الكثير من البشر يحتاجون إلى زرع أعضاء سليمة في أجسامهم للحفاظ على حياتهم ، لكن الذين يقبلون على التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم أقل بكثير من احتياجات المرضى، هذا ما جعلها سلعة ناذرة باهظة الثمن.
وفى الآونة الأخيرة راح بعض الأطباء والباحثين ينادون بتغيير نظام التبرع بالأعضاء المتبع حاليا فى الكثير من البلدان بحيث تصبح أعضاء المتوفين متاحة تلقائيا، لكن البعض الآخر يرفض هذه الفكرة.
لكن هل هناك اتجار في أعضاء الجسم البشري ببلادنا أم أن الأمر يقتصر على التبرع فقط؟
الاتجار في الأعضاء البشرية بالمغرب
حقيقة قائمة أم مجرد إشاعة؟
لم يسبق أن تم ضبط حالة خاصة بالاتجار في الأعضاء البشرية ببلادنا إلى حد الآن، إلا أن هناك حديث كثيف منتشر بهذا الخصوص، فهل هي حقيقة قائمة رغم عدم ظهورها للعيان أم مجرد إشاعة؟
هل أعضاء جسم الفقراء قطع غيار أجسام الأغنياء؟
مع انتشار الفقر وندرة فرص الشغل بات عدد مهم من المواطنين يفصحون عن استعدادهم لبيع كلية أو فص من الكبد.
وقد أظهرت قرائن أن هناك وسائط ينشطون في البحث عن الراغبين في بيع أعضائهم، وغالبا ما يتم تغليف العملية كأنها مجرد تبرع بعضو.
هناك جملة من القصص والحكايات رواها من أنفسهم ضحايا، وكلها تُجمع على استغلال وسطاء لبؤر الفقر لاصطياد "المؤهلين" للتخلي عن كلية مقابل قدر مالي.
في ظل انتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية والفساد وغياب الرقابة الصارمة، وتغييب الضمير المهني والأخلاقي عند البعض، أخذت تجارة الأعضاء البشرية تنتعش وبدأ نطاقها يتسع في الآونة الأخيرة، ليتخذ شكل صفقات بيع وشراء الأعضاء البشرية والدم.
ورغم التستر الكبير عن هذا الموضوع، إلا إلى أن وسائط وسماسرة مازالوا يتمكنون البشرية من استدراج عدد من الضحايا المؤهلين للتخلي عن أحد أعضائهم مقابل المال. علما أن قيمة الكلية البشرية، في السوق السوداء، تتراوح بين م 300 إلى 800 ألف درهم، وقرنية العين من 7 إلى 9 ألف درهم، وفص الكبد بين 300 إلى 500 ألف درهم، فيما تتراوح قيمة كيس الدم بين 100 إلى 400 درهم.. وقد اكتسب الوسيط خبرة هائلة في الإيقاع بفرائسه من الفقراء والمعوزين وفي سبل تغليف الصفقة كأنها مجرد تبرع إن كانت العملية ستتم بالمغرب، و إعداد كل ظروف السفر والتنقل إن كانت العملية ستجرى بالخارج، وأحيانا، بالاشتراك مع بعض المستشفيات الجامعية والمعاهد الطبية بدعوى خدمة البحث والتقدم العلمي. ويتخذ الوسيط أو السمسار كل الاحتياط اللازم لأنه يعلم علم اليقين أنه باع نفسه للشيطان وأن ما يجرأ على القيام به مشبوه، بل جريمة بكل المقاييس.وغالبا ما يتقابل الوسيط أو السمسار مع الزبون ويحصل منه علي صورة بطاقته وعنوانه ثم يصطحبه إلي مختبر التحاليل لتحليل عينة من دمه والحصول على النتيجة، ثم ينصرف حتي يحضر لترتيب إجراءات التبرع. ثم يقوم بالاتصال براغب بيع عضوه ويتم الاتفاق ويحصل علي مبلغ من الثمن المتفق عليه بعد توقيعه علي اعتراف بدين أو شيك يكون سيفا مسلطا علي رقبته إذا حاول الإبلاغ عن جريمته أو التنصل منها بطريقة توقع الطرف الآخر، وكذلك تعهد بموافقته علي التبرع لبداية الإجراءات القانونية بطريقة رسمية .
