراقية مفادها أن اسرائيل ستشن هجوماً عسكرياً في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة في 5 حزيران, فيما أبلغ الملك حسين ذلك للرئيس المصري جمال عبد الناصر في اليوم نفسه (2).
(1) إيبان بلاك, مصدر سابق, ص 219.
(2) مصطفى طحان, مصدر سابق, ص 327.
بداية الحرب:
صدق بالفعل جهاز الاستخبارات العراقي في التقاط خبر الهجوم من قُعر منزل "ليفي إشكول" رئيس الوزراء الاسرائيلي عن الهجوم المقرر على الدول العربية. وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف من 2 حزيران 1967م اجتمع مجلس الوزراء الاسرائيلي (1), الذي إتخذ سرياً ببدء الهجوم, فيما إتخذت الحكومة الاسرائيلية رسمياً قرار الحرب في الرابع من حزيران كما وُجهت مجموعة المبادئ المهمة الاستراتيجية الاسرائيلية خلال الحرب (2). على النحو التالي:
السيطرة المطلقة السريعة في الجو, وحماية وثيقة من سلاح الجو لوحدات المشاة والمدرعات, ونظراً لإفتقار اسرائيل الى العمق الاستراتيجي, لا بد من نقل المعارك كلياً الى أراضي الدول العربية المجاورة ووجوب أبقاء الاردن خارج المعركة إلا إذا هاجم أولاً (3).
النتائج:
إن مفتاح النصر الاسرائيلي تمثل في الهجوم الجوي صبيحة 5 حزيران على القوات الجوية المصرية والسورية والاردنية حيث دمرت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي 304 طائرات مصرية من أصل 419 طائرة, وهي القوة الجوية المصرية, و53 طائرة سورية من أصل 112 طائرة, هي القوة الجوية السورية, و28 طائرة أردنية نوع هوكر هنتر وتلك كانت كل القوة الجوية الاردنية, وبذلك تكون اسرائيل قد قضت على نسبة 80% من القوة الجوية العربية (4).
(1) اجتمع كل من أبا إيبان, وحوشية دايان ويعقوب هيرتسوغ, وإسحاق رابين, في منزل رئيس الوزراء ليفي إشكول.
(2) إسحاق رابين, مصدر سابق, ص 176.
(3) موشية رفيق, مصدر سابق, 148.
(4) ايبان بلاك, مصدر سابق, ص 220.
وقد انتهى اليوم الأول بهجوم جوي اسرائيلي على القاعدة الجوية العراقية وتدمير 10 طائرات عراقية كانت جاثمة على الارض بعد أن قامت طائرات عراقية بقصف عدة أهداف داخل اسرائيل, فيما قال الملك حسين بصفته طياراً – إن الاسرائيليون يعرفون ما ينتظرهم ولديهم ملف تفصيلي كامل عن القواعد الجوية العربية, ويعرفون أيضاً الاهداف التي سيضربونها. كما أن الملك حسين أخبر عبد الناصر بذلك أثناء اجتماعة معه في القاهرة, وأن عبد الناصر حذر قادتة قبل يومين من بدئ الحرب من ضربة جوية مفاجئة (1).
إلا أن الحرب حُسمت لصالح اسرائيل, غُلب الجيش المصري وسُحق الجيش الاردني وأصبحت الضفة الغربية والقدس بين يدي الاسرائيليين, والدولة الوحيدة التي خرجت من الحرب سليمة هي سوريا. أليس غريباً أن تسلم الدولة التي سببت النزاع دون خساره (2).
ومع توقف العمليات الحربية في الجبهتين المصرية والاردنية تحول إهتمام الحكومة الاسرائيلية الى سوريا (3).
(1) ايبان بلاك, مصدر سابق, ص 221.
(2) بريغمان, مصدر سابق, ص 105.
(3) إن الاسرائيليون إحتفظوا بخطط هجومية مُعدة لإحتلال هضبة الجولان شعوراً منهم بعداء خاص للسوريين, وذلك بسبب الاعتداءات المستمرة ضد قناة المياة الاسرائيلية المسحوبة من مياة الاردن, وإعتداءاتهم المستمرة أيضاً على المستعمرات والعمال الزراعيين الاسرائيليين. أنظر ادغار أوبلافس, ص 205.
