زيارة ملك الاردن لاوباما...الملك المذعور و الواقع المر
زيارة ملك الاردن عبدالله الثاني إلى واشنطن، والتي إلتقى فيها الرئيس اوباما لم تكن زيارة عادية بأي معيار من المعاير. بداية، فإن الزيارة تلقت زخما وتهويلا ضخما، حتى قبل حدوثها، من قبل الاعلام الاردني واجهزة الدعاية التابعة للنظام الأردني. كذلك فإن الملك اصطحب معه لأول مرة عددا كبيرا من الكتاب الأردنين الاقل حظا والذين لا يصحبهم عادة لكونهم كتاب في صحف اقل شهرة من صحيفة الرأي، الصحيفة الأردنية الأكبر، ككتاب جريدة الدستور التي تعتبر صحيفة الفلسطينين في الاردن، فالملك عهد عنه سابقا انتقائية مكتبه لمن يصطحب معه في سفراته، وإهتمامه بشكل اكبر بإصطحاب كتاب وصحفين مقربين جدا للقصر أو للأجهزة الأمنية، أما هذه المرة فقد حرص الملك على اصطحاب كل من يستمع اليه الناس ويقرأونه من الكتاب، وهنا بالطبع يبقى السؤال، لماذا الأن؟
إن إصرار الملك واجهزة نظامه الإعلامية على إبراز زيارته للرئيس الامريكي على أنها "زيارة القرن" إنما هو دليل على حساسية الزيارة و بالأحرى حاجة النظام لها كونها قد جائت في ظروف دقيقة جدا، وبالتالي فإن مخرجات الزيارة ستكون بعيدة الأمد وخطيرة جدا على مستقبل النظام والأردن في مرحلة الربيع العربي الحرجة.
الملك أراد الظهور بمظهر المدعوم من الامريكين:
نعم، فعبدالله الثاني في هذه المناسبة اخذ يتصرف تماما بالطريقة العفوية التي يتصرف بها عموم الناس في الاردن، وهي الاحتكاك بشخص ذو منصب أو نفوذ لاظهار أن الملتصق بالشخص "المتنفذ" هو ايضا ذو منصب ونفوذ، وهنا استذكر ما قلته سابقا، أن ملك الأردن، عبدالله الثاني، وصل إلى الأردن من بريطانيا بعقلية (الجنتلمان) الإنجليزي، فتحول الى ملك بعقلية الشاويش الاردني. إلا أن إصرار وإستماتة ملك الأردن في الظهور مع الرئيس الامريكي في هذه الفترة، إنما هي مبررة فالنظام الأردني لا يملك اي مصدر قوة حقيقية على الأرض، فإقتصاديا: الاردن من افقر دول العالم العربي، وعسكريا، بعكس ما يدعي النظام، فأن تصنيف الجيش الاردني ياتي بعد تصنيف عدة جيوش عربية بما فيها الجيش العراقي حديث الإنشاء، (1) وبالطبع اقل من الجيش السوري المجاور له والقادر على لفت رأسه للاردن في أي لحظة في المرحلة الحالية. فالنظام الأردني بعد مرحلة الملك حسين، وفي عهد الملك عبدالله احرق كثير من علاقاته واتصالاته وراهن على ورقة واحدة فقط هي ورقة الولايات المتحدة، واستنفرألته الإعلامية غير المحترفة ولا الكفؤة في الترويج بأن الولايات المتحدة تعتبره شريكا مهما وحيويا وحساسا ولاعبا اساسيا في الشرق الأوسط، وهذا بالطبع يجافي ابسط المنطق ، فاقتصاديا وسياسيا وإستخباريا، الولايات المتحدة لها شركاء في العالم العربي هم أهم بكثير من أي دور يمكن للأردن ان يلعبه، كمصر والسعودية وقطر وتركيا، والأهم من ذلك كله أن أهم شريك سياسي للأمريكين والإسرائيلين في المنطقة، نظام حسني مبارك، تم الإستغناء عنه بسهولة وصلت حد التواطوء من الامريكين، ونظام الملك الهاشمي الهش هو بلا ريب يكاد يكون غير مرأي مقارنة بنظام مبارك.