ورغم أن تجارة الأعضاء البشرية تتم في سرية تامة، إلا أن هناك حالات كشف أصحابها أمرها بعد أن ندموا على ما قاموا به أو تعضوا للنصب والاحتيال أو عدم الوفاء بالعهود. ويبدو من خلال الحالات التي أزيح عنها الستار، أن العمليات تم إجراؤها خارج البلاد.
ومن هذه الحالات، نازلة "فلان 1" الذي باع إحدى كليتيه عن طيب خاطر بأقل من 500 ألف درهم عبر وسيط. لم يدل بأي دليل ماعدا ندوب عملية جراحية سابقة ما زالت بادية بوضوح على جسده. أجريت عملية الاستئصال بمستشفى بالقاهرة بمصر، تسلم نصف المبلغ قبل السفر وحاز الباقي بعد إجراء العملية.
وهناك حالة "فلان 2" الذي حاصرته الديون من كل حدب وصوب إلى حد أنه فكّر في الانتحار، لكن أحد الأشخاص أرشده إلى طبيب يمكنه فك أزمته المادية. التقى"فلان 2 " بالطبيب الذي أعاد له الأمل، لكن مقابل التضحية بجزء من جسمه، إذ عرض 700 ألف درهم مقابل بيع كليته خارج المغرب ،وقبل العرض دون تردد، لحل مشاكله المادية المتأزمة.
أما "فلان 3 "، باع فص كبده فندم. واجه صعوبات عدة، أودت به في نهاية المطاف إلى قبول عرض بيع فص كبده بمبلغ لا يتعدى 300 ألف درهم. وتم الإعلان عن النازلة كأنها مجرد تبرع، لكنه عانى من اتهامه من طرف معارفه بالجشع والطمع بعد إقدامه على بيع فص كبده، إلا أن ما يرهقه حاليا هو عذاب الآخرة، بعد بيعه شيئا ليس ملكه وإنما ملك خالقه.
في حين أقرّ مراد ك. ( 22 سنة)، الذي عانى سنوات طويلة من اعوجاج قرنية عينه اليمنى، تمكن بفضل عملية زرع القرنية من إبصار النور من جديد بعدما غاب عنه مدة طويلة، إذ أجرى العملية بمستشفى الشيخ زايد بالرباط الذي يتمتع بترخيص من وزارة الصحة لإجراء هذا النوع من العمليات. وقد كلّفته العملية 30 ألف درهم مع احتساب رسوم عملية استيراد قرنية ميت أمريكي.
وهناك نوازل أخرى يدعي أصحابها أنهم كانوا ضحية لسرقة عضو من جسمهم . ومن هؤلاء "علان1" الذي يقول أنه اكتشف عن طريق الصدفة، أنه تعرض للسرقة بعد إجراءه لعملية جراحية قصد إزالة الزائدة الدودية . كانت الأمور تسير على ما يرام ، إلى أن بدأ يشعر بمغص وآلام حادة في بطنه، وبدأت الصفرة تعلو وجهه. وعندما فحصه طبيب اكتشف أنه يعيش بكلية واحدة فقط، وأن العملية التي أجراها لم تكن لإزالة الزائدة الدودية بل لاستئصال الكلية.
وروى "علان 2 " أن زوجته كانت تعاني من داء السكري، وحدث أن ارتفع مستوى السكري، فأصيبت بتعفن في عينها اليمنى وبعد سلسلة من الفحوصات، قرر الطبيب المختص إجراء عملية جراحية لاستئصال عينها، ليفاجأ أنه اقتلع الاثنين معا، بسبب تلف العين الأخرى كما ادعى. لم يقتنع "علان 2" بكلام الطبيب، ليبدأ مسيرة بحثه عن حق زوجته، فطرق أبواب جمعيات عديدة، بعدما تعذر عليه متابعة المستشفى الخاص الذي أجريت فيه العملية قانونيا، خاصة بعد وفاة الزوجة.
