-هل للمرء أن يزهو إذا تنبّأ أن انتفاضات شعبية
وشيكة ستعم الوطن الكبير من محيطه إلى خليجه، فوقعت بدايات ما تنبّأ به ..؟
وهل له أن يحزن إذا لم يتمّ الأمر إلى منتهاه،
ولم يقع كل توقعه..؟
-كلا، ليس له أن يزهو أو يفخر،
لا لسبب واحد، بل اثنين..
أولهما: أن الحزن والأسى هما اللذان ينبغي لهما أن يستوليا على مشاعره ومشاعر كل حرّ لا الزهو والتفاخر،
لاسيما وقد رافقت بداية هذه الانتفاضات دماء زكية غزيرة كثيرة سالت، وبأيدي إخوانهم ..
وثانيهما: أن مثل هذا التنبؤ لا يحتاج إلى ضليع في السياسة ،
ولا خبير في الاقتصاد أو الاجتماع .. ذلك،
أن ثقل الأحمال على كواهل شعوب
هذه الأوطان أعظم من أن تحتمل، ولم تبدُ ولو بارقة أمل في زحزحة هذه الأحمال أو بعضها عن كواهلها ..
لقد سدت الآفاق، وعظم الكرب ..
قال لصاحبه كالواثق وهو يحاوره :
إنني أتنبأ بانتفاضات وشيكة ستقع في أوطان العرب من محيطها إلى خليجها، ونسأل الله الستر ..
قال له صاحبه:
نسأل الله، ولكن .. ألا ترى أنّ ذلك بعيد ؟ لقد استمرأت الأمّة الهوان، وإنّ قبضة السلطان باطشة ..
قال:
حتى وإن جاعت وعريت، وانتهكت محرّماتها ومقدساتها ..؟
قال:و إن ..!
فلما وقع ما وقع، ولقيه بعد أيام قلائل، قال له: أرأيت ؟
- وهل للمتنبي أن يحزن إذا لم يتم الأمر إلى منتهاه ، ولم يقع كل ماتنبأ به ..؟
- كلا ، ليس له أن يحزن ،
بل عليه أن يدعو الله مخلصاً ألا ّ يسيل مزيد من الدماء،
وألا ّ يسقط أكثر مما سقط من الشهداء،ولا سيما إن كان بأيدي الإخوة والأشقاء ..
"إن الجسد بنيان الله، ملعونٌ من هدمه"
كما جاء في بعض النصوص السماوية المقدسة ،
وإن نقض الكعبة –قدس الأقداس-
حجراً حجراً أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم ، كما جاء في الحديث الشريف..
سادتي، زعماء أمتي ..
مُقرّون لكم نحن بالسيادة والولاء ،
لا ننازعكم فيها الأمر ..
وطيّبون نحن متسامحون، حتى بالدماء..
لا نطلب منكم المعجزات، ولا نكلفكم المستحيل،
ولا أن تصطادوا لنا الغول والعنقاء،
بل أن تكونوا لنا أخلاء أوفياء ..
رعيتكم نحن يا سادتنا..
استرعاكم الله إيانا ، وستسألون عما كنتم تعملون ..
وما من عبد - لله- وأنتم -ياسادتنا- لنا سادة ،يسترعيه الله رعية،
فيموت-يوم يموت- غاشّاً لرعيته ،
إلا ّ حرّم الله عليه الجنة ..!
طيّبون يا سادتنا نحن،
ومطالبنا جد بسيطة وعادلة ..
لا نطلب من أحدكم أن يكون عمر،
فتأتيه حفصة - وهو أمير المؤمنين
– بصحن العدس وعليه زيت ليأكل،
فيلومها قائلاً:
يا حفصة، أطعامان في إناء واحد ؟!
بل نريدكم يا سادتنا أن تأكلوا حتى الشبع،
وفق جدول غذائي يعده خبراء تغذية،
لتكونوا بكامل قواكم الذهنية وأنتم تقودون بنا المركب ..
فإذا جعتم ياسادتي، فلا عاش الجوع،
وكفاكم الله شره ..
وسلونا نحن رعيتكم عن تباريحه نجبكم، فنحن به أدرى ..
وإن كان لابد أن نجوع جميعاً،
فداءً لحق أو سُلـّماً لغاية نبيلة،
فنحن شعوبكم الحرّة الأبيّة أول من يجوع راضين بجوعنا .
نحن الذين جعنا مع نبيّنا في الخندق يوم الأحزاب،
وكان كلٌ منا يشد على بطنه من الجوع حجراً،
إلا ّ قائدنا النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فقد كان يشد على بطنه من جوعه حجرين ..!
مطالبنا،
يا سادتنا أولي الأمر منّا،
جدّ بسيطة وجدّ عادلة ؛
أن تـُفتـَح ملفـّات الفساد، فقط أن تفتح،
وبعدها يأخذ كل ذي حق حقه .. أهذا كثير ؟
ومطلب يسير آخر،
ألا ّ تزور إرادتنا الحرة ؛
فنتخير نحن- لا سوانا - مُمثـّلينا وصوتنا الحرّ في كل ميدان.
فإذا رأى ممثلونا - الذين انتخبناهم بإرادتنا الحرّة غير المزوّرة –
أن يبيعوا قدس أقداسنا،
أو يبيعوا أرواحنا وأرواحهم للشيطان فلهم ذلك،
فنحن الذين اخترناهم راضين بمحض إرادتنا،
ونحن - ساعتئذ – حزب الشيطان وقبيله،
ولا دخل لأحد في اختيارنا الحرّ ..!
هذان مطلبان يا ساداتنا،
لا نقبل لكم أن تقبلوا لنا بأقل منهما.
فإن رضيتم حقنا فيهما ، نجوتم ونجونا جميعاً ..
و إن أبيتم ، فما أنتم منا ولا نحن منكم ..
ولا طاعة لكم علينا ..
أنتم يا أولياءنا سندنا ونحن والله خير سند لكم ،
فإن ابتغيتم لكم - بعد الله –
سنداً غيرنا ، فقد أويتم إلى ركن غير شديد ..
وإذا رضينا بكم دون رضاكم بمطلبينا البسيطين اليسيرين ،
فقد تـُودِّع منا ..
وبطن الأرض - ساعتها- أولى بنا من ظهرها ..!
بقلم الأستاذ عمر غوراني/ فلسطين
التعليقات (0)