مواضيع اليوم

ريح الصَّبا ـ رواية ـ الفصل الأول

يوسف رشيد

2010-09-26 16:50:25

0

رواية
الفصل الأول

كان ذلك يوم ثلاثاء ، من شهر شباط من عام 1987 ، الذي يصادف ذكرى عيد الوحدة بين سورية ومصر ، وثمة مهرجان خطابي في الصالة الوطنية إحياء وتمجيدًا لتلك المناسبة ، وكنا مدعوين للحضور ، فسعيْنا ـ أنا وربيع ـ متجهيْن إلى مكان المهرجان ، تسبقنا وتلحقنا أفواجٌ كثيرة من المشاة الذاهبين بنفس الاتجاه .. وكنا على يقين أن الصالة ستكون مكتظة بالحضور ، فاقترح ربيع عليّ أن لا أكملَ طريقي معه ، لأنه مدرك أن الاكتظاظ هناك لا يناسبني .. لكني مضيت معه ، نتسامر في طرق تفيض بالمارة والسيارات ....

لدى وصولنا إلى الصالة ، وجدناها ـ كما توقعنا ـ تغصُّ بالحضور ، إلى درجة استحالة شقّ صفوفِ الواقفين في بهوها وعلى أدراجها وأبوابها ، ناهيك عن انقطاع الشارع أمامها ، لتكدُّس سيارات المسؤولين الحاضرين ، فودَّعني حكمت وشق طريقه بين الزحام ، وبات عليّ أن أبتعد عن المكان الذي أنا فيه ، كي أتدبّرَ أمري بواسطة نقل ، تحملني إلى البيت ..

كانت الشوارع مبللة بماء المطر الذي انقطع للتو ، فيما طوى المشاة مظلاتهم ، وتأبطوها ..
والمساء أشبه بيوم ربيعي معتدل ، فيه رطوبة ونسمات باردة تشتد قوتها عند مفترقات الطرق ..
اتجهتُ غربا ، ووطنت العزم على المشي ، متشجعًا بكثرة المارة ، ولطف الجو ، ونعومة الليل ..


كنتُ في حالة خواء نفسي وروحي وعقلي و..... وعلى كافة الاتجاهات : العملية والحياتية والعائلية ..
فلستُ مقبلا على الحياة ولا مدبرًا عنها ، لست ناجحًا ولا مخفِقا ، لست عاشقا ولا معشوقا ، لست في أعلى السلم الوظيفي المناسب للمرحلة ولا في أدناه ، لست راغبا في عملي ولا راغبا عنه ، لست أشعر بشعور المواطن المقيم في بيته وأرضه ومدينته ولا بشعور المواطن القلق المحتاج لفرصة عمل في المنافي البعيدة عن فضاء القلب والروح ، لست في أحسن أحوالي ولا في أسوئها ..
كانت كل الملامح تبدو في الأفق المنظور ، رمادية ، ضبابية .. أو هكذا يبدو لبصري وبصيرتي ..
وكنت أقبع في حالة هي أقربُ إلى حياة " البرزخ " المجهولة ، الغامضة ، التي يُقال إنها تتوسّط بين حياتنا في الدنيا والآخرة .. وكان هذا الشعور ـ رغمًا عني ـ يحكم كل حدودي وإمكانياتي وقدراتي المرحلية ، ويتحكم بها ..
ولذلك كنت أشعر أنني مجردُ رجل أثقلتِ الأيام كاهليْه بكل أنواع المتاعب والهموم ، ولم تتركْ له فسحة ـ ولو صغيرة ـ يتنفس الصعداءَ من خلالها ..
كانت البلد كلها تعاني أشد المعاناة من الشظف وضيق ذات اليد ، إثرَ اشتداد الحصار الغربي والعربي ، بسبب الموقف السياسي الوطني ، داخليا وعربيا ودوليا ..
كل شيء نادر أو مفقود من الأسواق ، إلا للبعض القليل ، والغلاء التهَمَ كلَّ " الخوافي والقوادم " من جيوب الناس ومخزوناتهم ...
فكنتَ ترى الناسَ (سكارى وما هم بسكارى) ، يلهثون لتأمين كل شيء ، وبالحد الأدنى ، بدءًا من الخبز والخضراوات والفواكه والصابون والسمن والمحارم وانتهاءً بالأدوية والمواد الأخرى التي يحتاجها كلُّ بيت ..
لا أعرف كيف اخترقتْ حافلة كلَّ الطرقاتِ المقطوعة ، والزحامَ الشديدَ في المحيط القريب ، وكأنها هبطتْ بالمظلة من السماء أمام موقف البوابة ، رغم ندرة عدد الحافلات العاملة على هذا الخط الجديد ، الذي يخدّم حي الأمير ، وهو الخط الأقرب إلى بيتي ..
صعدتُ مع كثيرين .. تلفت في أنحاء الحافلة ، كانت مقاعدُها وفسحتها الخلفية مليئة بالركاب ، وكان زجاج النوافذ مغشىً بفعل الفارق الحراري بين داخلها وخارجها ..

أسندتُ ظهري إلى عمودٍ في الممر .. أمامي وجه أنثوي مثير .. فتاة في ريعانها ، تقف بجانب امرأة جالسةٍ على كرسي مفردٍ تحتضنُ طفلا ، تتبادل الفتاة معها ـ بانشراح ـ كلماتٍ وجملا مبتورة .. تتخللها تعابير توحي بالتقزز من روائحَ نتنة كريهة ، تنبعث من مكان ما حولنا ، فيما كانت ملامحُ صارمة غضبى ، تنفر من الوجه الكامد الغامق للمرأة الجالسة ، وكان الطفلُ الذي في حضنها غير مكترث لما حوله ..
مدت الفتاة أصابعَ ناعمة تفتحُ زجاج النافذة ، فتدفق هواءٌ شديدٌ وباردٌ .. لفحني بعنفٍ لوجودي في طريقه مباشرة ، مما اضطرَّني أن أغلقَها ، فعادتْ وفتحتْها .. لم يكن الهواء الداخل محتملا بالنسبة لي ، فأغلقتُها ثانية ، عندها ، فتحتها فتحة صغيرة تسمح بمرور هواء قليل يزيح الرائحة النتنة ، ولا يسبب إزعاجًا كبيرًا لي ..

اجتاز السائق نزلة البوابة بسرعة ، ولم يعدْ يتوقف عند المواقف التالية ، لاكتظاظ الحافلة ، مما جعل محركها يضجُّ هادرًا أثناء صعودها في الطريق إلى الدوار الجديد .. توقف السائق هناك بعيدا عن الموقف المخصص ، بناء على نداء الركاب الراغبين بالنزول ، وركض خلفها عددٌ من المنتظرين ، فصعدوا لاهثين سئمين طول الانتظار ..

شعور داخلي بالراحة سرى كالدفء في أوصالي لوقوفها قريبة مني .. بيننا نصف متر .. ترتدي معطفا خمريًا أنيقا وطويلا ، انعكسَ لونُه على خديْها ، فزادَهما توَهّجا وفِتنة ، أضْفيا على وجهها الصبوح ، وابتسامتها الوديعةِ المغناجة ، ألقـًا عَطِرًا ، وإشراقة وضّاءة ، أنارتْ عوالمي ، ونعنشتِ البواديَ القاحلة في كياني وروحي وعقلي ..
أصابعُها وكفاها تنبئان عن جسدٍ طري وناعم وبضّ ، يُخفي المعطفُ السميكُ معالمَه العامة وتكوراته ..
شردَ خيالي بعيدًا ، بينما كانت الصحارى ، تكتسي في أعماقي بحلة قشيبة ، تحوِّلها إلى ما يشبه الشيء الذي لم أرَه في حياتي بعد ..

