حين غادرت حبيبتي ذلك المساء عن عالمي..تقدمت شكوك إليها من صوب نساء حاقدات ..بأنني خائن ولا استحق ان أكن ظلها وأمانها .
فمرجعي والمتبقي ما قد أطلق خلفها تسمية فنتعقبها على أن تكون من نصيبي . . . لكن هاهي ترحل ولا نقوى على صدمتها وشكوكها ، لأنها غيورة كغيرة الطفل الذي يفقد ممتلكاته من حضن أمه، لها فقط هذه الفاغية الطهر التي أسميتها فاغيتي .
كنا نترامى جنباً إلى جنب ..كنا نتبادل الثقة..الهمسات..الابتسامات..مسرورين ..وقد كانت تسقط على صدري مثل تنامي همهمات ..غنت في آذني ..لكلمات شاعر نحبه سوياً.. وردة صغيرة في عمرها..وعقلها يقوى على عقول النساء..لكنها أمست ذلك اليوم متواضعة وشفافة..تلتقط أنفاسها من تحت قدماي كطفل يحبو ..كماء هادئ..كانت بمنتهى الوضوح لدرجة أني كنت اقرأ أفكارها
عشر سنوات مرت على محاولتنا المضنية أنا وحبيتي الفاغية على اتخاذ "عناق لا ينتهي" أو "انتظار لقاء" و و و. . . كمقرر ندرسه وليس العاب أطفال نلتقطها أو ندحرجها شمالا ويمينا ندرس حبنا ونلتقط نقاط ضعفه وقوته ،غارقين بنظريات عن الشوق والعشق والوله.
في ليال بعينها كانت حبيبتي تهيم برجل السلطنة في الاغنية العربية " محمد عبده " .. تسمعني :
" الله واكبر على اللي سم حالي فراقه
حبه سباني وليف الروح أنا مقدر أنساه
مالي نظر في جميع الناس جيته عشاقه
شفقٍ على عشرته بالحيل يا حلو لاماه
لى من بغيته حد الليلات جاني سراقه
همٍ سقاني من اللي بين صافي ثناياه
حسين خلقه وطبعه ما يعرف الحماقه
قلبه سليم عرفت اليوم أنا أقصاه و أدناه
ما هو غشيشٍ مثل بعض العرب له رفاقه
سبحان ربٍ خلقه و كمله في حلاياه "
أتعلمين يا حبيبتي أنني أستمع الآن وفي هذه الساعة بالتحديد، في تمام الثالثة والنصف بعد منتصف الليل لـ ِ سي دي من الأعمال الكاملة لمحمد عبده.. أنصت وأغني معه بصوتي " النشائزي "على وزن " الجنائزي "، وحين أصل أغنية " أواه يا قلب " أتخطاها على الفور، على أنها أغنية محمد عبده الوحيدة ربما التي أكرهها،
" أواه يا قلب عليل تعلقت" أستعيد هذه العبارة مجدداً وأنا أكتب ما أكتبه الآن، لتطفو حبيبتي التي قالت عنها " حبك ذبحني ليتني ما تولعت ..منك العذاب وزايد الشوق مني ".
كانت حبيبتي تمسي سوداء ومرة. في ساعات مفاجئة تزأر، تنتحب، تتقلب.. لأنها وجدت حياتها مقيدة.. كان أنينها يوقظ الجيران، حين كانت رياح البحر تخمش باب منزلها وتعصف بصوت عال بالسطح. كانت تزعجها الأيام الغائمة في داخل أسرتها البدائية،فتصبر نفسها بتحطم الأثاث، تتلفظ بكلمات نابية، غامرة إياي بالإعانات ورغوة خضراء وأخرى رمادية. تبصق، تصرخ، تتوعد، تتنبأ. عرضة للقمر، للنجوم، لتأثير الضوء في عوالم أخرى، وكانت تبدل أمزجتها ومظهرها بما حسِبْته سحراً، فإذ بها مهلكه مثل مد وجزر.
وفي الوقت نفسه ملامحها دفعتني لأن أغمض عيناي، لأن صوتها كان حلواً وحدثتني عن موت عشق لذيذ.. استطعمته إلى أن تعافيت، وبدأت أخافها وأكرهها.
كنت قد أهملت علاقاتي. وها أنا الآن أعود إلى زيارة أصدقائي مجدداً لعلاقاتي القديمة. عدت إلى مقابلة صاحبة قديمة. سائلاً إياها أن تحفظ سري، أخبرتها عن حياتي مع حبيتي الفاغية.. لا شيء يحرك امرأة بالقدر الذي تحركه قدرتها على إنقاذي. مخلصتي وفاغيتي وظفت كل فنونها، لكن ماذا بمقدور امرأة تمتلك عدداً محدوداً من الأرواح والأجساد أن تفعله في مواجهة حبيبتي الراحلة .. والتي يسكنها الشك وحاقدات هشة حياتهن وفانية في ظل " وان كيدهن عظيم ".
التعليقات (0)