زوار الليل البشعين
بقلم : خالد منصور
كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، المطر ينهمر والرياح تصفر ولا احد في شوارع مخيم الفارعة، فجأة نبحت الكلاب بشدة، لتنبه النائمين بان غرباء ثقلاء يجولون في أزقة المخيم.. بدأت الحركة تدب في البيوت، لكن لا احد أشعل الأضواء، واكتفى الجميع بالنظر من خلف ستائر الشبابيك، وشيئا فشيئا أدرك الجميع أن المخيم يعج بجنود الاحتلال، وان قواته تتواجد في كل حاراته، وعلى كافة مداخله، تماما كما كان يفعل نفس الجيش إبان الانتفاضة الشعبية الأولى.. ولكن الجديد أن الأهالي صار بإمكانهم التواصل مع بعضهم البعض بالهواتف، ليبلغوا عن مكان تواجد الجيش وعن طبيعة مهمته.. كان البرد شديد قارص، والمطر لم يتوقف عن الهطول، لكن ذلك لم يمنع السكان من الصعود إلى أسطح المنازل يدفعهم الفضول ليعرفوا ما يحدث بالضبط، وليكونوا محتاطين فيما لو كانوا هم المستهدفين.
عند تلك الساعة امتلأت حارتنا بالجنود، وتسللوا إلى بعض المنازل-- لكنهم كانوا مستنفرين وعلى اتمة الاستعداد للتعامل بكل القسوة والشدة فيما لو حدث أي طارئ، لدرجة أنهم قاموا بتفجير بعض أبواب المنازل حين تأخر أصحابها دقائق عن فتحها.. واقترب الخطر من منزلنا أكثر، وما هي إلا دقائق حتى تكشفت لدينا نوايا الجيش، وكانت هذه المرة القيام بعملية اعتقال واحد من أبناء جارنا ( ابن عمنا ).. دخلوا منزله الصغير البائس بقوة تعد بعشرات الجنود المدججين بكل أسلحة الموت، وبأدوات الاقتحام والتفجير، وانتشروا في كل غرفه البالغة اثنتان ومطبخ وحمام، وأيقظوا النيام بالأقدام، وأجبروهم جميعا على الخروج من المنزل ليقفوا تحت المطر، حتى يقوم الجنود بتفتيش المنزل، ثم طلبوا من رب البيت تعريفهم بأسماء أبناءه الستة.. وعندما قال لهم هذا محمد.. قال له الضابط هذا هو هدفنا.. صرخت الأم المسكينة وقالت للجنود-- هذا عامل يمضي نهاره كاملا من اجل تامين لقمة عيشنا، وانه ليس له علاقة بالسياسة-- فأجابها الضابط هذا ما سنعرفه بعد التحقيق، فكلكم تقولون أنكم مسالمون، ونكتشف بعدها أنكم كلكم تكرهوننا وتفكرون بقتلنا.. سال الأب البسيط الضابط : ومتى سيعود ابننا..؟؟ فقال له الضابط بعد ستة شهور أو سنة أو أكثر.. ومع بكائها ودعواتها ضد الاحتلال قامت الأم بتجهيز ابنها بملابس شتوية ثقيلة-- عل وعسى تقيه هذه الملابس برد الشتاء.. وودع الأب والأم ابنهم محمد، ورمق الإخوة أخاهم بعيون متحسرة والغضب يملأ قلوبهم.. وأكمل الجنود عملية الاعتقال بوضع القيود البلاستيكية بأيدي محمد، وقاموا بتغطية عينيه بقطعة قماش، ثم سحبوه إلى خارج المنزل لينضم إلى خمسة شبان آخرين هم الوجبة الجديدة من معتقلي المخيم.
كانت ليلة قاسية جدا على المخيم، وكانت قسوتها أكثر شدة على ذوي المعتقلين ومن اقتحم جنود الاحتلال منازلهم، وفي هذه الليلة أضيف إلى قائمة معتقلي المخيم ستة شبان.. وكالعادة ومع طلوع الشمس بدا السكان يتوافدون جماعات جماعات إلى بيوت المعتقلين، تضامنا معهم ولشد أزرهم بعد اعتقال فلذات أكبادهم، وهي العادة التي لم تنقطع أبدا في مخيمنا وفي عموم أرضنا الفلسطينية المحتلة، عادة تنم عن أصالة الشعب وقيمه الحسنة النبيلة ( التضامن والتكاتف والتعاضد )، فالكل في الهم واحد، والكل يقول ( لا امن ولا أمان للفلسطيني في وطنه مادام هناك احتلال )..
هذا ما اجمع عليه كل سكان المخيم، ويجمع عليه كذلك كل الفلسطينيين، الذين يعتبرون بان كل أبناء وبنات وأطفال وشيوخ وشباب فلسطين هم مستهدفون من قبل جيش الاحتلال، وبأنهم كلهم متهمون بحمل الكراهية للاحتلال، ومدانون مسبقا من قبل محاكم الاحتلال.
مخيم الفارعة – 12/12/2012
التعليقات (0)