إذا كانت الحافلة قد هبطت أمامنا بالمظلة ، فمعنى ذلك أنها كانت في السماء ..
فمن أيِّ سماءٍ جاءتْ هذه الفتاة بداخلها ..!!
مرَّ ذلك سريعًا في رأسي ، بينما كنا نتخالسُ النظرات أثناء إغلاق النافذة وفتحها .. وكنتُ متأكدًا أنني لا أعرفها ، لكني لاحظت شيئا في نظراتها يوحي بأنها تعرفني .. ولم أكن في حالة تسمح لي بأن أتوقع أي شيء .. ولم يدرْ في خلدي أيُّ تصرفٍ أو إيحاء ما .. اكتفيتُ بشعور الانتعاش الذي راودَني لوجودها بقربي ....
لكني تمنيت أن لا ينتهي الطريق أبدا .. أو أن تذهب بنا الحافلة إلى متاهات لا نهائية .. إلى المجهول .. إلى أي مكان أبقى واقفا وتبقى قريبة مني .. ولا يهم أن تكونَ وحدَها أو برفقة منْ معها ، لا يهم .. المهم أن تكون بجانبي .. ولو لم نتكلم أو نتعارف .. كان يكفيني اختلاسُها النظر إلي وموسيقى ضحكة متمردة تدغدغ أذنيّ وتملأ صدري نشوة وبهجة .. نسيتُ الهواءَ الباردَ والنتنَ والناسَ واقترابَ الحافلة من المقصد ، وسرحتُ بعيدًا .. كأنني في عالم آخر .. لكن اليقظة انتشلتني من أحلامي عندما بدأ تهيّؤهم للنزول ..
كان ذلك عند الحديقة الشمالية ، قبيل مكان نزولي ...
آآآآآآآآآآآه لويتعطلُ بابُ الحافلة ولا ينفتح ..
لو يتوقفُ الزمنُ والكونُ ونواميسُ الطبيعة ههنا ..
آآآآآآآآآآه لو أملكُ قوة الأشياء كي أرسمَ اللوحة التي أحبُّ كما أحبُّ – على حد تعبير الشاعر محمود درويش ( ههنا صفصافة وهناك قلبي ) ..

لا تنزلي .. قفي برهة أخرى .. دعيها تذهبْ وابقيْ هنا .. هل يتغير شيء في سيرورة الزمن .. إنها برهة .. ومضة .. رفة عين .. تأخري عنها على الأقل ..
لماذا يجبُ نزولُ الناس من الحافلة ؟ أليس هناك قوانين تجيز بقاءَهم أو مكوثهم فيها إلى الأبد ؟؟
إن اللحظاتِ الجميلة الآسرة تنقضي كالبرق لتخلفَ في الصدر والقلب ندوبًا ودماملَ وجراحاتٍ لا تشفيها أيامُنا السود .. تبًّا لها من لحظات ..
يا ربَّ السموات والأرض !! .. إنها تتلكأ وتدفعُ منْ معها أمامها !! .. ذلك سيجعلُ عينيّ تتمليان منها لمزيد من الثواني .. الحمد لله .. كأنها أحسَّتْ برغبتي .. كأنها تريدُ أن تقولَ لي شيئا .. هل يُعقل ؟ هل تداعت الخواطر؟ هل أحسّتْ بنداء قلبي ؟؟ هل سمعتْ صوتَ خفقاته ؟؟ هل سمعتْ رجاءَه ؟ هل ستستجيبُ لنحيبه ؟ لا شك .. لا شك ..
لو لم يكن الأمرُ كذلك ، فما الذي يؤخرُها عمّنْ معها إذن ؟؟
ليت كوابحَ الحافلة تتعطل .. ليت الأبوابَ لا تنفتح .. ليت يتخربُ كلُّ ما يؤدي إلى نزولها ..

