د.ازهار رحيم
ـــــــــــــــــــــــ
في عام 1979 كنت صغيرة السن ،والحجم ..احاول كبقية أقراني ان اكتشف هذا العالم بطريقتي ، التي تمثلت بالتهام كل ما تقع عليه عيناي بالقراءة ،والانصات لأحاديث الكبار، والبحث في موجات الراديو عن كل ما يشبع نهمي للتعلم وسبر اغوار هذا العالم في زمن كانت حدود افقه لا تتعدى قناة تلفزيونية واحدة تبث وتطبل لكل ما يريده النظام المستبد.. وتجمل زيفه وبشاعته .
كانت مجلة الوطن العربي زائرا منتظما لمنزلنا ، وما زالت تلك القضية التي تصدرت غلاف المجلة لا تغادر ذاكرتي ،حول الخلاف الذي احتدم حينها بين ثلاث دول اوربية ،للتسابق فيما بينها لمنح جنسية احدى تلك الدول لطفلة ولدت لأب فرنسي وأم ايطالية ، على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية ،كانت تحلق ساعة الولادة بالضبط فوق حدود فنلندا والسويد .. معظم قوانين منح الجنسية في الدول الاوربية ،ان لم تكن جميعها حسب علمي، تمنح الجنسية للطفل الذي يولد على ارضها بغض النظر عن جنسية الوالدين ، ليعتبر مواطناً من الدرجة الاولى على ارض تلك الدولة التي ولد فيها...في حينها كان اسقاط الجنسية عن الكورد الفيلية عملية منهجية ، ومصادرة املاكهم وقتلهم ، وطردهم من ارضهم التي ولدوا وترعرعوا فيها، ودفن اسلافهم ،ثم اصدار قانون اسقاط الجنسية العراقية عنهم لاحقاً، كخطوة أخرى ضمن لائحة عمليات التطهير العرقي .
تعلم المهاجرون و اللاجئون العراقيون الدرس جيدا ،وسعوا للحصول على جنسية الدول التي هربوا اليها من بطش النظام ،ليضمنوا استمرار العيش فيها ..لجأ بعض شبابنا لاختراع طرق جديدة لأقناع تلك الدول وقبولهم كلاجئين ، أثارت دهشة العاملين في قضايا اللجوء السياسي والانساني وأبكتهم احيانا ، مثل قيام مجموعة شباب عراقيين لجأوا الى المانيا بخياطة افواههم ( خياطة حافات الشفة العليا مع السفلى ) بواسطة ابرة وخيط غليظ في محاولة للحصول على لجوء انساني او سياسي!! وقام بهذه العملية واحد منهم ، وهو طبيب متخرج حديثا ،عرضت قضيتهم حينها، في العديد من القنوات الاخبارية الاوربية ، لتدرك تلك الشعوب عمق اليأس الذي وصل اليه شعب اغنى دول العالم بالنفط .. قبل شبابنا ان يعملوا في كل شئ يتأنف منه مواطنو تلك الدول لكسب عيشهم على ان يعودوا للوطن الجريح... فكل شئ يهون مادام الانسان ينعم بالحرية... الكلمة التي كان العراقيون يرددوها مثل الببغاوات ولم يتمتعوا بها، ويتغنى بها الاطفال في المدارس كواحدة من شعارات البعث البغيض ... الحرية التي لم نعش طقوسها الحقيقية لهذه اللحظة .. الحرية التي صعب على بعض العراقيين التأقلم معها، والاغلال تكبل افكارهم الى ماض بغيض ..الحرية التي عاش في كنفها المتطرفون والمتشددون في الدول الغربية واساءوا استخدامها،متهمين تلك الدول بالكفر والالحاد وهم انفسهم تمتعوا بتلك الحرية وعاشوا في ظلالها، حتى دفع الغرب ثمن منحهم هذه الحرية ،وخاصة لمن خرجوا من دول الشرق الاوسط المريض ، بمرض الديكتاتوريات المتوارثة ... ليستغلوا تلك الحرية التي منحتها لهم (دول الكفر) كما يسمونها ... فهم يأكلون و يشربون ويتكاثرون،ويشاركون شعوب تلك الدول في ارضهم ويزاحمونهم في لقمة عيشهم، ثم يخططون من وراء ظهورهم لتنفيذ العمليات الأرهابية، ويعملون على تصديرها الينا ولشعوب اخرى آمنة ، وفتح ساحات قتال جديدة كل يوم.. كما يحدث عندنا، حيث تفاعل الارهابين القتلة او كما يسميهم البعض ممن يعانون من سوء استخدام عقولهم بالمجاهدين وهم من بقايا النظام البائد الذين اضافوا بعضاً من خبراتهم الشيطانية الى عمليات الاعدامات وقطع الرؤوس تجسيدا حيا للوثنية والبربرية .. ومع كل ما يحدث من تدمير وقتل لأبسط قواعد الانسانية في احترام الحياة البشرية كقيمة عليا .. لم نجد على الساحة المحلية تجمعاً سياسيا او دينياً او وطنياً او اجتماعياً، ينزل للشارع للأحتجاج العلني وتفعيل حملات اعلانية وندوات شعبية للتنديد ورفض كل الشعارات والافعال التي ينادي ويعمل بها ذوي النفوس المريضة ، من تهديد وتصفية لهذا وذاك تحت ذريعة التعاون مع الاحتلال ،وتنفيذ قانون غابة، استلهمت بنوده من افكارهم الشاذة... هناك محاولات ونداءات، لكنها منفردة، لا تعدوا سوى همس في صخب العنف وقوافل الموت... وبين ما كان وسيكون نحتاج الى المزيد من الوقت والصبر، ونظرة واحدة لبعض الشعوب التي عانت مثلما عانينا سندرك ان بعد سنوات سيصبح كل ما مررنا به من بؤس وحزن.. ذكريات بعيدة..
كاتبة وصحفية عراقية
التعليقات (0)