إحتلال الجولان, "آحادي الجانب":
دعا دافيد اليمازر قائد المنطقة الشمالية الحكومة للقيام بعملية عسكرية ضد سوريا, فأصدر رئيس هيئة الاركان العامة تعليمات بإعداد خطط للمعركة والاستعداد لتنفيذها, وما كان يخشاة موشية ديان هو أن التعهدات والالتزامات السوفيتية تجاة سوريا كانت متينة جداً (1). ولكن تقرر تأجيل هذا المشروع بسبب أحوال جوية سيئة كان يمكن أن تعيق المساندة الجوية. وأثناء الليل في 8 حزيران وصلت قوات إضافية تشمل عناصر من الألوية المختلفة وقرر "البريغادير" اليمازر أن تكون ساعة الصفر هي, ولكنها أُجلت قبل دقائق من هذا الوقت بموجب قرار سياسي. وعلى أية حال أُعيد النظر بالقرار, وتسلح البريغادير اليمازر أوامر جديدة ببدء الهجوم في الساعة الخامسة مساءً ذلك اليوم (2).
فالهجمات الاسرائيلية كانت تستهدف أصعب الاراضي في القطاع الشمالي للحزام الدفاعي السوري وكان الهدف الاساسي هو تحقيق إختراق سريع وعميق لإحتلال " القنيطرة" التي تسيطر على الجزء الشمالي من هضبة الجولان. وفي ساعة متأخرة من فجر التاسع من حزيران 1967م هاجمت موجات متلاحقة من الطائرات الاسرائيلية الدفاعات السورية, ولم يكن يفصل الغارة عن الثانية سوى عشرة دقائق. وواصل موشية ديان الحرب على الجبهة السورية بعنف ملحوظ ولكنه إستعان بقوة وعزيمة عدوة. وأكد لأليعازر أن الوحدات السورية كانت تتحطم وأن الجنود السوريين كانوا يتفرقون حتى قبل أن يقوم جيش الدفاع الاسرائيلي بالهجوم. والواقع أن القوات السورية قد قاتلت ببسالة وبكل قوتها ولكن بحلول مساء 10 حزيران أي في مساء اليوم الثاني كانت مرتفعات الجولان في حوزة اسرائيل(3).
(1) موشية رفيق, مصدر سابق, ص 154.
(2) أدغار أوبلافس, مصدر سابق, ص 206.
(3) المصدر نفسه, ص 207.
نتائج الحرب:
بعد انتصار اسرائيل في المعركة إفتتحت الحصيلة عهداً جديداً في تاريخ اسرائيل. فقد مهدت لفرص السلام من ناحية وأثارت مشاكل غير مألوفة في نفس الوقت.
لقد خفت وطأة المخاطر التي تواجهها اسرائيل بعد أن إمتدت حدودها من قناة السويس في مصر وحتى القنيطرة على بُعد 50 كيلو متراً من دمشق. وأصبحت الضفة الغربية لنهر الاردن خط حدودي مع الاردن: "هذا ما حدا باسرائيل" أن تهدأ (1) وترتاح من مخاطر الهجمات (2).
وبما أن المنتصرين والمهزومين عانى من تلك الحرب, فقد قُتل على الجانب الاسرائيلي 983 جندياً وجرح 4517 وفقدت اسرائيل 40 طائرة و 354 دبابة, ومع ذلك فإن نصف هذه الدبابات أعيد تصليحها في وقت لاحق, وعادت الى العمل بكامل طاقتها بالاضافة الى ذلك إستولى الاسرائيليون على 50 دبابة سوفيتية الصنع وأضافوها الى عتادهم.
أما مصر والاردن وسوريا بما أنه سبق وأن ذكرت عن خسائرها, لم يكن النصر الذي حققته اسرائيل معجزة خارقة, أو مقدرة فائقة, بل نتيجة منطقية لجهدٍ وعدة وتعب, وايمان أيضاً.
مُدة تسعة عشرة سنة كان العرب خلالها مستغرقين في مستنقعات المؤامرات ورفع كل شعار ملفق ومجلوب عدا شعار التحرير, فلا إعداد ولا تدريب ولا خطة ولا صدق ولا إخلاص. وقد أبكاني أن مجلس الجامعة العربية الذي انعقد بعد النكبة, وخرج بقرار يدعوا الى وضع خطة لعمل عربي مشترك ولم يذكروا في المجلس أن هناك موجات متلاحقة من أسراب الطائرات المقاتلة تجيء من
(1) من وجهة النظر الاسرائيلية.
(2) موشية رفيق, مصدر سابق, ص 157.