أدّت الكوابحُ واجبَها ، مع الأسف .. فتوقفتِ الحافلة ..
انفتحَ البابان بصخبٍ ونزق .. تلكأتْ الفتاة أمامي .. يا الله .. إنها توجّه إلي كلامها :
ـ مرحبا أستاذ ..
كدت أتلفت حولي .. ربما تكلم شخصًا آخر ..
لا .. لا مجال .. أنا المقصود ..
حتى لو لم أكنْ أنا ، فسأردُّ عليها تحيتها ..
ألسْنا مأمورين بردِّ التحية بأحسن منها ؟؟
ما الأحسن ؟؟
هل أبتسمُ ابتسامة عريضة ؟ أعانقها ؟ أصافحُها ؟ أخرمش ظاهرَ كفها كقطٍ بري جائع ؟ أم أتناولها برفق كي أنقلَ إليها ، عبرها ، شيئا من أحاسيسي ؟؟

هل توقف الزمن ؟ هل استجيبت مناجاتي ورجائي ؟

سبحانك يا الله .. كم تجودُ عليّ وقت الحاجة الماسّة ؟؟!!
قالت : " مساء الخير.."
حييتها ، وتساءلتُ : هل تعرفينني ؟؟
قالت : أعرفك من خلال أختي ..
ـ من هي ؟؟

لم تجبني .. وأسرعتْ للحاق بمنْ معها .. فقد كادت الحافلة تتابع سيرها ..

لماذا لم أصرخْ بالسائق أن ينطلقَ قبل نزولها ؟
ألم يكنْ ثمة أحدٌ يريدُ أن يختطفَ الحافلة بمنْ فيها ؟؟
عند الضرورة لا يوجد منْ يرتكبُ مثلَ تلك الجريمة الرائعة !!

نزلَ قلبي معها .. رباه .. كيف سأعيش بدونه ؟؟!!
أسرعتُ .. هرولتُ نازلا ، فكاد جسمي يعلقُ بين فكّي الباب ، لكني تخلصْتُ منه في اللحظة الأخيرة ..

كانت المرأة تعبرُ الشارعَ العريضَ مسرعة ، وممسكة بيد الطفل ، وتمشي الفتاة خلفها متباطئة ..
أو ، ربما ، هكذا خُيّل إلي ..

إذن ، تعرفني !!
لكن لم تقل لي اسمَها ، ولا من هي أختها ..
لا أعرف وجهًا من الموظفات يشبه وجهكِ .. فمن هي أختكِ التي تعرفني ؟؟ أتكون أختك زميلة دراستي في الجامعة ؟؟ من هي إذن ؟؟ وأين عرّفتْكِ عليّ ؟؟ وفي أي مناسبة ؟؟

ماذا تريدين من سلامكِ عليّ يا قطتي الرائعة ؟ ماذا تعرفين عني ؟؟
خطواتها مترددة ، فيما تحاولُ منْ معها أنْ تستعجلها .. سنُّها توحي بأنها طالبة ، ربما في نهاية المرحلة الثانوية .. وربما تركت المدرسة ، فلا شيء يوحي بأنها مواظبة على الدراسة ..

إلى أين ستوصلني عيناكِ ؟؟
أليس فيني ما يكفيني ؟؟
ما الذي جرى لي ؟؟ لماذا انقلب كياني سريعا بهذا الشكل ، وكأنني أتعرض لهذا أول مرة ؟؟!!
سلمتْ عليّ وانتهى الأمر .. هل أنا ضد ذلك ؟؟ هل يجب أن يكون له معنى ؟؟ هل أزعجني سلامُها ؟؟!!

