على أصوات العواصف وهزيز الريح المرعب و الأمطار الهاطلة الغزيرة استيقظنا صباح اليوم .. الظلام الدامس غطى المكان و الزمان .. مع أن الساعة كانت الثامنة صباحا لكن الشمس كانت محجوبة تماما وانعدمت الرؤيا بسبب الغبار الداكن المنتشر في الأجواء.. شعرنا وكأنها القيامة وقد آن أوانها ... لمَ نشعر بالخوف والتوبة والنوبة لمجرد أن هواء عصف بالمكان أو أن ريحا قلعت الأشجار ولائحات الشوارع و المحلات !! و صدعت نوافذ البيوت و السيارات .. وحطمت كل شيء اعترض طريقها ... لمَ ( الإيمان ) فقط هو ما يثبت عند العاصي وعند العابد على حد سواء في هذه الأوقات الحرجة !! لمَ الخوف من الله والقلق من حدوث كارثة يملأ القلوب المزعزة فقط عند هذه العشر دقائق القليلة !! صوت الريح التي بلغت سرعتها 120 كيلومترا بالساعة .. كادت تقلع قلوبا من صدورنا.. وأزيزها المرعب نسج الهلع على ملامحنا المترقبة لما هو أكبر وأبشع ..
و الله إنها كفأت قلوبنا قبل أن تكفا أي شيء آخر من حولنا ..أهي الطبيعة الغاضبة يا ترى !! و هل تغضب الطبيعة أصلا !! و إن كانت تغضب فهذا معناه أنها تعقل !! فهل للطبيعة عقل تعقله فترضى أو تغضب به !! ولمَ تغضب الطبيعة من الأساس !! و من الذي أغضبها !! كل هذه الأسئلة الفلسفية تحتاج منا إلى إجابات عقلية دقيقة .. ولها عندي إجابة واحدة أن الطبيعة جماد و ما كان جمادا فحقه أن لا يحرك شيء من مكانه فما بالنا بريح تعصف بكل شيء !! وهنا يثبت لدينا بالدليل القاطع أن هذه الكوارث البيئية إنما غضب من منَ هو أقوى من الطبيعة .. ومن منَ هو يدبر و ييسر الأمور بعلم وحكمة و بقدر .. فليس الأمر عشوائيا أو عبثيا أو كما يخمن مذيع النشرة الجوية في نشرة المساء.. أو أنه أمر يختزل بأسباب حسية فقط .. وليس غضبا من هذه الطبيعة التي هي بالأساس مسيرة بقانون إلاهي حكيم دقيق يسير وفق قوة لا تضاهيها قوة في الوجود ..
فالحذر الحذر من أن نوكل الأمر للطبيعة أو أن ننسبه لأفعالها.. وكما يقول بعضهم أن هذه ظواهر طبيعية.. لها أسباب معروفة حسية ليس إلا !! و لا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم كما يجرى ذلك على ألسنة بعض الصحفيين والإعلاميين .. حتى صارنا لا نخشى من هذه التغيرات المناخية المفاجئة .. و لا نعتبر بها و لسان حالنا يقول - هبت ريح وستذهب لحالها - فلا نغتر بحلم الله وصبره سبحانه علينا وعلى ظلمنا لأنفسنا ولغيرنا ..
إنها الآيات و النذر (أيها المؤمنون ) .. و تذكرنا بريح قوم عاد التي أرسلها المولى عليهم .. وكانت ريح صرصرا عاتية سخرها عليهم ربهم سبعة أيام وثمانية ليال متتابعة متتالية من غير انقطاع .. ونحن و الله ما صبرنا عليها عشر دقائق متقطعة !! وما حال قوم عاد ببعيد عما حدث في أمريكا .. فقد سلط الله عليهم إعصار كاترينا .. الذي لم يستغرق سوى سويعات معدودات .. كلف أمريكا ما أنفقته على حروبها في أفغانستان والعراق .. خلال السنوات الأربع الماضية !
وتجاوز ضحاياه أكثر من عشرين ألف إنسانٍ ..
و ما هذه الريح العاصف إلا جند من جنود الله يسلطها على من يشاء في الوقت الذي يشاء سبحانه .. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم .. عرف ذلك في وجهه .. وأقبل وأدبر.. فإذا مطرت.. سر به .. وذهب عنه ذلك.. قالت عائشة : فسألته.. فقال: " إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي") رواه مسلم .. فقد اقتضت سنة الله في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم.. فإذا اتقى الناس ربهم الذي خلقهم ورزقهم.. أنزل عليهم البركات من السماء، وأخرج لهم الخيرات من الأرض، كما قال سبحانه: ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) الأعراف:9 .. فكل ما يحصل للبشرية من محن وكوارث ومصائب فبما كسبت أيديهم ويعفو سبحانه عن كثير كما قال تعالى : (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) الشورى:30 ..
فهذه المحن و الدروس تحتاج منا وقفة تأمل وتدبر .. و تحتاج منا مزيدا من التعقل و التفكر و مراجعة حساباتنا القديمة والجديدة مع الله سبحانه .. فهل نعقلها ونتدبرها !! هل منا من يتوب عن ذنبه !! أو مغرور يتراجع عن عنجهيته و عتوه !! أو ظالم يرد المظالم ويدفع عن نفسه عذاب الدنيا والآخرة !! أو أو او !! كم هي كثيرة معاصينا ! وكم هي كثيرة ذنوبنا ! وكم هذا القلب يتقلب ولا يستقر على الإيمان إلا قليلا !! وكم أنت رحيم بنا يا الله !! تمهلنا وتمهلنا و نحن نصر ونعتو ونتعالى !!
فهل نعتبر مما يحدث وسيحث من حولنا أم أن على قلوب أقفالها !!
أسأل الله عزّ وجل أن يجعلني وإياكم من الذين إذا وُعِظُوا اتعظوا وإذا ذكروا تذكروا
وإذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ابتلوا صبروا .. إنه قريب مجيب
ــــــــــــ
أطيب المنى ..
التعليقات (0)