ريشة بيضاء
قصة قصيرة لسعيف علي الظريف
تبدأ القصة و طائر ارجواني غريب يحلق على الساحل الصخري و تنفض الموجة زبدها على الصخور الاصطناعية التي تحمي الساحل من الالتهام و التبدد .تبدأ القصة و هو يقرران ينهي الحياة بصوت الارتطام الذي بلغ سمعه قبل أن يحدث.
هو مقامر لم يلعب يوما لعبة رند. ولم تستهوه لعبة الأوراق ولا سباق الخيل .مقامر بغير مقامرة .وضع كل حياته على أرجوحة أكلت الأرضة لوحها، و نخر الزمان حبالها و اقتلع الصدأ قاعدتها .تأرجح و هو يعرف انه الى سقوط لا محالة في سير حثيث ،لكنه عمي .استهواه الارتواز حتى سقط و كان في هذا السقوط رعد مطر يفيض في عين أمه بكاء.
كان يقف أمام نفسه وهو مترع بالحزن و الكارثة .كان يلوك في فمه الحياة و هو يبكي النوازع .تتعاظم الكارثة وهو يجالس الوقوف و يترنح في السكون منذ زمن أصبح في العد الرياضي دهرا طويلا. كان يعجبه ان يقول لمن يلقاه إني أترنح .ترنح مرض لا ترنح سكر و نشوة .افقد طريقي .انغمس في العته السفه .ازداد في الحزن يوما بعد يوم و يزداد شقائي و التباسي و ازداد في الصمت مساحة ملك.
كان بحق بحق في يأس قاتل و انسداد. يتألم وهو يشاهد عائلته الصغيرة فيزداد في الحزن و يزداد في شقاء مقيت . لماذا يرتكب الحزن و كلام أطفاله ضحك وبراءة.
حاولت زوجته أن تحاصره بالأسئلة و هي تعرف عناده و أنفته .كانت تحس ان أمرا خطيرا يحصل هذه الأيام ، و كان ضنها في محله أصبحت نضرتها مثل سكين يمزقه و يشطره .كان يهرب منها إلى الصمت و القراءة و الكتابة و الإدمان على الحاسوب ،انغمس في البدعة و التدوين و السهاد.
ماذا جرى ……..
تجاوز الأمر المستحيل و تجاوز التخيل و الفن .و تجاوز ما يمكن أن يصفه خبير بالدنيا وبالإعمال .أضاع حياته و أضاع كل الروابط التي تشدنه إلى الناس .بدأت الكارثة مثل سقوط قطعة بلور على مساحة صلبة و تفجرها و تشضيها إلى قطع ألف أو يزيد.
كان يراها تسقط و يقول سألتقطها قبل ا ن تنشطر ولكنه كان في وبال الوهم مأسورا، و في خيوط العته .كان حال الاكتئاب الشديدة إلي تمسكه تسلب إرادته و تفقده المحاولة و تطرحه الى السلب .اضطرب عنده الإيمان بالأشياء .نظر إلى نفسه في المرآة فرأى وجها فقد بريقه ،و فقد رغبته في الحياة.كان يتخير أحيانا كثيرة الضحك فتمسكنه الدمعة عند كل وهج إنساني يعقبه .تضعنه صيحة جهور في ملعب عند مشارف البكاء .فيمسك الدمعة حتى لاتفور لكنها في انحباسها كانت تلقيه إلى رائحة الموت و العذاب.
ألقى نفسه إلى وباء كالطاعون إذا لم يصب أحدا أصاب خبره بالهلع .انتهى إلى صلف و إلى فقدان الكرامة .هان أمام نفسه و أمام الجميع. فقد كل الصلات الإنسانية المساعدة وكان الأمر أشبه بعملية انتحار مأساوية.
لم يعد يستطيع مواصلة الصداقات التي كانت تربطه بأناس طيبين لكنهم لم يستطيعوا أن يتحملوا الكم الهائل من المشاكل التي دسته تحت إبطها و أمسكته من تلابيبه.
اكتمل في المصيبة و تماهت في عوالمه المشكلة حتى لكأنه لم يكن غير سراب شخص أو طيفا كاذبا لم يتحسس حقيقته الكارثية حتى يستطيع أن يصف لك أصوات الارتطام وكل أصوات الهزيمة.
نظر إلى الطائر الأرجواني و تمنى أن يطير معه، لأنه كان ير جو أن يقلع بالموت من حياته. ثم تمنى أن يأتي الطائر عنده فيربت عليه قليلا ليحس الاطمئنان قبل أن يمسكه الموت .
كان ينظر إلى الطائر و ينظر إلى البحر و ينظر إلى الصخور. عندما لا حظ أن الطائر يحاول أن يقترب منه تارة و يبتعد تارة أخرى . كان لونه الغريب يتبدل في تموج غريب . كان كلما اقترب منه يحس أن حجمه يزداد و يكبر،رآه يفتح منقاره بدون صوت كأنه يحدثه في نفسه. اقترب الطائر منه رفرف على رأسه فتأخر قليلا إلى الوراء من الفزع لكن الطائر حط على مكانه و التفت إلى البحر .كانت المفاجئة مازالت تملاه و هو ينظر إلى هذا الكائن الغريب .لا حظ لأول مرة أن عينيه كانتا خليطا من النور ومن الألوان. .كان بحق جميلا . باهرا و جليلا .
كان الطائر يلتفت تارة إليه و تارة أخرى إلى البحر ثم ارتفع عاليا .كان يعلو في سرعة
كبيرة وكان يرقبه في انبهار، هو يفتح جناحين مثل المدد . ثم ضم جناحيه و بدأفي نزول سريع .كان ينزل و هو يحسب انه يلاعب الريح التي كانت تهب لكنه ذعر عندما ارتطم أمامه في الصخور .
كانت أشلاءه تتناثر و بلغ لباسه شيء من دمه.أحس بذعر شديد و هو يرى الطائر ينتحر إمامه و يتشظى إلى أشلاء دامية. كان يكره رائحة الدم و يكره أن يراه. أحس بإغماءة سقط بعدها مغشيا عليه.
كان يحب دائما أن يسرد هذه الحكاية و هو يجلس إلى أصحابه و يردد دائما كيف بدأت حياته عندما مات طائر الأرجوان وانه يترنح ترنح سكر و نشوة . وجد طريقه و ابتعد عن العته السفه .ازداد في الفرح يوما بعد يوم و ازداد ت سعادته ، و ازداد في الصوت مساحة ملك. كان يخرج من صندوق مذهب ريشة يقول دائما أنها لطائر الأرجوان.لكنها كانت بيضاء.ولم يسأله احد لماذا كانت بيضاء .
سعيف علي الظريف
التعليقات (0)