أما "علان3"، 25 سنة، فلم ينجح في الحصول على وظيفة قارة رغم حصوله على الإجازة ، وبدأ يفقد الأمل في تحقيق أهدافه، لذا فكر في الهجرة نحو الخارج، إلى أن أتيحت له فرصة العمل في مصر، لكنه فوجئ بالشخص الذي قدم له عقد العمل، يطلب منه إجراء بعض الفحوصات الطبية والتحاليل كجزء من إجراءات السفر. وبعد خضوعه للفحوصات أخبره الطبيب بأن لديه حجر في الكلي تحتاج جراحة لإزالتها قبل السفر، وطمأنه الرجل أن الجهة التي سيسافر إليها ستتحمل نفقات العملية على أن يسددها بعد سفره. وافق "علان3" وأجرى العملية، وبعد أسبوع ونصف من خروجه من المستشفى بدأ يشعر بإرهاق شديد وعدم قدرة على الحركة، وبعد استشارة طبيب آخر أخبره بأن العملية التي أجريت له عملية استئصال كلية .
إشاعة خطف الأطفال للاتجار في أعضاء أجسامهم
في وقت مضى غير بعيد راجت إشاعة مفادها أن هناك خطف الأطفال للاتجار في أعضاء أجسامهم. وقد تزامن انتشار هكذا إشاعة اختفاء بعض الأطفال هنا وهناك بالمغرب. كما قيل أن هناك عصابة متخصصة في سرقة الأعضاء البشرية لأطفال بعد قتلهم قصد بيعها. وقد أثارت هذه الإشاعة، البلبلة والفتنة وزرعت الخوف في نفوس الأطفال الأمهات.
منع الاتجار في الأعضاء البشرية
ولقد تم تنظيم عدة مؤتمرات دولية تتعلق بموضوع التعامل بالأعضاء البشرية وتهدف لمحاربة الاتجار بها. وفي هذا الإطار أعلنت لجنة تعليمات جمعية نقل الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، سنة 1970، بأن بيع أعضاء المتبرّع الحي أو الميت غير مقبولة مهما كانت الظروف.
وفي يناير 1978 صدر عن المجلس الأوروبي القرار رقم 29 المتعلق بتنسيق تشريعات الدول الأوروبية الأعضاء بشأن اقتطاع وزرع مواد حيوية ذات أصل إنساني. وأوجب القرار أن يكون التنازل مجانياً في كل ما يتعلق بجوهر الإنسان.
وفي سنة 1985 تبنت الجمعية الطبية العالمية للصحة تصريحاً حول الإتجار بالأعضاء، أدانت بموجبه شراء وبيع الأعضاء القابلة للزرع، حيث ساد انتقال الكلى من الدول النامية الفقيرة لبيعها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ثم تبنت هذه الجمعية تصريحاً جديداً حول نقل الأعضاء في مدريد خلال سنة 1988، منعت فيه أيضاً شراء وبيع الأعضاء البشرية من أجل الزرع.
وقد صدر عن الجمعية نفسها قرار آخر سنة 1989 منع بموجبه استغلال البؤس والشقاء الإنساني، خصوصاً لدى الأطفال والأقليات الضعيفة الأخرى، وشجع على تطبيق المبادئ الأخلاقية التي تستنكر بيع الأعضاء البشرية من أجل الزرع. ثم شددت الجمعية نفسها على مبدأ المجانية في اجتماعها سنة 1991، كما صرحت أن مبدأ المجانية لا يمنع أبداً حصول المتبرع على النفقات التي يتكبدها بسبب اقتطاع أحد أعضاء جسمه.
ونظم المجلس الأوروبي في سنة 1987 مؤتمراً لوزراء الصحة الأوروبيين بخصوص نقل الأعضاء وحظر الاتجار بالأعضاء البشرية وشدد على منع التنازل عن أي عضو بشري لدوافع مادية، سواء أكان ذلك من قِبَل منظمة أو بنك للأعضاء أو مؤسسة أم من قِبَل الأفراد. كما نصت المادة الثانية من مشروع القانون العربي الموحد لعمليات زراعة الأعضاء البشرية (المقترح من اللجنة الفنية في مجلس وزراء الصحة العرب بجلسته المنعقدة عام 1986) ، على أنه يجوز للشخص أن يتبرّع أو يوصي بأحد أعضاء جسمه. ويُشترط في المُتبرّع أو الموصي أن يكون كامل الأهلية قانوناً وأن يكون التبرّع (أو الوصية) صادراً بموجب إقرار كتابي موقع منه بذلك. كما نصت المادة الثالثة من المشروع نفسه على أنه لا يجوز نقل عضو من أعضاء الجسم إذا كان هو العضو الأساسي في الحياة، حتى ولو كان ذلك بموافقة المتبرّع.
وأكدت هذا الاتجاه مقررات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الصادرة في فبراير 1998والتي حرّمت نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي الى إنسان آخر".
إنه من الصعب إلى حد الآن إثبات الاتجار في الأعضاء البشرية بالمغرب، سيما وأنها غالبا ما تتقمص شكل التبرع. ورغم شراء العضو من المؤهل لمنحه بأثمنة باهظة يتم تقديم العملية كعمل من الأعمال القائمة في سبيل الخير، لأنها من قبيل العطاء بدون مقابل وتفضيل الغير على النفس، فتغدو من أجمل الأفعال التي يقوم بها الإنسان في سبيل الخير. علما أن مشروعية التبرع مستمدة أساساً من تعاليم ومبادئ الديانات السماوية، إذ شرّع الله التبرع لما فيه من تأليف بين القلوب وتوثيق لعرى المحبة بين الناس، حيث تدعو جميع الكتب السماوية إلى المحبة والعطاء.
الشبكات العالمية
لم يعد يخفى على أحد اليوم أن هناك شبكة عالمية للاتجار في الأعضاء البشرية يشترى وكلاؤها أعضاء الجسم في البلاد الفقيرة، ومن اشهر الأعضاء التي يتاجرون بها الكلى تتصدر القائمة.
إلا أنه حسب الخبراء، لم تسجل أي حالة سرقة أعضاء بشرية أو متاجرة بها ببلادنا وذلك لصرامة القانون المغربي المنظم للعملية. إذ من الصعب جداً أن تتم عملية سرقة الأعضاء في المغرب، لأن القانون صارم، و يصعب أن يُسرق أو حتى يُمنح عضو دون أن تصريح الشخص المتبرع أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها، وقاض معين من طرف هذا الأخير، بحضور طبيبين معينين من قبل الهيئة الوطنية للأطباء، وقد خص النص القانوني فقط المستشفيات العمومية والمركز الدولي للشيخ زايد بالقيام بهذا الحق، ولافتقار المغرب لبنك أعضاء يحفظها، يتم الحصول على الأعضاء، خاصة القرنية من أوروبا وأمريكا اللاتينية، بناء على اتفاقية بين المغرب وهذه الدول.
في حين يُقرّ الجراحون المتخصصون في أمراض الكلى وزرعها، أن سرقة الأعضاء في المغرب غير موجودة، لأن القانون واضح وشروط التبرع دقيقة جداً. كما أن القانون المغربي عاقب بقسوة أي تعامل بالمتاجرة بالأعضاء أو وساطة يدخل فيها عنصر المال.
التبرع بأعضاء الجسم البشري بالمغرب
قليلون هم الذين يفكرون في التبرع بأعضاء أجسامهم ، حيث أن الغالبية العظمى منا لا يحبون التفكير في ما الذي سيحدث لأعضاء أجسامهم بعد وفاتهم، غير أن ندرة الأعضاء المتاحة لكي تزرع في أجسام المرضى الذين يحتاجون إليها حاجة ماسة أصبحت ظاهرة تشتد وطأتها يوما بعد يوم .
فالقرنيتان فى العينين يمكن أن تعيد البصر لشخصين، والقلب ينقذ حياة إنسان، والرئتان تنقذان حياة شخصين والكليتان تبعدان شخصين عن المعاناة الدائمة من عملية غسيل الكلى والفشل الكلوي وخطر الموت، والكبد يمكن أن يقسم إلى قسمين ينقذان حياة شخصين، والبنكرياس يمكن من خلاله علاج مرض السكري، والجلد يمكن أن يعالج به المصابون بتشوهات إثر التعرض لحريق. سيما أن معدل نجاح عمليات زرع الأعضاء يصل اليوم إلى قرابة إلى أكثر تسعين في المائة.
