كتب طارق الحميد : نال القيادي في حماس محمود الزهار نصيبه من الحملات، والتخوين، مثله مثل كل من يتكلم بمنطق وعقلانية عن الأخطاء التي ترتكب في غزة، وهذا المقال ليس دفاعاً عن الزهار بقدر ما أنه محاولة لإبقاء الضوء على زاوية يحاول البعض تغييبها من خلال التضليل، وغسيل الأخبار.
فقبل يومين صرح الزهار لقناة «العالم» الإيرانية مهاجماً مطلقي الصواريخ من غزة على إسرائيل، وواصفاً إياهم بـ«المشبوهين»، حيث قال الزهار إن «بعض الفصائل تقوم بإطلاق صواريخ لا تحمل رأساً حربياً (على إسرائيل) للاستفادة من ذلك إعلامياً»، مضيفاً أن حكومة غزة تتابع ذلك أمنياً للكشف عن حقيقة الأمر، وأنهم يعرفون الدوافع جيداً.
على أثر ذلك التصريح تعرض الزهار لانتقادات، وإدانات، من الفصائل الإسلامية وغيرها، مما حدا به إلى مراجعة تصريحاته، ومحاولة تفسيرها في محاولة لامتصاص الغضب، لكن من يتأمل تفسيرات الزهار لا يستنتج أبداً أنه تراجع، بل على العكس فإنه قام بتأكيد وجهة نظره بشكل موسع، حيث قال الزهار في تفسيراته إن «العدو يريد أن ينزع لحظة الهدوء، وأن يبرر اعتداءاته ليخرج من الأزمة التي عاش فيها في قضية القدس وإهانته لأميركا، وقد يلجأ إلى التصعيد، ونحن نحترم ونقدر برنامج المقاومة، بغض النظر عن الأحزاب التي تتبناه أو الرؤية التي تحملها، وفلسطين ملك لكل الناس، ونحن معهم، لكننا نحذر من بعض مؤامرات يلعبها بعض العملاء ليخرجوا العدو من أزمته الحقيقية»، ومضيفاً بأنه «مطلوب إعادة النظر في كل تجربة، هذه ليست إدانة، فإعادة النظر تعني التقييم».
وهنا قد يقول قائل إنه كان من المفروض أن نقول: من علمك الحكمة يا ثعلب، إلا أنه يبدو أننا لسنا أمام حيلة جديدة من حماس، بل إن لموقف الزهار احتمالين قد لا يكون لهما ثالث؛ الأول أن الزهار يتحدث فعلياً بعقلانية، ويريد عدم رفع الضغط والحرج عن نتنياهو، من خلال تقديم ذريعة له للهروب إلى الأمام، وبالتالي تحاشي المأزق الذي يتعرض له مع أوباما، من ناحية، ومحاولة نتنياهو للحفاظ على تحالف حكومته الداخلي، وهذا ما تحدثنا عنه حين طالبنا الفلسطينيين، السلطة وحماس، بالتزام الصمت، وعدم السعي للتصعيد.
والاحتمال الثاني لما قاله الزهار، وهناك ما يدعمه من أدلة، أن حماس تواجه تمرداً حقيقياً في غزة، من قبل بعض الفصائل المسلحة، حيث أن بعضها لا يريد الهدنة التي تلتزمها حماس مع إسرائيل من بعد حرب غزة، إما لدوافع سياسية مختلفة، أو بسبب صراعات آيديولوجية حقيقية مع حماس، وخير مثال على ذلك ما رأيناه من مواجهة مسلحة في مسجد ابن تيمية مع جند أنصار الله.
وعليه فإن ما قيل عن تراجع الزهار عن موقفه الذي تحدث فيه عن «مشبوهين» لا يبدو دقيقاً، فتفسيراته لا تظهر تراجعاً بقدر ما أنها تؤكد موقفه ضد إطلاق الصواريخ التنكية، أو التي سماها بالإعلامية، وبالتالي، وأياً كانت دوافع الزهار، فإن المهم هو عدم إعطاء ذرائع للإسرائيليين، والأهم هو عدم تعريض أهل غزة لمعاناة أكبر.
التعليقات (0)