رياح المشهد
البشير عبيد
بدءا يهمس الفتى :
ورقاتي المبعثرة مرصعة بالعطش
و زهرتي لا تساق ببريق اللون
و أشهد أن لا زهرة في حدائق الدنيا
أبهى من ريحان الخليج
الجنود الذين أرسوا بنادقهم
على ذهب الجزيرة سكتوا
خوفا من بهاء الرمال
الإفرنج يعانقون خيوط الانتشاء
و ماء التوهج ساح
على أرض القبائل و النفط المعتق
صبايا المدينة أعلنٌ أن لا وقت لبكاء
الشبيبة
قد تخاف الطيور الشاردة من لهيب
الحرائق
تبكي الجداول على ولد لم يرتو
لم الآن يتبعنا الدخان؟
و لم يبق على جسد الخارطة
سوى بقايا الانحناء
أنهكنا الغيم مساء الخميس
فقلنا لماء العين :
تبعثرت قرب الديار قصاصات الفصول
سال من فم البوح كلام العذارى
و اندلق الوجع حثيثا، كثيفا
ها قد جاءت همسات الجنود على مهل
و لاح توجع الأمير بعيدا عن الضوء و الإمارة ...
من أهداهم عذارة الجزيرة
لنكون قاب قوسين من القحط
تنحني خجلا جباه الملوك
و يأتي القراصنة للمياه التي أنجبت
طفل الخليج المشاغب
يرتبك القوس في يدي
وتتبعني أجنحة تريد السلام
فيصرخ سحاب الطوائف :
لن تمطر السماء صباح المعركة
يجيء الفتى ذاهلا من ذهول الشقيق
واختفت صفحات من كتاب القصاص
حينما تندت العين بالدمع المفاجئ
و تعرق الولد زهوا لمرأى العناق
من أين لهذا السبات أن يورق
و للغيم أن يضاء؟
الوقت ناولني كأسا من نبيذ الصحو
فانفلت عقد الأساور
و غابت عن الوعي فراشة عطشى
واكتوت بنار الشتات دويلات الورق
خلا الشارع إلا من التبغ
و البنات اللواتي أتعبهن الحنين
لطيفا حزينا يجيء الفتى
الأرض أشهى من خد تورد
و الحبر أبهى من مرارات الحدود
ربما ..قد توارت دمعات الانتماء
و نام تراب دجلة قبيل مجيء الشقر
وفارقه أنين الحرارة حين أتوا ...
على زورق من خشب أرقه دم الارتباك
صار بإمكان الفتى أن يقول :
لستم هنا و إن جئتم
و ليس لكم على أرض الكوفة أن تقيموا
عدا أن تقرؤوا قصائد السياب
و تحلموا بالموت على صدور صبايانا
عشقنا عسل الفاجعة
حين رأينا بخار البواخر و هفهفة العلم
على الرمال كان الحمام يمر
و طقوس الحصار، على جداول بغداد
تفر سريعا
قبيل احتراق الورقة
فتمحى البلاد من ذاكرة البلاد !
و يكون خريف الغرب مخضرا بالنخل العليل
تكتب إحدى الجرائد :
" نيرون مات و لم تمت روما "
و السياب مات، فلن تمت بابل
ضاع الفتى في الشوارع
فجاء الجواب من إحدى الزوايا :
غاضبون من زمان، قبل مجيئهم
فلم البكاء الآن فقط؟ ...
أسرقنا خبز أطفالنا من ثلج لندن ؟
- صحيح ما أذاعته امرأة عابرة
- نحن للنبيذ، يذهلنا بياض الوجه و زرقة العين
لكن .. يؤرقنا صراخ الطيور
و تشتهي الرمال أن توقد النار
على حنايا الهدوء القتيل
ترنو أقباس الصقيع
إلى ضفة من شعاع
فتنطفئ جمرة الورد على خاصرة الماء
الرفيع
هذا الولد جالسا كان
أم باغتته الرياح ؟
هل فاجأني همس العاشقات؟
و تشيح بوجهها فتاة التوهج
عن زيف أحفاد البياض
يجيئون بلا موعد و يكون الفتى
غارقا في الضحك
هل إشتكى القلم من هتك عفاف الكتابة؟
- معذرة، أرواحنا أبخس من حق الذبابة
في الهواء !
فلم الجنون يشتهي أن تنام الغصون؟
و تحمى البلاد بالزيف
من لصوص الشمال
أنا لست أعشق المدى و لا رجم الغيوم
و لا احتمي بالورق من سقوط اليمام
أزوق الأرض بالزهر و حبات السنابل
لما تجيء قوافل البدو مسكونة بالرحيل
و لا أبالي بالرذاذ المفاجئ
صيفا ينتشي على ضفة الساحل
و تحنو يداه
على ولد بللته قطرات اللهاث
حيث الأزقة استحالت خيطا أرجواني اللون
هل صاغ الرمل ملحمة لخلود التفاصيل
و لا يدري الفتى، أكانت بغداد
سنديانة أم شظايا؟
التعليقات (0)