مواضيع اليوم

رُب ضارة نافعة

Michael Nagib

2010-02-28 07:07:59

0

هذا المثل يلخص واقع الإنسان الذى أصابته الحيرة ولا يعرف ما يضره وما ينفعه بل تشتد سذاجته عندما يعجز عن فعل أى شئ وينتظر ما يأتيه الزمان والمكان من أحداث مردداً " رُب ضارة نافعة " ، ينتظر مجئ الملائكة أو الشياطين ليقدموا له الحلول التى تخلصه من أستبداد نظام الحكم فى بلاده أو لتحرره من عبودية ثقافته البدوية التجهيلية.
ينتظر الإنسان المصرى أو أى إنسان له هوية وطنية تلك الشياطين أو الملائكة سواء كانوا وهابيين أو أمريكيين أو ظواهريين ليقدموا له الدواء سواء كان حلواً أو مراً كالعلقم ، ينتظر الفرج أن يهبط عليه من السماء فجأة ، ليس مهماً لديه أن يحصد هذا الفرج أمامه عشرات أو مئات الأفراد فى هيئة طوفان أو بركان أو تسونامى أو تدمير وتفجير عمارات سكنية أو أتوبيسات بكامل ركابها ، ليس مهماً لدى الإنسان فى بلادنا هذه أن تكون النتائج مدمرة للحياة الإنسانية التى لا قيمة لها فى قاموسه العنصرى بل الأهم هو " رُب ضارة نافعة " لأنه تربى وحشو عقله بأن عليه أن يعتقد بشدة أن كل ما يحدث سواء كان خيراً أو شراً هو بإرادة الله !
لو سألت الفرد فى تلك المنطقة المغلوبة على أمرها بهوية لغوية دينية : ماذا تريد ؟ ستجد هذا الفرد أو المواطن يقع فى " هيص بيص " ويبدأ بسرعة البرق فى أسترجاع ما قرأه وسمعه من أفواه رجال الدين والدنيا سواء فى الشارع أو فى العمل أو مكان العبادة أو فى وسائل الإعلام ويسأل نفسه ماذا يريدون منه حقاً بل ماذا يريدون هم ؟ هل يريدون إقامة نظام حكم صالح عادل قائم على المساواة بين البشر ؟ أم يريدون إقامة دولة دينية تطبق شريعة دينية ترفض الآخر سواء فى الطائفة أو المذهب أو الدين والهدف النهائى لهم هو إعلاء أسم الله والدين ؟ هل يريدون تطبيق حقوق المواطنة وحقوق الإنسان أم أنهم يريدون مجرد شعارات مجردة يريدون تطبيقها على مجتمع يقدم لهم السمع والطاعة بأسم الدين ؟ هل يريدون إنسان موزع الهويات بين هوية لغوية هى العربية وهوية دينية هى الإسلامية وهوية درجة ثالثة هى ما يسمى بهوية الوطن الذين يعيشون فيه أم يريدون إنسان موحد الهوية فى وطنه متعد الديانات والثقافات والأعراق ؟
هذا الفرد أو الإنسان أو المواطن أو العبد أو المسجون فى سجون الأنظمة الحاكمة الدكتاتورية المستبدة لا يعرف ماذا يريد لأنه لا يعرف نفسه ولا يعرف هويته ، فهو تارة يجد نفسه مطلوب زى " الحلاوة" عندما تكون هناك أنتخابات ويبحثون عنه ويدغدون مشاعره بأنه إنسان مواطن له حقوقه الإنسانية التى سيسعى هؤلاء المرشحون لأن يحققوها له متى صوت لصالحهم وأنتخبهم ، وتارة أخرى يتحول هذا الإنسان إلى مجرد عبد مستعبد ومسجون فى سجن النظام ورجاله الذين يضحكون عليه ويسلبونه حقوقه وحريته ويتكلمون باسمه ويقنعونه بأن ما يفعلونه هو لصالحه لتحقيق إرادته المسلوبة منه بأمر الدين وسياسة النظام.
هذا الإنسان لم يتعلم فى حياته أن له الحق فى أشياء يريد تحقيقها تتلخص فى عبارة قصيرة جداً لكنها تشمل كل ما يربو له كل إنسان ذو إرادة حقيقية وهى " حياة كريمة " ، فالسؤال الذى طرحناه فى البداية على هذا الإنسان وهو : ماذا تريد ؟ الإجابة البسيطة من إنسان بسيط يسأل نفسه ويفكر بعقله سيجيب ببساطة هى حياة كريمة يحققها نظام عادل يؤمن بحقوقى الإنسانية ويحترم قناعاتى الدينية ، نظام يحقق المساواة الكاملة بين المواطنين ويوفر لهم فرص العيش الكريم وفقاً لقانون عادل يؤمن به الجميع ويطبق على الجميع دون تفرقة أو تمييز عرقى أو دينى، حياة كريمة يوفرها لى مسئولين لا يقفون مرة أو مرتين أمام أسمى سواء عندما أتقدم إلى مسابقة لشغل وظيفة أو فى أمتحان دراسى بمدرسة أو فى جامعة ، مسئولين يجب تفريغ عقولهم من العنصرية الدينية التى تجعلهم تنظر إلى أسماء المواطنين لتتعرف على أنتماءتهم الدينية حتى يسهل عليهم ظلمهم أو تحقيق العدل لهم ، يريد حياة كريمة توفر له التعليم الصحى الخالى من الأمراض الدينية التى يفرضها لصوص وشياطين الفكر الدينى العنصرى الذين تربعوا على كراسى المسئولية فى هيئات المجتمع المصرى وسرقوا براءة التعليم وسجنوها بأفكاره المريضة .
كيف يمكن لهذا الإنسان أن يكون منتجاً نافعاً لوطنه وهو لا يعرف إلا سرقة حقوق الآخرين لأن هناك من يحلل له كل المحرمات ويستميت فى الدفاع عنها بكافة النصوص ؟ لقد تعلم وتربى الإنسان على أهمية أن يكتب أسم الديانة فى البطاقة الشخصية وليس مهماً بعد ذلك كيف يكون سلوكه الشخصى فى مجتمعه مع الآخرين ، تعلم أن لا يصاب بالقلق أو بالأسف أو بالخجل من نفسه عندما يصب لعناته وتكفيراته على الآخر دون أعتبار أنه إنسان ، تعلم منذ نعومة أظفاره أن الآخر كافر مهما أعتقد من عقائد ومهما أخترع من مخترعات أنقذت الآلاف من الموت فى هيئة أدوية وأمصال وعادت بعظيم الفائدة على شعوبنا المتخلفة عن ركب الحضارة وشغلت نفسها بإدانة هذا الآخر الذى لن تشفع له مخترعاته ويتمنون ويدعون له بجهنم الحمراء .. إلى متى يا إنسان تشغل نفسك بكل هذه السلبية التى لا منطقية فيها ضد الآخر وتوهم نفسك بأن الله يأمرك بذلك؟ متى يفهم الإنسان أنه فى أشد الحاجة إلى معرفة نفسه حتى يتعلم العيش مع الآخر بأحترام إنسانى دون أرتفاع ضغط الدم الدينى وأن يكتب ويحفر فى أعماقه هذه العبارة " أعرف نفسك " ليتحرر من الشياطين التى تسيطر على حياته والتى أعطاها مفاتيح عقله وقلبه بكامل وعيه ليسترد نفسه من جديد ليصنع مستقبل حقيقى لنفسه وللأجيال التى ستأتى من بعده .

2006 / 5 / 21

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !