إن ما يحدث اليوم في الشارع المصري سيرمي بلا شك ظلاله على باقي الشوارع والميادين العربية التي مازالت تنتظر تغييراً حقيقياً يحقق ما سلب منها من حقوق. فزمن «الإخوان المسلمين» في نهاياته في مصر، وحتى في تركيا- بحسب المراقبين- إذ أن رجل الشارع فقد ثقته بتلك الحركات، بعد سقوط الأقنعة. وخروجه إلى الشارع ما هو إلا وسيلة لإفراغ هذا الاحتقان والغضب الذي يسعى من خلاله لإطلاق صوته وإسقاط من يمسك بزمام الأمور.
واليوم تواجه مصر غلياناً فرض نفسه حتى على تصريحات المجتمع الدولي الذي يراقب بحذر، وأصبحت لهجته قريبة ومتناغمة مع ما يطالب به الشارع المصري الذي لم يقمع حتى هذه اللحظة، مقارنةً مع الشارع التركي الذي قُمع بشدة من حكومة الإسلاميين المدعومة من حلفائها العرب والغربيين.
إن خروج المصريين بهذا الزخم في الشوارع وفي ميدان التحرير في اليومين الماضيين يعكس واقعاً جديداً لمرحلة تصحيحية قد تشهدها مصر في هذه المرحلة التي ربما ستخلق بدايات لملامح الدولة المدنية البعيدة عن التحزب السياسي المبني على المعتقد أو فكر تكفيري ينتقص من الآخر ويقضي عليه، ولكن على فكر ودولة تبنى أساساً على احترام الآخر وحقوق الإنسان دون تمييز أو استثناء.
ولعل ما حدث في مصر يتكلم حالياً عن واقع زيف الحركات السياسية التي استخدمت الدين شعاراً لها في حصد المغانم والمكتسبات لفرض مزيد من القيود باسم المعتقد، بل ودفع بالاتجاه إلى تكفير وقتل الآخر كما حدث في الآونة الأخيرة مع شيعة مصر وقبل ذلك مع الأقباط. كل ذلك دفع الشارع المصري والشباب على رأسهم لمراجعة ما حل بهم وهي ضحية سياسات وممارسات خاطئة ارتكبت بحق تقسيم المجتمع لا بالنهوض به. كما أن تدخل الجيش المصري الذي هو مصري مئة في المئة وليس جيشاً متعدد الجنسيات، أضاف ميزةً أخرى في دعمه ووقوفه في صف الشارع المصري، إذ إن هذا الجيش هو جيش لكل الوطن وليس جيشاً لفئة أو لمجموعة أو لقبيلة أو لحزب ولكن للجميع، وإلا فقد شعبيته وتحوّل من حامٍ إلى قامعٍ للشعب.
إن ما تشهده مصر اليوم ليس حركة تصحيح فحسب، ولكنه ثورة ثانية بعد ثورة 25 يناير 2011. ثورةٌ تنادي بصوت جماهيري للحرية ولمبادئ الدولة المدنية الغائبة في مصر وفي المنطقة العربية التي مازالت تعيش للأسف بعقلية الإقطاع والاستعباد والتمييز والتكفير. لهذا فإنه من الضروري أن يُعاد ترتيب البيت المصري من قبل النخب المصرية التي من الممكن أن تغتنم هذه الفرصة كما هي فرصة الشباب المصري الذي اختطفت منه ثورته الربيعية وذلك من خلال تسوية ديمقراطية ضمن إطار حركة التصحيح التي تساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مصر من الانزلاق نحو حكم العسكر الديكتاتوري على غرار ما كان في دول أميركا اللاتينية أو تستمر الفوضى السياسية التي لن تحقق سوى مزيدٍ من الدمار الاجتماعي والاقتصادي الذي ينتهي بالتحوّل إلى بلدٍ مضطربٍ باستمرار.
وتكمن الإشكالية في العقلية العربية في ظلّ ما يحدث في المنطقة، بأن الإنسان العربي يتأثر بمحيطه، وبسبب استمرار السياسات الخاطئة غدا يفكّر بعقلية حاكمه ولا يتبين للبعض مدى حجم الفساد والظلم إلا بعد رحيله. وهذا الأمر ليس مقتصراً على مصر بل على جميع الدول العربية والسبب يعود إلى أنها لم تتجرأ على إطلاق العنان لحرية الفكر بدراسة كل الظواهر وفق رؤية وطنية. كل ما ظهر في مصر والمنطقة العربية جاء بواجهات ديمقراطية تحت قيادة ما أو حزب ما تتمحور حوله كل تفاصيل الحياة، من أصغر الأمور لأعظمها، غير مدركة بأن العبرة ليست بشكل الحكم ولكن بعقلية النخب الحاكمة. وبالتالي فإن المطالبة برحيل الرئيس محمد مرسي لن تكون النهاية ولكنها البداية لتأسيس شيء صحيح ونهاية لحكم «الإخوان» السلطوي.
مقالات للكاتب ريم خليفة
التعليقات (0)