وتعتبر زراعة الكلى أول عملية شهدها العالم في مجال نقل وزراعة الأعضاء البشرية، ولعل هذا ما يفسر ارتفاع عدد عمليات زرع الكلي، كونها ليست صعبة وتمر في أجواء عادية، إضافة إلى إمكانية العيش بكلية واحدة، والتبرع بالأخرى لشخص مريض يحتاجها.
ما المقصود بالتبرع بأعضاء الجسم؟
التبرع بأعضاء الجسم هو منح أحد أعضاء جسم الإنسان، حيا أو ميتا، لإنسان يحتاج إلى عضو كي يكمل حياته. ومن المعلوم أن فكرة استعمال الأعضاء والأنسجة البشرية، قيد الحياة أو بعد حادث الوفاة، هي واحدة من أرقى أنواع خدمة الإنسان ومساعدته.
يُعرّف القانون المتعلق بتبرع الأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها مفهوم العضو البشري بـكل جزء من جسم الإنسان سواء أكان قابلا للخلفة أم لا والأنسجة البشرية باستثناء تلك المتصلة بالتوالد.
ثقافة التبرع بالأعضاء لا تزال شبه غائبة عندنا
إن عمليات التبرع بالأعضاء البشرية في المغرب ضعيفة جدا مقارنة بحال الدول الأخرى، وذلك بفعل شبه غياب ثقافة التبرع بالأعضاء التي لا تزال محدودة في أوساط ضيقة جدا ببلادنا. وفي هذا السياق كشف وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، أن عدد المغاربة الذين سجلوا أنفسهم على مدى أكثر من عقد بغرض التبرع بأعضاء جسمهم بعد وفاتهم لم يتعد 800 حالة. وحسب مصدر رسمي مطلع، فإن الأشخاص الذين سجلوا أنفسهم في قائمة المتبرعين ازداد بفضل حملات التوعية، حيث تم تسجيل طفرة كبيرة في قائمة المتبرعين بالأعضاء كاملة، وبلغ عدد المتبرعين بالكلى 82 شخصا، وأربعة أشخاص للكبد، و23 شخصاً للقرنية و19 شخصاً للقلب.
كما كشفت المعطيات الرسمية أن عدد عمليات زرع الأعضاء لا تتعدى 25 عملية زراعة في السنة، وأن عدد المتبرعين بالأعضاء والأنسجة البشرية على اختلاف أنواعها لا يتعدى نسبة 4 متبرعين لكل 10 مليون مغربي، في حين تصل هذه النسبة بتونس إلى ما بين 16 و 20 متبرع لكل 10 مليون شخص، وفي فرنسا 400 متبرع لكل 10 مليون فرنسي.
إن أهم أنواع زراعات الأعضاء التي إنجازها في بلادنا همت زراعة الكلي وزراعة قرنية العين، وزراعة النخاع العظمي. فبخصوص زراعة قرنية العين فقد أجريت أول عملية سنة 1960، فيما وصل عدد العمليات التي تم إجراؤها على امتداد سبع سنوات الأخيرة إلى 2106 عملية. منها 1694 أجريت بالمستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط، في الفترة الفاصلة بين سنة 2005 إلى شهر أبريل 2012. فيما بلغ عدد العمليات التي تم القيام بها على مستوى المراكز الاستشفائية الجامعية الأربعة بكل من فاس، مراكش، الرباط والدار البيضاء، 390 عملية ما بين سنوات 2009 و2012.
أما فيما يتعلق بعمليات زراعة النخاع العظمي،، إن أول عملية أجريت بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء سنة 2004، في حين أن أول عملية لزراعة الكلي تمت بنفس المدينة سنة 1990، وهي تعد أول عملية أجريت على صعيد المنطقة المغاربية انطلاقا من تبرع أحد أفراد أسرة المريض، تلتها عملية ثانية بالرباط سنة 1998، وبفاس ومراكش سنة 2010.
ووصل عدد عمليات زراعة الكلي التي تمت بفضل تبرع أفراد عائلات المرضى إلى 263 عملية، 60 في المائة منها أجريت بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، و30 في المائة بمستشفى ابن سينا بالرباط، فيما 10 في المائة منها تمت بكل من المستشفى الجامعي الشيخ زايد، والمستشفى العسكري، بالرباط، والمستشفيان الجامعيان بفاس ومراكش.