الأمريكيون حسموا موقفهم من كون عبدالله "ليس استثنائا" من الربيع العربي:
ما اقلق الملك عبدالله واركان نظامه بعد سقوط اثنين من أهم حلفاء أمريكا العرب، بن علي ومبارك، هو ما قاله الأمريكان علنا لا سرا، وأكرره هنا، فنائب وزير الخارجية الامريكي فيلتمان زار عمان ومن قاعة الصحافة في السفارة الامريكية قال للصحفين: " رأينا أن كثير من الأنظمة في المنطقة إعتقدت أن لديها وقت للإصلاح، في حين أن الوقت كان قد فات، والأردن ليس استثنائا من ذلك"، فرسالة فيلتمان التي قالها علنا كانت بلا ريب اشد قوة خلف الأبواب المغلقة، (علما أن الرجل نفسه، فيلتمان، كان قد التقى الملك مرة أخرى في عمان في بداية شهر ديسمبر المنصرم قبل حوالي اربعين يوما من زيارة الملك لواشنطن)، فأمريكا اليوم لن تتصدى لإرادة اي شعب عربي لأجل حماية اي نظام موال لها، وكما قال السيناتور الامريكي جون ماكين، --ايضا من الاردن ومن على منصة مركز الملك حسين للمؤتمرات-- وبحضور عبدالله الثاني نفسه: "إن أمريكا قد اكتشفت أن الشعوب العربية ليست عدوتها ولا ضدها"، وقال قبل ذلك "كما ترون، نظام بن علي في تونس قد ذهب، ونظام مبارك ذهب، والأن القذافي نفسه قد ذهب".(2)، فأمريكا ببساطة لن تحمي الملك ولن يفعل أوباما ما فعله الرئيس الأمريكي نيكسون في عام 1970 حين خالف رأي وزير خارجيته هينري كيسنجر وقرر أن يتدخل لحماية النظام الهاشمي ضد القوات السورية المتوغلة في شمال الأردن، في حين كان كيسنجر يرى في الوضع القائم فرصة لتحقيق "تسوية فلسطينية" وبالتالي عدم دعم الملك. كذلك فإن الملك لم يتمكن من لقاء الرئيس الأمريكي أوباما في زيارته السابقة إلى واشنطن وبالمقابل تسرب تقرير لموقع ديبكا الإسرائيلي والمشهور بتسريباته الاستخبارية، يفيد بان الملك عبدالله في زيارته قبل الاخيرة لامريكا تلقى تحذيرا من الامريكين بل وتقريرا استخباريا مفصلا بأنه "ما لم يقم باصلاحات فإن الثورة ستدق بابه"، وكذلك، أشار التقرير المسرب إلى أن أحد المجتمعين مع الملك من الامريكين قال أن الملك رفض أن يقوم باي إصلاحات إلا بالتدريج مشيرا إلى أنه "حين يفكر بالبدء بذلك التدريج سيكون نظامه قد سقط". (3)
زيارة الملك لأوباما لن تغير رأي الأمريكين:
ما قد يكون الملك نسيه، أو تناساه، هو أن زيارته لأوباما لن تغير من موقف الأمريكين، فالرئيس الامريكي، وخاصة في قضايا الشأن الخارجي، يستعين بخبراء ومستشارين هم من يصيغون له السياسات والاستراتيجيات بل ويعدون له الخطب بما فيها الحديث الذي ادلى به للصحفين اثناء زيارة الملك، فبعكس مدرسة الحكم العربي التي ينتمي إليها ملك الاردن، فاوباما يتخذ قراره بمساعدة مستشارين، وحتى بوش من قبله كان كذلك، فالرئاسة الأمريكية هي مؤسسة شاملة مكونة من عدة مؤسسات عاملة تسهم في إتخاذ القرار، والموظفين في البيت الابيض مهامهم مؤثرة على القرار الأمريكي بشكل جمعي، وكذلك فإن وزارة الخارجية الامريكية معنية بامرين رئيسين هما جمع الحقائق كما هي على الارض لتقديم المشورة للرئيس وفي نفس الوقت نقل السياسية الامريكية إلى بقية العالم، فلن يسمع الملك اي شيء من اوباما لم يسمعه من فيلتمان، أو هيلاري كلنتون، أو السفير الامريكي في عمان، كما أن الملك لا يمكن ان يقول اي شيء إضافي لأوباما أو اي شيء لا يعرفه أوباما خلال إجتماع مدته ساعة يمكن أن يجعله يغير سياسته. لذلك فزيارة الملك كانت استعراضا إعلاميا فقط، لعله موجه لشعبه قبل أي طرف أخر، وهي "أن الأمريكين يدعمونه"، هذه هي الرسالة التي أراد الملك توجيهها. فأوباما ليس رئيسا عربيا ليغير رأيه مع رشفة من فنجان قهوته مع الملك.
