سؤال الهوية اللغوية في المغرب المتعدد(2)
د.فؤاد بوعلي
العربية والديمقراطية
منذ نشرنا لمقال (إعلان دمشق) حيث ثمنا فيه المبادرة العربية في الحفاظ على لغة الأمة، توالت العديد من الكتابات المؤولة لاجتماع رؤساء الجمعيات الأهلية والمدنية للدفاع عن اللغة العربية في الوطن العربي في العاصمة السورية دمشق محاولة ربطه بطبيعة النظام السوري المحتضن للقاء. ولأننا مازلنا بعيدين عن صياغة أسلوب حواري جاد في معالجة السؤال اللغوي بالمغرب يقدم أطروحات حقيقية بعيدا عن المغالطات المتعمدة، تهافتت هذه الكتابات إلى الربط بين نظام سوري وصف فيها باللاديمقراطي واللاشرعي والديكتاتوري، وبين اجتماع عادي لجمعيات تشترك في هم الدفاع عن لغة الأمة. وإذا كان هذا اللقاء قد أغاظ البعض بحكم فرادته وتأسيسه لمسار عودة العربية من باب الأمة فإن منتقديه تناسوا أمورا أو حاولوا القفز على حقائق معينة:
1ـ اللقاء عقد تحت مظلة الجامعة العربية وليس النظام الحاكم في سوريا الشقيقة والمغرب عضو في هذه الجامعة،كما أنه أتى تتويجا لمسار انطلق منذ مؤتمر القمة العربية الذي عقد في دمشق عام 2008، ومرورا بقمة الدوحة 2009، وإعلان الرياض، وتوصيات وزراء الثقافة في الوطن العربي في اجتماعاتهم بصنعاء ومسقط والجزائر ودمشق، وصولا إلى مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة الذي كلفت به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم....إلى غيرها من المشاريع التي لم يحتضنها نظام سياسي بعينه وإنما هي إرادة كل الدول العربية بما فيها حكومة المغرب.
2 ـ لم يكن اللقاء موجها نحو فئة أو تشكيلة لغوية بقدر ما هو بداية لنهوض عام تعيشه مختلف الدول العربية في تواءم فريد بين الأنظمة والمعاهد البحثية الرامي إلى إعادة الاعتبار للغة العربية باعتبارها لغة هوية وضمان الحضور والوجود في زمن تبعثر الهويات . وإذا كان البعض قد حاول تأويل مقتضيات الإعلان ومختلف قرارات القمم العربية وتسارع وتيرة الاهتمام الأكاديمي بالعربية إلى حرب على اللهجات واللغات المختلفة فهذا يثبت من جديد ما نؤكده دوما أن إثارة هذه المواضيع في كل مرة يتم الحديث فيها عن العربية يثبت أن المقصود ليس الدفاع عن لغة أو لهجة بقدر ما هو حرب على العربية تحت عناوين عديدة تتفق كلها في الانتماء إلى معسكر الحرب على مقومات الهوية الإسلامية العربية للأمة . والدليل على ذلك بسيط هو دفاع هذه الأصوات عن الأمازيغية في نفس الوقت الذي تنافح فيه عن اللهجات واللغات الأجنبية باسم الحق في الوجود . إنه دفاع ليس عن لغات وطنية وإنما حرب على العربية .
3 ـ أثبت القرار الأخير لأكراد العراق، والذي بدأ لغويا وثقافيا ووصل الأمر إلى المطالبة بتقرير المصير والاستقلال، أن بداية التجزئة تأتي من نقاشات مغلوطة. فباسم الحقوق الثقافية يتم الإجهاز على عناصر الوحدة، وباسم الحق في اللغة يتم الإجهاز على أمن الأمة ، لنصل في النهاية إلى تفتيت لا جمع بعده . ولذا نلح دوما على أن العربية من خلال تراكمها التاريخي وحضورها الوجداني وقدرتها المعجمية أداة لتوحيد المغاربة على اختلاف انتماءاتهم وألسنتهم .
4ـ اعتادت المؤسسات العلمية على فتح النقاش حول السؤال اللغوي في المغرب . وإذا كانت هذه المؤسسات تنتقي محاضريها ومؤطري ندواتها فلأن البحث العلمي الرصين يحتاج إلى باحثين أكفاء يقدمون رؤية علمية تأسيسية وليس حديثا وجدانيا ـ شعبويا يصلح في منتديات أخرى. ولذلك فمثل هذه المؤسسات التي تشتغل في أبحاث علمية رصينة لا تحتاج إلى من يحدثها عن التهيئة والتخطيط اللغويين للعربية ما دامت تقدم فيه بحوثا حقيقية وليس كلاما يلقى على عواهنه لمن ينظر من منطق الصراع المأجور.
5ـ إن الرهان على الانتماء العربي هو جزء من وجود الأمة فالتاريخ يشهد بالعلاقات التداخلية بين أمازيغ المغرب والوافدين من العرب، كما أن الانتماء الحقيقي للمغاربة يؤكد عضويتهم التاريخية والإثنية في فضاء الشرق العربي. وهذا ضمان وجودهم . وبلغة المصلحة والواقع ، يؤدي الانحسار في إقليمية ضيقة إلى غياب عن مسرح الحدث عالميا وجهويا .
6 ـ إن الاعتماد على معطيات الواقع العالمي التي تثبت المواقع التي بدأت تحتلها العربية سواء داخل المنتظمات الدولية ، أو في التواصل العلمي والإعلامي، ووصولها إلى مراتب عليا في الإحصاءات المعتبرة في الأنترنت، إضافة إلى رهان كل تقارير التنمية البشرية ـ التي تعتمد بدعم من الأمم المتحدة ـ عليها كلغة تنمية وضمان ولوج المجتمعات العربية ومن بينها المغرب إلى مجتمع المعرفة ، ليس كلاما وجدانيا أو عارضا بل هو مؤسس على واقع معيش ومعترف به ينبغي الانطلاق منه في تأسيس رؤية حقيقية للسؤال اللغوي بالمغرب .
إن الذين يحاربون العربية باسم الديمقراطية والحقوق الثقافية ينطلقون من فهم غريب للديمقراطية لا يوجد إلا في مخيلتهم وعقلية الصراع التي بنوا عليها أطروحاتهم. ويكفي أن نقرأ ردودهم على إعلان دمشق لنتفهم أن أطروحتهم بنوها على محاربة العربية. فلم يذكر الإعلان أي شيء لا عن الأمازيغية ولا عن الكردية ...أو غيرها، فالتجارب الواقعية أثبتت أن الأمن يسبق الحق ، وأنه لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في ظل تنازع الهويات وحروبها. فلا أحد يمكن التنكر للتعدد الثقافي في المغرب، لا أحد يمكنه أن يهدد أمن الوطن باسم الحرية والهوية المتنوعة.
التعليقات (0)