يبدو أن ربيع الديمقراطية العربية لا يدق أبواب الأنظمة الجملكية فحسب بل يزحف إلى الأنظمة الملكية و الأميرية حيث لا توجد أزمة الشرعية و هذا يعني أن آليات إنتاج السلطة التي أرستها الملكيات العربية بالأمس تحتاج اليوم إلى قراءة جديدة تنزع إلى استحداث عقد اجتماعي ينفتح على شراكة حقيقية و منتجة لبناء دولة الحق و القانون التي اخفق العالم العربي بتنوع أنظمته السياسية في بلورتها.
إن رفع شعار التغيير و الإصلاح لا يتنافى مع يافطة الوطن كخط أحمر عريض شريطة أن يكون الشعار مارا بطرق سلمية و سلسة تسمح بتداول ديمقراطي على السلطة و بإرادة شعبية تعبر عن تطلعاتها و مشاركتها في صياغة وجودها بعيدا عن الهزات الاجتماعية العنيفة التي يمكن ان تحدث مع انهيار الأنظمة بصورة جذرية.
الأكيد ان المغرب لن يشذ عن موجة المطالبة بالإصلاحات التي تجتاح عالمنا العربي شرقا و غربا رغم محاولات المسؤولين و صناع الرأي و الأفكار طمأنة صناع القرار و رغم كذلك الإجراءات التي عملت الحكومة المغربية الشروع في اتخاذها لامتصاص رياح التغيير التي تنادي بها فئات المجتمع غير السياسي،فضخ المزيد من الأموال في صندوق المقاصة لإبقاء السلع الأساسية في متناول القدرة الشرائية للمواطنين و إدماج بعض المئات من العاطلين الذين يرابطون أمام مقر البرلمان دون النظر إلى الملايين المنتشرين في باقي المناطق و فتح قنوات الحوار الاجتماعي مع نقابات العمل و تسريع نوايا الإصلاح دون أجرأتها تبقى حلولا لا تلامس الأزمة الحقيقية المتراكمة منذ عقود.
اليوم تطرح حركة 20 فبراير الشبابية المغربية أسوة بالشباب الذي خرج و تصدر موجات التغيير التي همت العالم العربي برنامجا إصلاحيا محددا في نقط صريحة و واضحة في إطار الشرعية المجمع عليها ، و هو برنامج يتمحور في إقرار دستور ديمقراطي يمثل إرادة الشعب الحقيقية و حل الحكومة و البرلمان و تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة و قضاء نزيه و محاكمة المتورطين في قضايا الفساد و استغلال النفوذ و نهب مقدرات و خيرات الوطن و دسترة اللغة الأمازيغية و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين و محاكمة الجلادين و إدماج العاطلين و الحد من الغلاء و تمكين المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية، الورقة الإصلاحية هذه تشكل خارطة طريق جذرية لبلورة المغرب الحديث الذي يراود شبابه غير المتمترس في أقبية الأفكار السياسية و الاديولوجية و التي فشلت الأحزاب السياسية التاريخية أو التي صنعتها الدولة مع عديدها و عدتها في استقطابه و تأطيره و فتح المجال له في التعبير عن أفكاره و أحلامه.
إن المقولة التي يرددها المغاربة " كنا نخاف من الحسن الثاني و اليوم نخاف على محمد السادس " تبرز أن ثمة حسما لدى مختلف مكونات النسيج الاجتماعي و السياسي في قضية الشرعية التي شكلت محطة شد و جذب بين العاهل الراحل و الأحزاب التاريخية خاصة اليسارية و انعكست في سلسلة الدساتير الممنوحة في سنوات 1962 / 1970 / 1972 / 1992 / 1996 مكرسة سلطات مطلقة و مقدسة لم ينفها العاهل الراحل نفسه حين قال في كتابه " التحدي " " الملك يتولى مهمة ثلاثية دينية و قومية و سياسية ، فهو يسهر على احترام شرائع الإسلام و يضمن استقلال الأمة و أخيرا يمثل وحدة الدولة و دوامها و يسهر على احترام الدستور " و إذ اليوم الكل يجمع على الإيمان المطلق بالأسرة المالكة و قدرة النظام على استيعاب مختلف وجهات النظر و رؤى الفكرية و السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فان إصلاحات دستورية عميقة تجنح إلى تأسيس ملكية برلمانية هي بمثابة ضرورة ملحة و استعجالية لتعزيز الرصيد الحداثي الذي دشنه العاهل المغربي الشاب و كذا مدخلا أساسيا في معالجة أي أوراق إصلاحية يمكن طرحها في الساحة الداخلية.
إن مبادرة شباب 20 فبراير لا يمكن فصلها عن الإحساس الجارف الذي ينتاب الشباب العربي من اجل القطع مع دولة الآباء و الأجداد التي فشلت في الاستجابة لطموحات الشعوب و هي كذلك قطع مع كل الوسائط السياسية التي شكلت قناة بين الحاكم و المحكوم إذ عجزت و تواطأت في كثير من الأحيان في فرض أجندتها السياسية و لم تترك خيارا آخر غير قناة الفايسبوك و تويتر.
التعليقات (0)