بالرغم من أن خروج قوات الأحتلال الأمريكي كان قد أصبح مطلباً وطنياً عراقياً منذ فترة طويلة ، وأن الحكومة العراقية قد عبرت عن أرادة الشعب بطلبها من الأمريكان أخراج قواتهم المحتلة من أرض العراق ، ألا أن الجدل الداخلي والخارجي حول التوقيت العراقي لأنهاء الأحتلال لايزال مستمراً ، وذلك نظراً للأزمات الكثيرة غير المحلولة الى الآن ، ولضعف أمكانيات الدولة ومؤسساتها الأمنية ، والأهم ، الجيش العراقي ، وهو ما بدا واضحاً حتى بتصريحات العديد من المسؤولين الأمنيين وقادة الجيش ، بل أن هذه الحقيقة واضحة تماماً لنا كمواطنين عراقيين معايشين للأوضاع ، وما تفجيرات اليوم في بغداد ألا تأكيداً لهذا الضعف ، ما يبرر هذا الخوف والقلق اللذي نشعر به على مستقبل بلادنا وحدودها ووحدتها ، واللذي حدى بالبعض للمطالبة ببقاء الأحتلال كقوة ضامنة لعدم أنفجار الوضع العراقي .
أن التفجيرات ، والضعف الأمني ، والأغتيالات السياسية والأجرامية ، والقتل بالقنابل وكواتم الصوت ، والفساد الأداري والسياسي والأخلاقي ، وأنعدام الخدمات ، والأداء الضعيف لأجهزة الدولة ووزاراتها ، وتدهور التعليم ومرافق الصحة ، وأنتشار المخدرات والجريمة المنظمة .. كل ذلك كان موجوداً ومتواجداً بوجود الأحتلال ، لذا فأن تواجد هذه المشاكل بعد خروج الأحتلال ، لم ، ولن يشكل فرقاً في الحياة السياسية ولا في حياة المواطن العراقي .
لذلك فأن دفاع بعض الأقلية السياسية والمجتمعية عن ضرورة بقاء الأحتلال بحجة ضعف الدولة ومؤسساتها ، هو دفاع لايستند على أية حجج مقنعة في الحقيقة .
أن بعض الدوافع اللتي تحرك هذه الأقلية السياسية ، هي دوافع أحتماء بالأحتلال للأبقاء على أمتيازات أما شخصية ، أو طائفية ، غير قانونية ، كما تفعل الأحزاب الكردية ، وبعض الأحزاب الصغيرة المحسوبة على التيار العلماني من الأحزاب الدينية الكبيرة ، وهذا أمر بات مرفوضاً ، لأن الوضع الطبيعي في أي دولة متحضرة هو أحتكام الجميع الى الدستور والقانون للحصول على الحقوق أو أرغام الآخرين على أداء الواجبات ، وأن أي أستقواء بالأجنبي المحتل أو غيره يعتبر سرقة غير قانونية بكل المقاييس .
وحتى أحزاب الأقليات الخائفة من الأحزاب الطائفية الكبيرة (وهي محقة في ذلك) ، فأن وضعها المزري أذبان الأحتلال الأمريكي ، واللذي أدى الى أفراغ العراق من معظم قاعدتها الجماهرية ، لايبرر دفاعها عن بقاء الأحتلال اللذي لم يفعل لها شيئاً بوجوده .
نعم . لقد أنتهت بخروج آخر جندي أمريكي من أرض العراق يوم أمس ، حقبة مهمة " أن لم تكن الأهم " في تأريخ العراق والمنطقة ، بل والعالم ، ألا أن هذه النهاية تمثل بالتأكيد ، بداية حقبة جديدة لابد وأن تكون أهم من الحقبة الماضية ، فالبناء أصعب بكثير من الهدم ، واليوم تقع على عاتقنا أن نثبت بأننا أمة تستحق العيش بكرامة وحرية دون وصاية من أحد ، وخروج الأحتلال اليوم يبطل حجة اللأستقواء بالأجنبي على أي طراف يحاول أو يعمل على الأستقواء بالأجنبي ، أيً كان هذا الأجنبي .
طبعاً ستستمر القوى الدولية والأقليمية في التدخل بشتى الطرق بالسياسة العراقية ضماناً لمصالحها ، وهذا أمر طبيعي في السياسة الدولية ( حتى وأن أتفقنا على أنه غير أخلاقي ) ولكن الشعوب القوية والواعية هي اللتي تعرف كيف تكون متحدة في وجه هذه التدخلات لتحقيق المصلحة الوطنية ، وبناء الوطن على أسس متينة تحقق الأستقرار الأجتماعي والسياسي ، وبالتالي الأستقرار الأقتصادي والأمني والحضاري .
لذا فعلينا أن نبدأ بأصلاح أنفسنا ، والتخلص من عيوبنا ، وتغيير طريقتنا بالنظر الى الأمور بعد زوال الأحتلال ، واللذي لابد وأن يمثل زواله تغيراً كبيراً في المعادلة السياسية العراقية ، وعلى الساسة أن يثبتوا أنهم أهلا لقيادة البلد في هذه المرحلة الحرجة ، وألا فأن مزابل التأريخ بأنتظارهم ، بعد أن يتخلص منهم الشعب اللذي ينظر للمرحلة الراهنة على أنها الفرصة الأخيرة للبقاء كأمة عراقية .
التعليقات (0)