حديث أوباما للإعلام كان أشد وضوحا:
بعكس سلفه، جورج بوش، فإن باراك أوباما يتميز بالقدرة اللغوية العالية والحنكة الدبلوماسية المتقدمة، فحتى أثناء خدمته كعضو في الكونغرس تميز أوباما بإنتقائه الدقيق لألفاظه. حين تكلم اوباما اثناء وجود الملك، لم يكن كلامه يحتمل الكثير من التفسير، بدأ اوباما حديثه بأنه قد تكلم أثناء إجتماعه مع الملك عبدالله بشان "التغيير في مصر وفي تونس وليبيا" وغيرها، وتوسع في ذلك أوباما، ومن ثم تكلم بجملة عابرة عن شأن الأردن فقال أوباما: "إننا نرى أن جلالة الملك قد تفوق على نفسه في محاولة الإستجابة لمطالبات الإصلاح" فالرئيس الامريكي الدقيق في إختيار كلماته قال أن الملك يحاول الإستجابة لمطالب الإصلاح، ولم يقل ما كان يسمعه الملك من إدارة بوش سابقا بأن الملك هو "اصلاحي"، وفي نهاية كلمته التي تحدث فيها عن قضايا عدة معظمها متعلق بالدول المجاورة، استطرد أوباما بنفس الشأن قائلا: "إننا نامل أن نرى الاردن يتطور إصلاحيا وسياسيا ليصبح نموذجا.." ومن ثم استذكر بسرعة وحذر ظاهر كلمتين"تحت قيادتكم"، كما يظهر في الفيديو الذي ارفقه موقع البيت الابيض،(4) باختصار شديد، اوباما لم يسمع الملك الكلام الذي كان يتأمله الأخير، "وهو أن الاردن مستثنى بشكل أو بأخر من الربيع العربي" أو "أن الولايات المتحدة ستدعم استقرار النظام الاردني، أو حريصة جدا على بقاء الامور في الأردن على ما هي عليه بشكل أو بأخر". هذا ما تعود عبدالله الثاني على سماعه أيام الرئيس بوش، والذي لا يبدو أنه سيسمعه من اي رئيس امريكي بعد إنطلاق الربيع العربي.
سوريا: البند الأهم والخيار الاصعب:
تماما كما قال الرئيس الامريكي وعبدالله الثاني إلى جانبه، "إن الشان الأهم والاشد إلحاحا الان هو سوريا"، كذلك فإن موقع البيت الابيض وعلى صفحته الرسمية اختصر اللقاء كاملا ولم ينشر إلا نقطة واحدة متعلقة بالأردن ، وابتدأ بالقول بأنه منذ لقاء الملك واوباما الأخير تغيرت عدة انظمة عربية، في تونس ومصر وليبيا، "والحديث الذي دار في اللقاء تناول هذه المواضيع" واضاف الموقع: "امتدح الرئيس جهود الاصلاح التي يقوم بها الملك عبدالله ورئيس وزراءه مشيرا إلى أن الملك تفوق على نفسه في محاولة الإستجابة لمطالب الاصلاح، كذلك فإن الرئيس أوباما قال أن الشأن الأكثر أهمية وإلحاحا الأن هو سوريا"،(4) وبعد ذلك مباشرة تنشر الصفحة فقرة كاملة أطول من سابقتها عما قاله الرئيس الأمريكي عن سوريا ومنه قوله بأن الملك عبدالله "كان من أول الذين طالبوا الرئيس الاسد بالتنحي"،
بإختصار فإن أمريكا الأن ترى جدوى واحد للتعاون مع النظام الهاشمي في هذه المرحلة وهي في الشأن السوري وإسقاط نظام بشار الأسد، وكلام الرئيس الامريكي هذا هو صراحة لا يترك خيارا للملك في اي مراوغة إعلامية للأخير، وهنا لا يخفى على أحد أن ما من نظام عربي يرغب في رؤية اي نظام عربي أخر يسقط، لأن الكرة قد تأتيه هو ايضا، والنظام الأردني يعلم تمام العلم أن سقوط النظام السوري سيعني سقوطه هو ايضا وهو تماما ما ابلغه الامريكيون انفسهم للملك حسبما يدعي موقع ديبكا الاسرائيلي في التقرير المشار اليه إعلاه، (3) بأن الامريكين ابلغوا الملك في زيارته قبل الاخيرة لواشنطن بان من المتوقع سقوط نظامه بعد سقوط النظام السوري، بل ويستطرد التقرير بالقول بأن الامريكين سلموا الملك تقارير إستخبارية تفيد بأن الاردنيون فعلا سيثورون عليه بعد سقوط نظام بشار.
