زكريا الحجاوي.. وموال الشجن في عشق الوطن
بقلم: خليل الفزيع
عندما أهداني الصديق الأستاذ حسن توفيق كتاب (زكريا الحجاوي.. موال الشجن في عشق الوطن) تأليف يوسف الشريف، انثالت على الذاكرة ذكريات جميلة، عن الحياة في قطر في السبعينيات الميلادية، وكنت من المحظوظين الذين قدر لهم اللقاء بزكريا الحجاوي في الدوحة، ـ ووقتها كنت أعمل في قطر ـ بعد أن سمعت وقرأت عنه الكثير قبل قدومه إلي الدوحة، فهو واحد من الأعلام الذين كانت الصحافة المصرية وإذاعتا القاهرة وصوت العرب تحتفي بأخبارهم، وهي مع بعص المجلات المصرية، المصادر التي كنا في الخليج وبظمأ المتعطش للمعرفة، نستقي من خلالها أخبار الأدب والفن في مصر، وما يستجد في حياة وإنتاج عمالقة الأدب والفن في عاصمة الثقافة العربية القاهرة، ومنهم زكريا الحجاوي، الذي عرفته عن كثب بعد حضوره إلي الدوحة، بعذوبة حديثه الذي لا يمل مهما طال، وسعة اطلاعه علي الفنون الشعبية في مصر، وما عرفه من الفنون الشعبية في الخليج، فكان شغفي كبيراً بأن أعرف ما تضمنته صفحات كتاب يوسف الشريف عن هذا الفنان الأصيل، الذي لم يسعفه الزمن لإكمال مشروعه الطموح بتوثيق ألوان الفن الشعبي في قطر،وهومشروع لو اكتمل تنفيذه لأصبح أهم مصدر للتراث الشعبي في قطر والخليج.
هذا الكتاب حافل بالكثير من التفاصيل عن حياة الراحل زكريا الحجاوي واهتماماته الثقافية والفنية، وبحثه المضني عن مصادر الفنون الشعبية المصرية، وجولاته - لهذه الغاية - في الأرياف بحثا عن درر الفن، ليجلو عنها ما تركه غبار الزمن عليها، ويقدمها للساحة الفنية بأصالتها وعمقها الشعبي، بما فيها أغاني المداحين والموالد والأعراس وغيرها.. باحثاً عنها دون كلل وبإصرار الفنان المؤمن برسالته الإحيائية التي لا يجاريه فيها أحد، فلا عجب أن يكون ملء السمع والبصر في عالمنا العربي وأن تسبقه شهرته الثقافية والفنية إلي قطر قبل وصوله إليها بسنوات، وهو الأمر الذي أهله لأن توكل إليه مهمة بعث وتوثيق الفنون الشعبية في قطر، متعاونا مع المهتمين بهذه الفنون من أبناء قطر والخليج، ومستفيداً من رصيدهم الفني وخبراتهم في هذا المجال، لذلك كان رحيله خسارة حقيقية لتاريخ الفن الشعبي الذي أراد أن يقدم له حصيلة تجربته الواسعة في مجال اكتشاف وتوثيق مختلف الفنون الشعبية.
أثناء تواجد زكريا الحجاوي في قطر كان هنا عدد من تلاميذه الذين خففوا عنه عبء الاغتراب، وهو العاشق المتيم بحب مصر، وكانت حفاوتهم به ومعرفتهم لقدره، وتقديرهم لمكانته الثقافية الفنية، معيناً له علي تحمل أعباء هذا الاغتراب، والانصراف إلي تنفيذ مشروعه الطموح بكل جدية وإخلاص، شهد له بهما كل من قدر له العمل معه، سواء من أعضاء الفرقة الشعبية التي اختار أعضاءها ممن وجد فيهم الكفاءة من الجنسين، أو المنتسبين لفريق العمل الذي كونه لتنفيذ مشروعه الفني في قطر، من أولئك عدد من أبناء مصر والسودان، إلي جانب عدد من أبناء قطر الذين كسب صداقتهم بلطفه وأريحيته وحسن معشره، وكسبوا صداقته بتقديرهم لمكانته وتاريخه الطويل في خدمة الفنون الغنائية الشعبية، وليس أدل علي ذلك.. من الأسف والحزن اللذين خيما علي الوسط الثقافي والفني في الدوحة عندما وافاه الأجل المحتوم في ذلك الوقت، وعبرت عن ذلك الأسف والحزن كلمات الرثاء التي كتبت في الصحف القطرية عن رحيله، أما في مصر فكان الحزن مضاعفاً لهذا الرحيل، فبفقده فقدت مصر واحداً من قاماتها الشامخة، وأعلامها الذين سجلوا أمجادها وحفظوا تاريخ حضارتها، وأكدوا امتداد ظلها الحضاري إلي بلدان كثيرة من العالم العربي، ويتمثل ذلك في مشاركة أبناء مصر في صنع تطور وازدهار هذه البلدان في مجالات التعليم والإعلام والمسرح والاقتصاد والإدارة وغيرها من مجالات التطور والازدهار المختلفة.
تفاصيل كثيرة وممتعة ضمها كتاب يوسف الشريف عن حياة الراحل زكريا الحجاوي، وهي حياة مليئة بالأحداث والعبر والمعاناة والطموح والإصرار علي النجاح، هذا الإصرار الذي أتاح أن تكون لمصر أهراماتها، وقاماتها المديدة في كل مناحي الإبداع الإنساني الحضاري علي امتداد العصور.
التعليقات (0)