التي فقدت زوجها أثر دهسه من قِبل سيارة مستوطن عل أطراف البلدة ،وبدأت في
منزل الشهيد ترانيم المواساة بينما زوجته شاردة الذهن ،جافة الوجه لشدة الصدمة
وكأن الدم تباطأ في العروق وهي تفكر ماذا تفعل بالميراث .
الذي خلفه وراءه ،هل ستحسن معه التصرف ؟؟وتؤدي رسالتها كما أمرها الله سبحانه وتعالى ويمليه
عليها حنان قلب الأم الفطري ؟؟!!وبينما هي كذلك فإذا بصغارها (حكم وخلود )اللذين لم يتجاوزا الرابعةمن العمر
يناديانها :أمي .. أين أبي ؟؟
هذا هو الميراث الذي سوف تتولاه .
انقضت المراسم الإجتماعية من تشييع الشهيد وقبول التعازي من الأصحاب والأقارب والأحباب
ثم أغلقت الأبواب على بقية الأسرة الصغيرة وخيم الظلام بجناحيه على أركان البيت البائس .
مع انتهاء دقات الساعة الخامسة فجرامن يوم الجمعة ،كانت (ريفية )قد نهضت من فراشها وهي تُسمع تنهيدات الخوف والحزن
ورمت بنظرها على صغارها متلاصقين غارقين في نومهم في الركن الآخر من الغرفة ،ثم عدلت من وقفتها واستدارت خارجة
إلى أين ..؟؟ انحت ام حكم بثوبها الباهت الأسود المطرز بألوان الغسق بشكل يذهب الألباب ،فتناولت من فوق البرميل الصدىء الراكن
خارج منزلها بجوار شجرة السرو التى مضى على عمرها اكثر من خمسة عقود عجينة الخبز ،لتعدها فطورا
مع الشاي الساخن لها ولصغارها فأخذت طريقها على عجلة وسط نبات الخردل المصافح بصمت لشقائق النعمان ،
فأذا بكاحلها الأيمن يرتطم بحجر صغير عرقل سيرها فما كان منها الا ان تلقفته ورمته بعيدا
هاج على أثره جمع من طيور الدويري (وهومواطن محلي لألاف سنين خلت .
التقت (أم حكم قبل وصولها ببرهة قصيرة بجارة قديمة لها تربطها بها علاقة ود فخاطبت
الوجوه بعضها وقالت لها :تذكري ......
ما قلناه معا عندما توفي (أبو خليل )..(اللي خلّف ما مات )...وافترقا على هذا .
اتخذت مكانها المعهود وبدأت عملية الخبز ،وما ان وضعت الرغيف الأول داخل الطابون حتى انتشرت
ورائحته في انحاء الحارة وتداخلت بأشجار اللوز والبرتقال وكأنها سحابة بيضاء وهي تبعث
على نكهة الريف وتراثيات العادات ،اقتحم فكرها حينها م قالته لها جارتها لتي لقيتها وهي في طريقها
الى هنا (اللي خلف ما مات )..وبعد ان انهت خبزه كحال النساء وضعته على راسها عائدة الى البيت
وطوال الطريق كانت تسمع خشخشة الأخشاب تحت قدميها وأنغام الطيور من هنا وهناك ،
وتلوي الحشائش له أصداء على الروح لا يمكن كتابتها وأغلقت الباب على دخوله .
دارت الايام وتعاقب الليل والنهار لسنوات وسنوات ولم يعد الحال هو الحال لأن سنة الحياة ليس فيها الرتابة وما اجمل ان بتهاوى الإنقباض والتجهم عندما ترسمه فاجعات الايام قاذفا الجهة المقابلة
نقيضه وهذا ما حصل لتك السيدة ،فاصبحوا اطفالها بريعان الشباب وانتقلوا إلى البيت
الجديد الريفي على رأس الحارة ........
واخذت تستقبل المهنئات من الجيران وكأن الجدران في تلك اللحظات باعثة لإشعاعات فجر جديد .
ا لحمد لله على ما اخذ واعطى ...هذا ما قالته ام حكم تحت شجرة البلوط بصحبة الشيخ الجار وهم في حالة سمر وخط لمراسم فجر جديد .
التعليقات (0)