عبدالله الثاني قد يخاف سقوط بشار، ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يدفع ثمن معارضة الأمريكين، والأمريكيون يعلمون ذلك، ولعل هذ كان سبب قول الرئيس الامريكي جملة غير مألوفة ربما كانت معدة بعناية شديدة، حيث قال: " لقد تمكنا من وضع بضعة ملاين تصل الى حوالي مليار دولار اضافة إلى إرسال شحنة قمح بحوالي خمسين طنا متريا إلى الأردن حتى يتمكن الأردنيون من وضع طعام على موائدهم"، منذ متى كان شحنة قمح شيئا مهما يذكره رئيس أمريكي-- فأمريكا ترسل مليارات الدولارات للأردن منذ عقود-- أم أنها تذكير صريح بأن اي تعاون أردني في مجال اسقاط الرئيس السوري إنما هو واجب واستحقاق من الاردن لا فضل يتكرم الملك به. كذلك فإن المليار دولار التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي هي نفس المبلغ الذي استلمه الاردن في العامين المنصرمين، مما يعني أن لا زيادة ملموسة في حجم المساعدات الأمريكية للاردن، ترى هل ما قاله الرئيس الامريكي إنما هو رد فعل مؤدب على رفض أو تخوف أردني من إسقاط النظام السوري؟ ذلك ممكن، حيث أن الملك الاردني ادلى بحديث للبي بي سي بعد يوم من لقائه أوباما قال فيه: "أن من المستحيل تقيم الوضع في سوريا والوضع معقد"، فلم يشر من قريب أو بعيد لأي تدخل عربي او أجنبي، بل حذر منه ضمنيا بما قال، كذلك فإن أحد الصحفين الذين رافقوا الملك، ماهر أبو طير، والمعروف بكونه مقربا للنظام ولسان حال له، كتب مقالا بعنوان: "إضعاف الأسد بدلا من إسقاطه"(5)، ولعل المقال ايضا هو إسقاط أو تنفيس اعلامي للنظام، الذي يريد للاسد ان يستمر في الحكم تحت الحصار كما كان الحال في العراق أبان نظام صدام، لم لا فماهر أبو طير نفسه كتب مقالا اخر بعد إجتماع الملك باوباما يقول فيه بأن الملك قد عرف "بأن الاردن ليس في طابور دول الربيع العربي"، رغم أن ماهر ابو طير أقر انه لم يحضر هذا الاجتماع المغلق، فالملك الهاشمي على ما يبدو بات قلقا أو مذعورا وصار يستصرخ أبواق النظام الإعلامية الذين اصروا جميعا أن اللقاء كان "تاريخيا ومهما".
لم ينجز الملك اي شيء بلقاءه اوباما سوى أن "تفوق على نفسه في محاولة" تصوير نفسه بصورة القوي كما كان يجول القذافي في طرابلس وقوات الناتو تكاد تحاصره حتى يظهر بأنه متماسك، النظام الاردني بالمقابل قد يجد نفسه قريبا مشتركا مع الغرب على خط مواجهة مفتوحة مع سوريا وهو لا يملك جدار داخلي شعبي يستند اليه ولا حلفاء غربيون مستعدون أن يدعموه إن سقط.
كذلك، إن نسي الملك، فالشعب لم ينس أن كل الزعماء العرب المخلوعين حتى الأن زاروا البيت الابيض واجتمعوا بالروساء الامريكين، فما يدري الملك عبدالله، فقد تكون هذه الزيارة هي الزيارة الاخيرة للبيت الابيض.
المصادر:
1-http://www.globalfirepower.com/
2-http://mccain.senate.gov/public/index.cfm?FuseAction=PressOffice.PressReleases&ContentRecord_id=31715a7e-9f0b-9483-7dd3-97a9ccb96f31
3-http://prophecybeyond.ning.com/forum/topics/us-warns-jordan-s-king-arab
4-http://www.whitehouse.gov/blog/2012/01/17/president-obama-meets-king-abdullah-ii-jordan-white-house
5-http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5COpinionAndNotes%5C2012%5C01%5COpinionAndNotes_issue1556_day21_id385864.htm
التعليقات (0)