تلك العجوز لا تنفذ طاقة الحب لديها و لم تقهرها ظروف الزمان , كتبت تاريخها دون ان تتعلم القراة و الكتابة و تجاعيد وجها كانت تشهد على ادق تفاصيل خطاها منذ ان فقدت والدها حين لم يكتمل ربيعها الرابع لتبدء مسيرة طويلة دون ان يكون لها اخ أو اخت يعوض عنها فقيدها ولم يبقى لها غير ام انكسرت شوكتها حين فقدت معيلها الوحيد ذالك الفارس الذي كانت تهابه الرجال و احترمه الأعداء قبل الأصدقاء .. ترعرت في احضان والدتها التي ما ابخلت عليها من غدق الحب و معالم ثقافة المحيط الذي كان تنمو فيه , تأصلت فيها التقاليد و الأعراف , الصبايا في عمرها كانوا يحسدون طلعتها و قوة ملامح شخصيتها التي رضعتها من المحيط الذي عايشته, و حملت من صفات والدها ما ابقى رهبة الرجال في طلعتها تخشع و كلها آذان صاغية لما تتحدث عيناها إن تتطلعت في ابصارهم و تنفض مجالسهم إن حضرت ..
حين تغير مسار حياتها و حست بركلات جنينها الأول في احشاءها راودتها صور ليست بعيدة من حاضرها , لم تكن ترغب ان يعيد التاريخ نفسه في كفاح حياتها , لن تترك طفلها ان يحرم من اخ أو اخت , نذرت لنفسها ان تنجب و تنجب حتى يمنعها الزمن او الخالق من نعمة الأنجاب , كانت لا ترغب ان يقف صريخ الأطفال من ارجاء الدار, ان لا ينفذ عطاءها بين واجباتها كزوجة و أم لدزينة من البنين و البنات يملؤن حياتها كنبتات زهور غرزتها في الأرض لغاية في نفسها , ان لا يتوقف عطاءها في رعاية زهورها, كي تقوى سيقانها في الأرض و تحتفظ بعبقها و تتألق بجمال احتواءها للألوان ...
لم تكن تعلم ان حلمها هذا سيكلفها هموم اضافية , كانت تفتقد والدها كثيرا و ابنها البكر كانت تغذي فيه نزعت والدها لا تحب له مجالس النساء و تلبي له ما يشاء, فبعده انجبت نصف دزينة بنات فهنّ لم يرضوا غرورها لتكون ام لولد و ستة بنات كانت تريد ان يسند ظهره بأخ و اخ و اخر , كانت تريد زمرة من الرجال ترى فيهم اجزاء من حلم ضاعت منه صور الذكور و لم تبخل بها السماء و انجبت لأجله او ربما لأجل اشباع لذاتها ثلاثة ذكور لتكتمل لها عطاءات الحياة و امضت وقتها في حياة الذكور اكثر مما كانت تقضية مع البنات فحين كبر عودهم , كانت تفخر في نخبتها حين اصطفوا بين الرجال ....
لم ينتهي كفاح هذه المراة في الحفاظ على زهورها الرجالية , كل ما فعلته لأجلهم في صغرهم و شبابهم لم يكفي نزعة الأمومة في الصراع من اجل اطفالها , فقادتها رجولة الأبناء لتجري بين السجون و المعتقلات و ساحات القتال و ديار الغربة , و حين تحاصرها الألسنه و تلومها على تربية و حب الذكور, حينها تنتفض كلبوة تكشر عن انيابها لتردع الطامعين في النيل من ضغارها و تصرخ بهم .. هم لم يجنحوا و لم يسرقوا و لم يعتدوا على أحد, فلما تكسرون عزيمتي بأولادي سترون حين اموت بأي قداس سيركنوني إلى مثواي الأخير.....
حين قدّر الله لها ان تموت كان بكرها قد سبقها دون ان تعرف له قبر تبكيه و الثلاثة الأخرين منعتهم جيوش من الأسباب كي لا تموت بين ايدي زهورها الرجالية ......
التعليقات (0)