زيارة الإمام الكاظم.. حكاية السياسة و...الدين
بقلم : وليد فرحان
أشعر الآن بذات الشعور الغريب الذي يغمرني ساعة يدوي انفجار على أي أعزل قرّر أن يعتقد بما فطر عليه، ألم يقل النبي (ص) ذلك؟!، الناس في ما يخصّ العقائد مجبولون على ما فطروا عليه، لا مزيد من الكلام يمكن أن يقنعنا بنقيضنا، ذلك الضدّ الذي فطر وتربى على خلاف عقائدنا ونستطيع مع ذلك أن نتعايش معه كما هو، لا مزيد من الكلام يقنع أيضاً مَنْ قتلهم، بأن هؤلاء لا يتحدّون عقائدكم بقدر ما يمارسون عقائدهم، هؤلاء مفطورون على نقيض ما تقشعر منه أبدانكم وتتهيّأ بعده للتناثر، لكن، المسألة تبدو قد خرجت من عنق "الكلام" اذا جاز هذا "المجاز"، تحوّلت الى"حمارية في القراءات المتتابعة" كما يسميها ابن وحشية مترجم النص الوحيد الذي جاء من الثقافة البابلية - كتاب الفلاحة النبطية لقوثامي الكسداني -، تحوّلت الى حرب آخرها الكلام، ولا يمكن أن يمنعها أي كلام، بعكس ما كان يقوله نصر بن سيار: "إن الحرب أولها الكلام"، هذه الحرب لا إيمان فيها ينتجه الكلام، ما دامت لا تسمع الآخر ولا تفكر في مطارحته أفكاره.
طبيعة الاختلاف ناشئة في الغالب من صعوبة عدمه، لا نتخيّل اثنين يقبلان بتطابقهما، لو كان البشر يتطابقون لما عرفنا الآخر المختلف، كانت السمكة في شعر مولوي الحكيم الايراني تسأل عن الهواء لكنها لم تعرفه حتى جربت عدمه، لم تكن تدرك أن ضده – وهو الحاضر أمام عينيها في كلّ حين - يعني هلاكها، وبعيداً عن أي سياق آخر تتجلى فيه أزمة المختلف – سياق التاريخ مثالاً على ذلك - نعرف أن صعوبة افتراض صراعنا على ما نختلف عليه هو نكران لطبيعتنا، تعدٍ على الجبلّة التي فطر الإنسان عليها، ليس فقط من يقول بذلك هو من يخرق فطرتنا بل من يقول إننا لا نختلف فيما بيننا، نحن متفقون حدّ البلادة، هذه الحجة الفلسفية ممكن لها أن تقنعنا، لكنها لا تقنع سوانا ممن يريد الناس على لون واحد وعقل واحد وقلب واحد!.
لو كان في زيارة الإمام الكاظم وفي غيرها من مراسم "الجموع" مقاربة أخرى تسمح بفصل ذئبيتنا عن فطرتنا فللنفر اليها خفافا أو ثقالا كما يقول القرآن ولا نكل الناس الى أفق حالك، لا يميزون فيه بين من يقتلهم على قناعاتهم في السياسة أو عقائدهم في الدين، والخطابان السياسي والديني لا يقدمان الا ما يديم الاختلاف، بل هما التاليان والمسوّغان لفعل الفطرة، التي بدت في كثير من الأحيان – أو كما أُريَد لها ذلك - الوجه الآخر للجهل أو المروج الشرعي للابتذال العقائدي والسياسي.
وحتى لا تكون كذلك – فطرتنا ، عقائدنا – علينا قبل ذاك أن نقول الّا أحد يستطيع منع الزائرين مما يفعلونه، لا أحد يحقّ له أن يخرّب سعادة من ينتظر" أجر" ما سعى في ظل درجة حرارة تصل الى 50 مئوية مهما كان يرى عكس ذلك، لا أحد يملك سلطة "المنع".
في السياسة يمكن لهذه الجموع أن تقول "لا" في وجه أي ظلم، يمكن لها أن تتوحد في كثير من المشكلات المقبلة ما دامت تملك قوّة الدفاع عن فكرتها، أما من يقف في طريق تهذيب هذه المراسم و"تأنيقها"، فهم كثر؛ أشكالٌ ومشاربُ، تحتاج منا نحن من نقعد في بيوتنا في أقصى لحظات الاسترخاء وننتقد كل ما نراه الى إنتاج مقاربة جمعية لاستيعاب هكذا فعل "عقائدي"، تحتاج هذه المراسم قبل كلّ شيء الى ممر آمن في عقولنا قبل تلك الشوارع المليئة بالمفخخات والنظر الشزر، أما من هم هؤلاء ..فتلك حكاية السياسة و....الدين، ما لا نستطيع قوله وتحتاط من ذكره جوارحنا.
التعليقات (0)