على كثرة ما تسمع كل لحظة من تصريحات وتعليقات وتوضيحات ، وردود ، ورد على الردود ، وغير ذلك عبر ألاف مؤلفة من وسائل الإعلام المتعددة التي تستطيع أن تنقل إليك كل شيء لحظيا ، وعلى الهواء مباشرة .. بما يقال عنه : التجسيد العملي لمقولة " أن العالم تحوّل إلى قرية صغيرة جدًا " ..
وبمقدار ما كنا معجبين بما يسمونه " النظام الديمقراطي اللبناني " وبالأخص ، بتجربته الإعلامية التي تقوم على حرية الصحافة ، وكنا نتوق لو أن هذه التجربة تعممت على كثير من إعلام الوطن العربي ، بدأنا اليوم نرثي لحالهم ، ونشفق عليهم من ثقل تلك التجربة ، على الأداء السياسي ونتائجه التي ستترتب عليه ، في وقتٍ تكاثرت فيه الوسائل التي لا تتوقف لا ليلا ولا نهارا عن الحوارات والجدل والمناكفة والتهويل والتحليل ، وتحليل التحليل والتأويل ...
إذ سرعان ما تتحول كل مسألة صغيرة أو كبيرة ، إلى علكة في منابر الإعلام كلها ، فتغدو ككرة الثلج ، ثم يصير لها جناحان تطير بهما في العالم ، فتشعر أن ما يحدث في لبنان ، إنما هو إيذان حتمي بقرب قيام الساعة ..
وهذا التوتر والغليان الناتج عن ذلك ، يذكرني بفيلم أجنبي عُرض في أواخر السبعينيات اسمه " الحرية هذه الكلمة الحلوة " ، يعالج هذا الفيلم مفهوم الحرية وحدودها وممارساتها ، وانعكاسها على أشخاص لم يألفوها .. ويوصلنا إلى أن الحرية ـ بالنهاية ـ قد تخنق الأحرار الذين لم يفهموا طبيعتها ، ولا يمارسونها بشكلها ومضمونها الصحيحيْن ..
وقد سمعت مؤخرا تعليقيْن من شخصيتين سياسيتين لبنانيتين ، يوصّفان الحالة في بلدهما توصيفا دقيقا ، لامَسَا فيه الواقع الحياتي والسياسي ..
الأول :
السيد نجاح واكيم : ـ وفي حديثه على إحدى القنوات اللبنانية قبل أيام ـ وصف لبنان بأنه : برميل بارود فيه ثلاثة آلاف صاعق .. إذا لم ينفجر البرميل بهذا الصاعق أو ذاك ، انفجر بغيره ، أو إذا أبطل واحد ، فلا يعني زوال الخطر وانتهاءه ، والمحكمة أحد تلك الصواعق " ..
وفي هذا الكلام من رجل سياسي ، ما هو غني عن التعليق ..
والثاني :
مقولة للعماد ميشيل عون ، رأيتها على الشريط الإخباري ، في إحدى المحطات اللبنانية ، يقول فيها :
" اعترافنا بالمحكمة الدولية في البيان الوزاري ، كمثل اعترافهم بحق المقاومة فيه " ..
أعتقد أن مقولته تلك دقيقة جدا ، وواضحة جدا ، ومعبرة جدا ، ومدلولها لا يخفى على القارئ الفطِن ، في توصيف الحالة السياسية الراهنة في بلده ..
وبإيجازها وتركيزها العالي ، تذكـِّر أيضا ، بما شاع في العصر العباسي ، وسُمِّي فيما بعد : " أدب التوقيعات " ..
أي العبارات التي يكتبها كتبة الدواوين ، كحواش ٍيعلـّقون فيها على المراسلات التي تصل مقر الخلافة من أمصارها وولاتها ، وتكون تلك العبارات ، قصيرة وموجزة ومعبّرة ، وأحيانا ، موحية بالتلميح لا بالتصريح ، يفهمها المعنيون بتنفيذها ..
فحسب مقولة العماد عون ، كان التزاوج السياسي بين المعارضة اللبنانية والموالاة ، تزاوجًا بالإكراه ، في المرحلة التي أعقبت الانتخابات النيابية ، وأدت إلى تشكيل حكومة الحريري ..
والآن ، برزت تناقضات كثيرة ، تجعل كلا الطرفين متمسكا بالبيان الوزاري لجهته ، لأن فيه اعترافا متبادلا من الطرفين ، بالمحكمة الدولية ، وبالمقاومة كحق للشعب اللبناني ..
لكن كلا من الطرفين ، له رؤياه في ذلك ..
فيحتج أصحاب المحكمة بحقيقتها ، وضرورة السير بها وبنتائجها حتى نهاية الطريق ، فيما وضع لها السيد حسن نصر الله نقطة في نهاية السطر ، وطلب عدم التعامل مع مقتضياتها ، ومفاعيلها ، وأن الوقت قد حان لوقف مراعاة الخصوصيات التي ـ بموجبها ـ أيّدت المعارضة المحكمة الدولية ، كبند في البيان الوزاري وتفرعاته طيلة السنوات الخمس الماضية ..
وجاءت مقولة العماد عون اليوم ، لتوضح :
أن ما كان من توافق متبادل بين المعارضة والموالاة في البيان الوزاري ، ما هو إلا إكراه في ثوب المسايرة ، مارسه الطرفان ، وبعلم مسبق وأكيد منهما ..
لأن ما سبق أن مارسته الموالاة قبل ذلك ، لا يطمئنُ الطرفَ الآخر ..
وكذلك إصرار المعارضة على أحقية المقاومة ومشروعيتها وسلاحها ، لم يبددْ شكوك الموالاة ، التي راهنتْ على مشروع سقط ..
وما زال الغد ـ موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء ـ يحمل في أحشائه جنينا مجهول الهوية والتكوين ..
الإثنين ـ 01/11/2010
التعليقات (0)