بقلم الشاعر العربي الأستاذ /
جاك صبري شماسشاعر سوري - عضو المكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب بالحسكة.
خرج علينا الشاعر الشاب زكي السالم بباكورة دواوينه الشعرية مرفأ الأماني ووضع المقدمة لهذا الديوان الأستاذ الشاعر مبارك بوبشيت ومما ورد في المقدمة قوله: «ويتميز شعر زكي بتلك الدراما الحوارية المموسقة والتي تضفي على القصيدة جوا من الدهشة والتشويق والحيوية وتبرز الهدف بشيء من الوضوح إن أراد أو العكس,, يدخل هدفه في متاهة الحوار فيتوارى ليدركه من تعمق فيه..».
إن القارئ حين يرسو في هذا المرفأ سوف يجد زرقة الكلمة الصافية وحرارة العاطفة النبيلة ورقة وسلامة الحروف والألفاظ وسمو المعاني، لقد ارتاحت بواخر الشعر في هذا المرفأ الجميل وتوشحت بحلل عديدة من الود والرثاء والذكريات، وشموخ القريض في رحاب التقى والنبل والإيمان والطهر، ونحن نستهل قصيدته «يا سيد الكون» حيث تهفو الكلمات وهي تنشد أسمى المعاني للرسول صلى الله عليه وسلم، والشاعر يقارن ما بين الماضي العريق والحاضر الذي تشوبه الخلافات، وتثخن جسده أنواء الفرقة، يقول:
يا سيد الكون والذكـرى تعانقنـا
لم ندر كيف نلاقي يومها العبقا
بالأمس كنا وكان الحب مرتعنا
واليوم عدنا وفي أعماقنا غرقا
يا سيد الكـون: إنـا أمـة خلقـت
في نهجكم وبه وجداننا التصقـا
منعّـمـون وجـنـات الخـلـود لـنـا
وحالمون ونحن في العلا رفقـا
لم ينس الشاعر عمالقة الشعر العربي، وان كان الردى قد طوى أجسادهم فمآثرهم باقية في نفوس الأجيال العربية، ولعل أعظم ما يقدم لهؤلاء بعد رحيلهم كلمة نابعة من القلب تكون عزاء لأهلهم وذويهم، كما إنها تسطر لتبقى على جدران التاريخ، وها هو الشاعر الشاب زكي السالم يمنح الشاعر محمد مهدي الجواهري نبض الوفاء الذي اعتاد عليه العرب على مر العصور, قد يفني الجسد ولكن المهمِّ هو الروح التي ما زالت تهيم في فضاء إنسانيتنا، والشاعر في رثائه رغم ما انساب في ديوانه من عذوبة وليونة وسلاسة الألفاظ، فإنها في رثاء الجواهري تكاد تصعد إلى منبرية الجواهري جزالة وفخامة وعراقة والشاعر مؤمن بقضاء الله وقدره، وهو يقول:
أبـا فـراتٍ: وأمـواج الـفـرات غـفـت
حتى استحالت غثاء في ضحى الأحد
ألـقـى عـلـى جـلّـقٍ رحــلا وراحـلــة
كيـمـا يـريـح بـهـا قلـبـاً إلـــى الأبـــد
فــي ذمـــة الله يـــا غـيـثـا سحـائـبـه
سـالـت شـفـاءً عـلـى حـــرّان مـتـقـد
«إنـا إلــى الله» قــولٌ نستعـيـن بــه
علـى الرزايـا، ففيـه راحــة الجـسـد