البحر الأبيض المتوسط لتحط في اسرائيل, وكان تقديرنا أن اسرائيل تتزود بأسلحة وذخائر كبيرة من الدول الغربية وأن الطائرات في الواقع من نوع ميراج (1).
ومن نتائج النكسة, غدا يطلب المنتصرون السلام, بينما يُطالب المهزومون بالاستسلام بلا قيد أو شرط, وبدأت القصة بعنتريات حكام العرب للحيلولة دون تحويل مجرى نهر الاردن, وانتهت بأن أصبحت المنطقة مليئة بالمستعمرات الاسرائيلية.
وأصدرت اسرائيل قانوناً يضم القدس القديمة وتوحيدها مع القدس الجديدة وجعلها العاصمة الابدية لاسرائيل, وإن القدس والجولان ليستا قابلتين للتفاوض على الاطلاق. وقد أعلن " ابن غوريون" أنه ليست مضائق تيران فقط يجب أن تمر بها الملاحة الاسرائيلية بحرية فحسب بل أيضاً قناة السويس حسب القانون الدولي, وأن تبقى القدس مدينة يهودية. كما أصر "ابن غوريون" على تحقيق شرطين, وهما:
1- أن يعترف العرب بدولة اسرائيل.
2- وأن يوقعوا معاهدة صلح معها.
وما زالت اسرائيل تنتظر "بعض" حكام العرب أن يقدموا إليها فرادى أو مجتمعين للاعتراف بها وأن يوقعوا معاهدات صلح معها (2).
ومن تحليل الاحداث العامة وإذا ما تعمقنا فإن اسرائيل قد أعدت للعدوان قبل عشر سنوات ثم راحت ترسم كل تفاصيلة وتمحص إحتمالاته وتحشد له جميع قوتها, فلما أزف الموعد المحدد راحت الاجهزة السياسية والعسكرية تنفذ الخطة المرسومة فكانت "قرية السموع" يوم 13 تشرين الثاني من عام
(1) مصطفى طحان, مصدر سابق, ص 239.
(2) مصدر سابق, ص 239-240.
1966م هي بداية العد التنازلي للجولة الثالثة تماماً مثلما كانت إغارة غزة يوم 28 شباط 1956م بداية العد التنازلي للجولة الثانية. وأيضاً عملية يوشع يوم 1 كانون الاول لعام 1947 والتي كانت بداية العد التنازلي للجولة الاولى (1).
ولم تكن هزيمة يونيو 1967م ولإعتبارات كثيرة بعضها قومي وبعضها إيديولوجي. وكان السبب في أضرار الهزيمة ما زال يمسك في أعنة الحكم في عمل يكشف عن اسرارها, ومنها النزوح الى الدول العربية المجاورة مثل مصر والاردن وسوريا.
كما أنهُ لم تقتصر المتاعب التي يتعين على الاردن مواجهتها في وقوع ضفته الغربية بيد اسرائيل وعلى خسارة اسلحة جيشة, أضف الى ذلك الشهداء والجرحى من ابناءة (2). حيث نزح في تلك الفترة نتيجة الحرب وطرد عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الى الاردن بعضهم من مخيمات اللاجئين في غور الاردن وآخرون ممن التحقوا بعائلاتهم في الاردن أيضاً (3).
(1) غازي ربابعة, القضية الفلسطينية, مكتبة الرسالة الحديثة, عمان, 1989م, ص 43.
(2) سليمان الموسى, مصدر سابق, ص 225.
(3) المصدر نفسه, ص 226.
القرارات الدولية:
إصطدم المشروع الامريكي بمعارضة شديدة فكان لا بد من صياغة توزان بين المطالب المتنازع عليها بين اسرائيل والدول العربية, وأشار مشروع رقم 242 الى تحقيق تسوية لمشكلة اللاجئين دون التطرق الى نواحي أوسع من تقرير المصير.
وفي الوقت الذي اجتمع فيه ممثلوا الدول الكبرى في التفاوض حول نص قرار لمجلس الأمن يقضي بإنسحاب اسرائيل في نطاق السلام والاعتراف بها, اجتمع رؤساء الدول العربية في الخرطوم عاصمة السودان في 29 آب 1967م وكان ردهم على هذه التطورات بالللآات الثلاث: لا سلام مع اسرائيل ولا إعتراف بها ولا تفاوض معها (1).
(1) موشية رفيق, مصدر سابق, 170.
التعليقات (0)