وما دامت تعرفني ، فهي تعرف أنني أتفهم حالة من اللباقة الاجتماعية كهذه ، ولا يمكن أن أفهمها خطأ ..
لا .. لا يمكن تفسير الأمر بهذه السذاجة !!
لكن .. إلى أين سأمضي ؟ هل من المناسب أن أتتبعهم ؟ وأين سيكون الحد الذي لن أتجاوزه ؟؟

حتى الهواء والوقتُ ، ضاقا ، فأحكما خِناقهما عليّ ، وحاصراني ، في البيت ، والمكتب ، والشوارع ، وعند الأصدقاء ، ومعهم ..
ألستُ صريعَ الظروف التي تحيط بي ؟؟
أيجب أن أزيد الطين بلة ؟؟

لم يطلْ بي التفكيرُ طويلا .. لا وقت له الآن .. سيأتي وقته لاحقا .. هناك ما هو أقوى من العقل والتفكير .. هناك ضرورة التدبير واقتناص ما يمكن أن يكون أجملَ فرصة ، في أحلكِ الظروف ..

ماذا أنتظر ؟؟
صبية جميلة تبادرني السلام وتعرّفني بنفسِها فرحة ..
أين كنتِ ؟ لماذا لم تكوني أنتِ زميلتي لا شقيقتك ؟
شقيقتك ليست بجمالك بالتأكيد ، ولو كانت بربع روعتك لاحتلت مكانا لائقا عندي ..
لماذا ترتدين معطفا فضفاضًا حول جسمك ؟؟
أيعقلُ أنْ يكونَ وجهُك وكفاك لجسد آخر رسمْته بعنايةٍ في خيالي ؟؟
إن الكثيرات يرتدين ألبسة فضفاضة ، يخفين تحتها عيوب أجسادهن .. " فالمرأة التي أسنانها قبيحة ، تضحك بعينيها " ..

دخلوا الممر الخارجي للمبنى ، وقفتُ عند بابه أرقبُهمُ ، متذرعًا بقراءة ورقة ملصقة على الجدار ..
لم أكنْ أرى شيئا في الورقة المُلصقة .. كل ما هنالك أنني أنتظر عبورَهم للممر الطويل ..

يجب أن أعرف طريقة دخولهم إلى الشقة ، لأعرف إن كانوا سكانا أم ضيوفا !! هل سيفتحون الباب ، أم سيطرقونه ؟؟
وماذا لو كانوا ضيوفا ؟؟!! هل أنتظر خروجهم ؟؟ وأين يمكن أن يكون بيتهم ؟؟
فلقد كانوا في الحافلة قبل صعودي إليها .. وربما صعدوا من المحطة الرئيسية .. فمن أي أرض وصلوها ؟؟!!

تداخلت في رأسي الأفكارُ بالصور ، والحاضرُ بالماضي ، والمستقبلُ بالأسرة والأولاد .. فبَدَت الصورة أكثر ظلمة ، ولم يبدّدْها قراري بالمضيَّ بلا تردد ..

دخلتُ الممر بهدوء ، كانت المرأة تتكلم بصوت أجش يزيده الصدى غِلظة ، فلم أتبيّنْ شيئا منه ..
هل أحسّت المرأة بوجودي وتريدُ أنْ تنبهَها مني ؟؟
انعطفوا يمينا إلى مدخل الدرج ، كان فيه ضوءٌ خافتٌ .. تقدّمتُ بخطوات حذرة وئيدة ، لتفاجئني الفتاة بعودتها ..
" حين يكون المرء على حافة الجرف ، يجب أن يحسب حسابا لكل هبّة ريح " ..
لماذا عادت ؟؟ هل تحملُ رسالة ما إلي ؟؟
هل كانت تراني أتتبعُهم ؟؟
هل تبادلني الرغبة بمزيدٍ من التعارف ؟؟

