دفئُ البِعــاد :
المدينة التي أعيش فيها، تتفرّد بمناخها الإستثنائي الذي لايوحي بتواجدها في أقاصي جنوب الجزائر، ولا في عُمق الصحراء الكبرى ؟!..
فالشمس في مدينتنا هي رمز الدفئ المُنبعث من أشعتها المرغوبة منا طِوال العام !.. ونحن أبدا لانتضايق من ذلك النور الرّباني (النفيس) تماما كما الذهب !.. كما لا نكلّ ولا نملّ من مطاردة خيوطه القزحية في كل الفصول!..
سيقول قائل وما شأنكم مع صيف الصحراء السّيء السّمعة، الذي تتواتر الحكايات عن قسوته، وعن أنه خانق حارق ؟!.. وسؤطمئنه بأن الربيع والشتاء عندنا يقتسمان العام مُناصفةً !.. فالصيف عندنا هو ربيعٌ مُنعشٌ ومُعتدل الأجواء، لاتتعدّى درجة حرارته القصوى 29°، وشمس صيفنا (عروسٌ ناضجة ومُتزنة) لاتنغّص ولاتعكر صفونا !.. أما الشتاء عندنا، فهو قاسٍ وشبيهٍ بالقطبين المتجمّدين سوى فيما تعلق بكميات الثلوج والجليد وبتواجد الفقمات والبطاريق، وتنزل درجات الحرارة إلى 3° وأقل، وشمسُ شتائنا (عروسٌ مُدللة) تجعلنا نطاردها خلال ساعات النهار القصيرة في أرجاء مدينتنا، مُتشبّثين بأذيال شعاعها الأبيض، فقط لنشعُر بالقليل من دفئها ؟!.. فنحنُ لانشعرُ بدفئ شمسنا إلا بالإبتعاد عنها نحو آخر نقطة يختفي منها شعاعها من الوجود نحو الأفق، حتى تطبع على جباهنا قُبلات أخيرة قُبيل إنسدال ستار الليل على المشهد الغرامي !..
تلك هي الشمس، عروسنا التي كانت ولازالت وستظل (عذراء)، لأن أيدينا لن تطالها، وحتى وإن طالتها فإنها سوف تحترق، لذلك لامناص لنا من الإبتعاد عنها قدر الإمكان، للشعور بدفئها ورقّتها !..
العذارى والحيارى :
إطمئني ـ سيدتي .. آنستي ـ فلا توجد إمرأة قبيحة أو بشعة، إنما عيون الرّجال ونظراتهم هي التي تختلف في تقديراتها للجمال والقبح بحسب ذوق كل رجل، فأنتِ التي أراكِ بعيناي مقبولة الشكل، يراكِ آخر فاتنة، وآخر قبيحة، وهكذا !.. وثقة المرأة بنفسها، وعدم شعورها بالدونية هو ما من شأنه أن يُبرز مفاتنها، ويُظهر محاسنها !.. تلك ليست دعوة إلى التبرج والسّفور، إنما وقفة المرأة بإعتزاز تشُدّ الرّجل لامحالة، لكن من أين للمرأة أن تستمدّ كل تلك الثقة بنفسها ؟!..
لن يكون ذلك إلا بحفاظها على نفسها وشرفها حتى تلتقي بإبن الحلال في الحلال !.. والشّرف هنا ليس بمعنى غشاء البكارة، بل بمعنى تلك العلاقة الفطرية بين المرأة وجسدها، وتلك الثقة المُتبادلة بينهما للحفاظ على بعضهما، فمتى خانت المرأة أمانة عذريتها، شعَرت بالمرارة واهتزت ثقتها بنفسها، حتى ولو كان مَن سلمت له نفسها يلامس شغاف قلبها، لو لم يكن ذلك على سرير الزوجية !..
وأنا كرجل، كنت لأثق بإمرأة ذات ماضِ مُتعثر أحببتها، لكن ثقتي بها ستكون أكبر لو وجتها شامخة كالجبال التي حُمّلت الأمانة يوما فوهنت عن حملها لعظمها، فحملها الإنسان الشبيه بي وبها فكان ظلوما جهولا بكنهها وماهيتها وقيمتها الحقيقية !..
فالعذرية ليست ذات شأن لو أختزلت معانيها في غشاءٍ يكادُ يبين، بل بقيمة أن يُفض ذلك الغشاء في إطار تشعر فيه ذات المرأة بالنشوة واللذة الحقيقيتين وهي تسلّم أمانتها لصاحبها الشرعي، فتشعر بالراحة والطمأنينة والسلام الداخلي، وتكتسب المزيد من الثقة والقوة !..
هذا ما أردت قوله لأخواتي الحيارى من النساء، في مطلع العام الجديد !.. فكل النساء جميلات، وكلهن فاتنات، لكن يختلفن في مقدار الصبر حتى موعد الذبح الناعم لقرابين الثقة والوفاء لمن يستحق وفي الموعد المُستحق !..
نزيف الحرية :
هذا العام، لايُشبه أيًّا من الخمسين عاما المتسلسلة قبله، في مسيرة الأمة العربية !.. الأمة التي عانت شعوبها الأمرّين طيلة نصف قرن، وكانت صابرة على بلاء الطغاة، ومُرابطة تنتظر فرصتها للخروج من تحت أنقاض التخلف والديكتاتوريات والفساد، وما إن كان مطلع العام الحالي حتى نالت تلك الفرصة واستغلتها، ورفعت شعارها الخالد : (الشعب يريد ..)، فكان لبعض شعوب الأمة ما أرادت، وأكثر، وكان لبعضها نصف ما أرادت أو أجزاءا منه، فيما لايزال بعضها الآخر مُتشبثا بفرصته في الإنعتاق رغم التقتيل والتنكيل ورغم النزيف !..
لقد صدق أحدهم حين قال : (خذوا الحكمة من أفواه المجانين)، لأن أحد الطغاة المجانين البائدين أعاد إحياء حكمة أحد العقلاء القائلة : (الحرية شجرة لايتفيأ ظلالها إلا مَن سقاها بدمه) !.. الإستثناءُ إذا هو ما يقلب موازين كل الأمور، ويدحض كل النظريات، ويجعل اللاممكن ممكنا، وهذا ما أدركته الشعوب العربية هذا العام فكانت بحق إستثناءا عن كل شعوب الأرض حتى تلك التي لا توصم بالإرهاب لإحتضانها دين الإسلام ككوريا الشمالية التي تسلطت عليها أضواء العالم تزامنا مع إستمرار مقاومة الشارع العربي السلمية في وجه الديكتاتورية !.. فكوريا الشمالية أعادت إلى أذهان العالم ـ الذي كان مُنشغلا عن ظلامية النظام الكوري ـ صورة أسوأ ما تكون عن العصور الوسطى التي كانت أوربا مُنغلقة على نفسها، وممنوعة من التفكير بغير منطق الكنيسة ودين الكنيسة، وكذلك الأمر في كوريا الشمالية التي يتبنى كل فردٍ من أفراد شعبها تفكيرا جماعيا مُوحّدا يفوض الديكتاتور البائد مفكرا أوحدا بالنيابة عنهم جميعا، أقواله من المقدسات، والسجود لصوره وتماثيله العملاقة من الفرائض !.. مات الإله وعاش الإله الإبن، وتستمرّ معاناة شعب كوريا الذي لايدري ما يحصل حتى في جارته الجنوبية، لأنه مُنعزل تماما عن العالم الخارجي، لاقنوات فضائية غير تلك الرسمية التي لاتزيح كاميراتها عدساتها عن قداسة الإله، ولا هواتف نقالة ولا إنترنت ولا وسائط !.. فأنّى لها أن تدرك أن العرب الذين لطالما أتهموا بالجبن والإنبطاح، كانوا إستثناء العام الذي يكاد ينصرم ؟!.. وأنّى لها أن تدرك أن شعوبا مثلها مُكبّلة بسلاسل العبودية والخنوع والرضوخ والإستسلام تشهد حركية دؤوبة لكسرها والتحرر منها، ولا يُهمها في سبيل ذلك الألم ولا النزيف !..
لاتحتقر أفكارك :
هل تعتقد أن ديكارت كان سيُخلّد إسمه، ويرفعه عاليا في سماء الفكر والفلسفة، لو كان مهزوز الثقة بنفسه وبطاقاته الفكرية، ولو كان يحتقر نفسه وأفكاره ؟!.. أنا شخصيا لاأعتقد أن مقولة ديكارت الشهيرة والخالدة (أنا أفكر إذن أنا موجود) كانت ستكون كذلك، لو لم يُطلق ديكارت العِنان لفكره حدّ المُبالغة في مقولته السالفة الذكر !.. فديكارت صائب إلى حدٍّ بعيد في ربط وجوده بتفكيره، نظرا للمكانة المرموقة التي يضع فيها عقله المُفكّر والخلاّق الذي يعتبره آلية أثبتت نجاعتها بعد أن شقّ بها طريقا في الصخر ونحت بها إسمه على جدارية الخلود مادامت الحياة الدّنيا !..
ديكارت عرف قيمة أفكاره وخلّدها وخلّدته لكنك لست أقلّ شأنا منه ولا من غيره، سوى في شيءٍ واحد .. هوالإرادة القوية في التعبير عمّا يدور في عقلك وخُلدك وعدم إحتقار أفكارك واعتبارها تافهة، لأنك حينها تدين نفسك وتثبت عليها تهمة التفاهة، مايعني أنك أقصيتها ونأيت بنفسك عن التأثير نحو التأثر، ومن الصميم نحو هامش الحياة !..
أنت لست مُلزما بالتطرف لفكرك ولرأيك في كُنه الوجود البشري وحقيقته كما فعل ديكارت، ولستَ مُطالبا بحذف مشهد المجانين الذين يجوبون الشوارع من ذاكرتك مثله، هائمين على وجوههم، لايُدركون مما حولهم سوى ما تدركه الدواب من إحتياجات غريزية ضرورية كالمأكل والمشرب والنوم، لكنهم رغم ذلك موجودين نراهم ونشعُر بهم !.. لكنك مُلزمٌ بالتفكير بجدّية عن المغزى الحقيقي لوجودك على هذا الكوكب ؟!.. وهل مرورك فوقه هكذا بصمت ودون الصراخ ولو مرة، يُشعرك بالراحة وبالحياة ؟!..
لاتعتمد كثيرا على الحظ، ولاعلى قراءات المُنجّمين الذين عجزوا عن التنبؤ قبل عام مضى، أن هذا العام سيكون عربيا بإمتياز وبسيناريو فريد وغير مُتوقع !..
أضئ شمعة في ذكرى ميلاد المسيح عيسى عليه السلام، ليس تقليدا ولا إقتداءا، بل لتنظر بتمعّن إلى مقدار القوة التي تتمتع بها تلك الشمعة في اختراق الظلماء، ونشر النور والضياء .. إقتدي بتلك الشمعة، وتذكّر بأنك لاتستغلّ حتى ما نسبته 1% من طاقاتك الحقيقية التي منحك الله إياها، واشكره عليها ليزيدك .
عام سعيد للجميع، ولو أن البعض دائم التذمّر من حظه، مُتناسيا أنه مَن يصنع مصيره السّعيد أو التعيس !؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الدين عبدالسلام
30 . 12 . 2011
التعليقات (0)