وللإشارة، إن عدد المرضى على قوائم الانتظار لزراعة الكلى وباقي الأعضاء مرتفع، لازال كبيرا، حيث يأمل المرضى إيجاد متبرع.
ويرجع المتتبعون انخفاض معدل التبرع في المغرب إلى غياب توعية كافية بأهمية التبرع بالأعضاء بمدى أهميته. ومازالت التبرعات التي نشهدها في المغرب بصفة عامة لا تدخل في مفهوم التبرع بالمعنى الشامل المتعارف عليها، بل هي عمليات يغلب عليها الطابع العائلي حيث يقوم المتبرع بالتبرع لأحد أقربائه.
لتشجيع ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية نظمت وزارة الصحة بمعية وزارة العدل ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ندوة مشتركة حول الموضوع. وخلال هذه الندوة سجل البروفيسور الحسين الوردي، وزير الصحة، اسمه في سجل المتبرعين بالأعضاء بعد موت دماغي، وذلك بعد تسجيل وزير العدل والحريات مصطفى الرميد لاسمه في قائمة المتبرعين.
أول مغربية تتبرع بجسدها بعد الوفاة
تعتبر الدكتورة رجاء ناجي مكاوي أول مغربية سجدت بالملموس ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية ببلادنا. فكانت نموذجا غير مسبوق في مجال التبرع، ليس فقط على المستوى الوطني، بل حتى على الصعيد العالم العربي، إذ كانت أول مغربية تتبرع بجسدها بعد الوفاة لأغراض العلاج والبحث العلمي، بعدما أسست وحدة لقانون الصحة هي الأولى من نوعها في الوطن العربي و في القارة الإفريقية، وهي أول مغربية متخصصة في القانون الصحي، وتحديدا موضوع "زرع الأعضاء".
موقف الشريعة من التبرع بأعضاء الجسم
تذهب الأغلبية الساحقة من الفقهاء المسلمين إلى القول أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، فأحسن خلقه وأكرمه وأعزه بالعقل والوحي ودعاه إلى نهج التعاون والتكافل الإنساني. ويمثل التبرع بأعضاء الجسم أحد نماذج فعل الخير والتكافل الإنساني الذي أجازته وحثت عليه الشرائع السماوية، وقد قال عزّ وجلّ في كتابه الكريم : "ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
وقال سيدنا عيسى عليه السلام :" خيرا أن تأتي الجنه بعين واحدة وألا تأتي لجهنم بعينين".
في واقع الأمر، فقد اختلف العلماء المعاصرون الرافضون للتبرع على ثلاثة أقوال:
1- لا يجوز نقل الأعضاء الآدمية مطلقاً، سواء أكانت أعضاء كافر أم كانت أعضاء مسلم.
2- يجوز نقلها مطلقاً.
3- القول بالتفصيل، وهو أنه يجوز نقل الأعضاء الآدمية من الحي والميت، ولكن بشرط ألا يكون الشخص المنقول منه العضو مسلماً، وعلل القائلون بهذا القول ذلك بما يلي:
أ-أن الحاجة أو الضرورة -إذا وجدت- يمكن دفعها بغير المسلمين خصوصاً أنهم لا يمانعون في ذلك، فقوانينهم تبيحه بضوابط معينة.
ب- أن الأصل يقتضي حرمة المساس بجسد المسلم بالجرح أو القطع حياً كان أو ميتاً فوجب البقاء على الأصل حتى يوجد الدليل الموجب للعدول والاستثناء منه، إذ الأدلة المانعة من النقل كلها تتعلق بالمسلم، وأما الكافر فلا.
إن أصحاب هذا الرأي بقرّون أنه لا يجوز للمسلم التبرع بأعضائه بعد الموت، لأن من شرط صحة التبرع أن يكون الإنسان مالكاً للشيء المتبرع به، أو مفوضاً في ذلك من قبل المالك الحقيقي، والإنسان ليس مالكاً لجسده، ولا مفوضاً فيه، لأن التفويض يستدعي الإذن له بالتبرع وذلك غير موجود، وأيضاً فإنه لا يجوز بيع أعضاء الآدمي.
بقيت الإشارة إلى مسألتين: التبرع بالكلية حيث أجاز الكثير من العلماء التبرع بالكلية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وقرر الأطباء المختصون أنه لا خطر على صاحبها في نزعها منه، وأنها صالحة لمن نزعت من أجله، كما أجازوا نقل القرنية ( قرنية العين من إنسان بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زرعها، ما لم يمنع أولياء الميت ذلك، وكأن هاتين المسألتين استثناء حيث لم يشترطوا في الشخص المنقول منه أن يكون كافراً ، بل يمكن أن يكون مسلماً.
واعتبر الفقيه عبد الباري الزمزمي في تصريح موضوع التبرع بالأعضاء البشرية يدخل في باب "الأجر والثواب"، لأنه يعد تعبيرا لقوله تعالى في محكم كتابه: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
قانون التبرع بالأعضاء
إن القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية بالمغرب، قانون صارم جدا لا يمكن التلاعب فيه، ولكنه يعرف صعوبات جمّة في الإجراءات والتنفيذ، وهذا ما يمثل أحد معوقات التبرع بالأعضاء ببلادنا. إذ يتوجب على المتبرع بأعضائه المرور بمراحل عديدة منها المثول أمام القضاء، وأمام قاض منتدب من طرف رئيس المحكمة، كما أنه يتوجب حضور أطباء مرشحين من طرف وزير الصحة، ويتمثل دور الأطباء في توعية المتبرع بالإيجابيات والسلبيات بهذا الخصوص. ويفرض هذا القانون على كل راغب في التبرع أن يعبر على موافقته على أخذ عضو منه أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر إقامته يعينه الرئيس خصيصا لذلك الغرض، ويساعد القاضي طبيبان يعينهما وزير الصحة باقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيئة الأطباء الوطنية. ويقرّ هذا القانون الصارم أنه لا يمكن أخذ عضو من إنسان ميت إلا إذا كان قد سبق له التعبير عن ذلك وهو على قيد الحياة، وهو ما لا نجده اليوم بالمغرب، حيث إننا لا نزال نفتقد إلى ثقافة التبرع بالأعضاء التي لا تزال من المحظورات ومن المسكوت عنه رغم وجود قانون جاري به المفعول في المجال، والذي يشكل عائقا واضحا أمام تشجيع المواطنين على التبرع بأعضائهم.
ولا يسمح هذا القانون بوجود تجارة الأعضاء البشرية، إذ يجرم عملية بيع الأعضاء البشرية على اعتبار أن هذا العقد يعتبر باطلا، فجسم الإنسان لا يصح ولا يجوز قانونا أن يكون محلا لأي علاقة عقدية كالبيع بمقابل عقدي . كما أنه
لا يمكن إجراء هذه العمليات إلا في المستشفيات العمومية و المعتمدة فقط. ولا يسمح لحد الساعة للمصحات والمستشفيات الخاصة بإجراء مثل هذه الجراحات.
وحسب المادة 16 من القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية يمكن إجراء عمليات أخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من أشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع في مستشفيات عمومية معتمدة تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة، إلا في حالة اعتراض الزوج وإلا فالأصول وإلا فالفروع، مع الالتزام بتسجيل ذلك في سجل خاص.
ويؤكد هذا القانون على ضرورة وضع محضر معاينة طبي يثبت وفاة المتبرع دماغيا، على أن تكون أسباب وفاته خالية من الشكوك.
متى سيتم إنشاء بنك للأعضاء البشرية ببلادنا ؟
إن الدولة لم تفكر إلى حد الساعة في إنشاء بنك للأعضاء البشرية على غرار ما هو معمول به في باقي الدول التي يتبرع سكانها بأعضائهم لاستفادة الغير منها بعد مماتهم، علما أن المغرب بإمكانه الحصول على الكثير من هذه الأعضاء، خاصة وأن عشرات الحالات من ضحايا حوادث السير القاتلة تفد على مختلف مستشفياته يوميا.
ويرى الكثيرون أن على المشرع المغربي تغيير بعض بنود القانون الذي ينظم هذه العملية من أجل فسح المجال أمام الأطقم الطبية للاستفادة من جثث هؤلاء الضحايا فيما يمكنه أن يفيد المواطنين وإنقاذ حياة آلاف المرضى الذين يعانون في صمت في انتظار كلية تخلصهم من عذاب الخضوع إلى عمليات "الدياليز" المكلفة أو قرنية عين تساعدهم على استعادة بصرهم، أو قلب قد يعيد نبض الحياة إلى قلوبهم المريضة إلى غير ذلك من الأعضاء التي بإمكانها أن ترسم ابتسامة الحياة على شفاه الكثيرين.
إن الفوائد التي تنتج عن التبرع بالأعضاء كبيرة جدا ، فكثيرون لا يعرفون أن الإنسان عندما يتبرع بأعضاء جسمه يمكن أن ينقذ حياة عشرة أشخاص أو يظللهم بالصحة والعافية بقية حياتهم .فالقرنيتان في العينين يمكن أن تعيد البصر لشخصين ، والقلب ينقذ حياة إنسان ، والرئتان تنقذان حياة شخصين والكليتان تبعدان شخصين عن المعاناة الدائمة من عملية غسيل الكلى والفشل الكلوي وخطر الموت ، والكبد يمكن أن يقسم إلى قسمين ينقذان حياة شخصين ، والبنكرياس يمكن من خلاله علاج مرض السكري ، والجلد يمكن أن يعالج به المصابون بتشوهات إثر التعرض لحريق. علما أنه يلاحظ بهذا الخصوص أن معدل نجاح عمليات زرع الأعضاء يصل إلى قرابة تسعين فى المائة .
أول عملية زرع الأعضاء بالمغرب
كانت أول عملية، في نطاق زرع الأعضاء بالمغرب، باستثناء العملية أجراها سنة 1995، البروفيسور وجيه المعزوزي، بمصلحة أمراض القلب بمستشفى ابن سينا لأحد المرضى والتي قام على إثرها بتركيب قلب اصطناعي للمريض "الحسين"، وهي العملية التي تناولها البروفيسور بالتفصيل في كتابه "قلب من أجل الحسين". ولا يزال إجراء عمليات زرع الأعضاء، وخاصة المتعلقة بنقل أعضاء بشرية من إنسان ميت إلى آخر حي تراوح مكانها بالنظر إلى قلتها. فأغلب العمليات التي يتم إجراؤها بهذا الخصوص تتعلق بزرع قرنية العين، التي يتم استيرادها من الخارج وذلك بالنظر إلى انعدام المتبرعين بقرنياتهم لأغراض طبية بعد الوفاة، خاصة وأن الاستفادة من أعضاء ضحايا حوادث السير أو الموتى يستلزم حسب القانون الجاري به العمل، موافقة قبلية من طرف الطرف المتبرع وهو ما لا يوجد إلى حدود اللحظة بالمغرب بالنظر إلى عدم الاهتمام وتجاهل المواطنين لأهمية هذه العملية مما يترتب عنه خصاص كبير يضطر معه المريض إلى البحث عن عضو بشري خارج أرض الوطن.
على سبيل خلاصة القول
لو حدث ، لا قدر الله، واحتجت لزرع عضو فى جسمك نتيجة المرض هل تكون ممتنا لشخص تبرع بأعضائه لإنقاذ حياة الآخرين ، ومنهم أنت ؟ وهل تقبل أن تتلقى عضوا من متبرع في حالة الحاجة الماسة لذلك ؟ إذا كانت الإجابة بنعم ، فيجب أن يتذكر الإنسان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويسارع هو الآخر للتقييد في سجل المتبرعين بالأعضاء .
فقد تمكن عدد كبير من الأشخاص من مواصلة حياتهم بشكل عادي بعد تعرضهم لحوادث خطيرة فقدوا فيها أطرافهم، لتعود إليهم الحياة بفضل عملية الزرع، وكم من الأشخاص عاد النبض لقلوبهم بعد أن غادرته الحياة، وآخرون نجوا من جحيم "الدياليز" بعد نجاح عمليات زرع الكلي، وكم من شخص أبصر النور بقرنية جديدة بعد أن كان يعيش في العتمة.
التعليقات (0)