هكذا هي الحياة تتقاسمها الأفراح والأتراح، السعادة والشقاء النفاق والصدق، الحقد والوداد، والأخ الشاعر زكي شاب وللشاب قلب رحب واسع، تهفو على ضفاف أنسام الوصال، وعبق الذكريات، وعنفوان الحب، والشاعر كالصياد ينتقل في معارض الحسن والجمال والبهاء ليعرض علينا لوحاته الشعرية التي تلخص تجاربه بأفراحها وإحزانها، بصدّها ولقائها، ومهما استرسل في حبه وهيامه وعشقه فالشعراء يقولون ما لا يفعلون ولكنها النفس البشرية المرهفة التي تحاول أن تتنفس أريج ضفيرة، وعبق شفة، ونضار وجه، وبريق عيون. انه الشباب المفعم بالحيوية والنشاط والحركة، والشاعر له أكثر من قصيدة في حلّه وترحاله، وهو يصوغ لنا ملحمة الوجود ، الباقية، وهذه الملحمة الكونية هي الحب وللشعراء نظرتهم الخاصة، ودقة ملاحظتهم، وجيشان مشاعرهم، وتوقد أحاسيسهم، وقد لا يرون عيبا على الإطلاق حين تصطادهم عيون غادة حسناء، ودائما الرجل يكون فارسا قويا ولكن حين تصرعه سهام الحبيبة ينقلب السحر على الساحر، ويغدو الفارس أمام الحبيبة أسيراً لحسنها وجمالها كما في قصيدته عوذي وهو يقول:
وبشعـركِ الذهبـي يحكـي روعـة الحـب الوليـدِ
وأنا من الشوق المبرّح رحت أهزأ من قيودي
فأظـل أحطمهـا واعـدو نحـو قلـبـك مــن جـديـدِ
من حق الشاعر زكي السالم أن ينظم قصيدة بمناسبة زفافه، وهو بذلك يؤرخ للرباط المقدس الذي يجمعه بزوجته الفاضلة ، والشاعر يعبر عن هيامه بها، وصدق مشاعره نحوها، وإنني أثمن هذا الموقف النبيل تجاه ما يقوم به من تكريم لعروسته، وستبقى قصيدته يا نغمة الحب لوحة معلقة بكبد المنزل تفيض بالهناء والسعادة والفرح، يقول:
يـا نغمـة الحـب يـا إشـراقـة البـلـد
يـا حلـوة الثغـر ملتفـا علـى الـبـرَد
إنـي أتيـتـكِ والأشــواق تصحبـنـي
إلــى الثـريـا بـقـلـب خـافــق كـمــد
لم يرتكب في وصال الغيد من خطأ
حـتـى يـــؤوب بـوجــد فـيــه مـتـقـد
ولا أنــــاخ بــبــاب غــيــر بـابـكــم
ولم يكـن فـي هواكـم ناكـث العهـد
وتتداعى الذكريات، وتتعاقب الأحاديث، فالانسان لا يقدر أن يكون منطويا على نفسه فلابد له من أصدقاء حيث يستريح الصدر حين تخرج منه الآهات لتصارح الصديق، وبذلك تتقلل أحجام المصاعب وتتذلل أعتاب الشقاء، وقد تتماوج خيوط الحزن أيضا في القصيدة تعبيرا عن المشاركة الوجدانية مع الرفاق الصادقين المخلصين الأوفياء,,
يخاطب الشاعر صديقه «الأستاذ الشاعر ناجي الحرز» في قصيدة تحمل عنوان «يا حرز إليك تحيتنا».
يا حرز: قصيدك أشجاني
ومـقـالـك جـــدّد أحـزنــي
إن كــان حبيـبـي أضـنـاه
وجــد، فكـذلـك أضـنـانـي
أو كـانـت أدمـعـه تهـمـي
فدموعي أضنـت أجفانـي
ويدعم هذا الإبداع الأستاذ الأديب الشاعر محمد الجلوح ليمهر هذه الوثيقة الإبداعية بالتفرد والخصوصية لصاحبها الشاعر زكي «... يلتحق بعصافير الشعر التي تزين هذا الفضاء ليقدم سيمفونيته الخاصة به,, والتي لا تشبه أخرى..».
لقد تفيأنا في ظلال الإبداع، وكان يرافقنا في تجوالنا طيف الشاعر زكي السالم في ديوانه مرفأ الأماني الذي صدر بطبعته الأولى عام 1420 وضم ما بين دفتيه 24 أربعا وعشرين قصيدة عمودية.
نُشر المقال بجريدة الجزيرة السعودية
التعليقات (0)