أقبلتْ نحوي ، فبان وجهُها باسمًا تحت شعاع من ضوء الشارع : ما اسمكِ ؟؟ ما رقم هاتفكم ؟؟ كيف وأين سأراك ؟؟
تتالت أسئلتي سريعة ، كصَليةٍ من رشاش حربي ..
قالت بهدوء وثقة وهي تتلفت خلفها : سعاد ..
وتابعتْ : ليس لدينا هاتف .. أعطِني رقمَ هاتفك وأنا أتصل غدًا ..
قلت لها وأنا أكتب رقم هاتف المكتب ، على زاوية صفحة مجلة : ليكن اتصالك بعد الثانية ظهرًا ، فلن أكون موجودًا قبل ذلك ..
ناولتها القصاصة ، وخرجتُ سريعًا ، يتبعني صوتُ المرأة : بسرعة يا سعاد .. أغلقي الأباجور .. لماذا تأخرت ؟

إذن ، هنا بيتكم .. الحمد لله ..
كانت الخطوة الأولى في الطريق الطويلة ، يسيرة وموفقة .. فكيف ستكون الخطى التالية ؟؟

خرجتُ إلى الشارع .. رفعت وجهي إلى السماء ، أنعشني تساقط رذاذ المطر فوقه .. أشعلت سيجارة .. رميتها قبل أن تنتهي ، وعدت إلى بيتها .. قرأت الاسم المكتوب على زر الجرس .. فتذكرت اسمَ أختها ، وكانت زميلة في الجامعة ، أسبقها بسنتين .. لكن .. شتاااااااان ..

تنفستُ الصعداء في الشارع ، وأنا أتصبّبُ عرقا رغم برودة الليل .. وكأنني خارجَ الزمان والمكان ..
أمعقول هذا الذي يجري ؟ ماذا أفعل ؟؟ ولمَ ؟؟
ماذا لو انتبهتْ أمُّها لوقوفنا في الممر ؟؟
لمْ أفعل كهذا مسبقا .. فكيف الآن ؟؟
سحبتُ خطاي في الشارع .. مشيتُ باتجاه البيت ، بدأت مخيلتي تسترجع شريط الأحداث من أوله ..
لا أستطيعُ أن أصِفَ ما أنا فيه .. إن أشياءَ بسيطة وسطحية ، جعلتني أندفعُ كلَّ هذا الاندفاع ..
صحيحٌ .. هي رائعة ، وجذابة ، وأبدتْ مَيْلا نحْوي ، لكنْ ، ما كان يجبُ أن أنساقَ وراءها ، أو أضعَ نفسي موضع شبهة وحرج ..
ما الذي جعلني أفعل ما فعلت ؟؟
أهو ........... ؟؟ لا .. لا ... هذا هراء ..
هل يبني الآخرون علاقات الحب بهذا الشكل ؟؟ !!
ألا يكون الحبُّ إلا مفاجئا ؟؟ !!
إذا كان الجواب : نعم ، فإنني غيرُ متأكدٍ مما لدي حتى الآن ، ولا أسمّي ما جرى حبا ..
وإذا كان الجواب بالنفي ، فلا معنى لكل ما فعلته .. وما كان علي البدء بمعركة مع السراب ..

إن ما فعلته ، يتطلب مني أحدَ أمرين :
الإقدام : وله متطلباته وظروفه ونتائجه وانعكاساته ..
أو الإحجام : وهذا أسهل في ظاهر الأمور .. كل ما هنالك ، أن أتجاهل اتصالها إذا ما اتصلت غدا ، أو أجد ذريعة للتملص .. وإذا لم تتصل ، فيكون ذلك هو المُبتغى ..

شيءٌ في صدري يتحرك نحوها بإيجابية واندفاع .. وأشياء في رأسي ، تذكرني بماض مليءٍ بكثير من التجارب المماثلة ، التي مرت في سنواتي الأخيرة .. حيث العواطف سيدة الموقف ، اقتنصتُ منها أوقاتا ولحظاتٍ مليئة بالدفء حينا ، وبالمنغصات أحيانا أخرى ..
أهذه التي أبحث عنها ؟ هل ستتصل بي غدًا ؟
متى سيأتي الغد وما زلنا في أول الليل ؟؟ !! ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !