(لذة النّص : إنّها القيمة المنتقلة إلى الدال الفاخرة) (…إنّ النّص ليُصنع من الآن فصاعدا و يُقرأ بطريقة تجعل المؤلف عنه غائبا على كلّ المستويات) في ظل موجة التفاعل النقدي و التواصل الأدبي بين التراث و الحديث من جهة و بين هذين الأخيرين و الرافد الأجنبي من جهة ثانية ، تجتمع جملة من المفاهيم و تقديرات ملتبسة في التعامل مع الخطاب النقد ي المجايل للحركة الإبداعية في مختلف أجناسها الأدبية ، تكّرست في أطوارها محاولات تقترب من التنظير المتبادل بين فلسفة التخاطب و دلالاته التقديرية و اهتمام رجالاته في وضع حدوده النسقية و دور الحركة التفعالية العربية في دفع واعز سلطة التقييم و التقوييمية من وجهة أسلوبية محضة ، والاختلاف الحادث المفارق اختلاف أسبقية المبادرة في تجديد هذه المحددات و طرق التعامل معها ، بين أن تشترك الذائقة الأدبية العامة و الذائقة الأدبية الخاصة ، و هنا بدا بين الظاهرتين بون شاسع ، إذ تحتل قدسية النّص مكانة مختلفة في بلورة ميزان المواصفات الفنية و الجمالية ، ابتعد كثير من التصور السيميائي في ربط دلالات المعايير التكوينية التي سحبها نقاد فلاسفة على الأثر الأدبي و خصّوا لذلك مؤتلفا و مختلفا من مركبات جديدة قديمة ، تطورت معانيها لعوامل اعتقد رولان بارت كناقد أنّه قد حسم الإشكال فيها عندما أراد تحرير النّص أو بالأحرى حماية قدسيته بعزل العلاقات الخارجية المؤثرة على بنيته التكوينية ، ووظّف لذلك مصطلحات متنوعة على مستوى التحليل و تفكيك العقدة التي شغلته عن النّص على الرغم من محورية الفكرة أساسا حول النّص ، إذ انصبّ اهتمامه على العلاقة الفعلية التي يشكلها المؤلف ، و ما يحدثه انشغاله به من تشويش بنائي في تقدير النّص و الوصول إلى معالمه ، و لذا يعتبر المؤلّف (امبراطورا) كما يفضل أن يسميه قائلا : ((إنّه على الرّغم من أنّ امبراطورية المؤلف لا تزال عظيمة السطوة لم يكن عمل النّقد الجديد في الغالب سوى تعضيد لها )) فمحورية التشاكل في عملية الملامسة الموضوعية للنّص تبتعد بوحداته أي على عزل حضور المؤلف و استبداله بفعالية الشخصية الافتراضية الممثلة في علاقة اللغة من حيث حضور الفارقة الأدبية المتخيلة و مكتسباتها الجدية التي تعمل على استنطاق التراكيب و تحليل الاختيارات الواسطية و هي التي عبّر عنها رولان بارت بـ ((القيمة المنتقلة إلى الدال الفاخرة)) ، فمن البدهي أن تتحول هذه الصورة إلى مستوى التشاكل الذي عبّر عنه رولان بتقديرات مستحدثة ، ترقى إلى مصاف اليقظة القرائية لدى القارئ من جهة و استحضار قرائن تعالقية تسمح بتغيير لذّة النّص من مجرد بناء من جهة أخرى ، فمن البدهي أنّ بعض الكتّاب (( قد حاول ، منذ أمد بعيد ، أن يزلزلها. و لقد كان مالارميه هو أول من رأى في فرنسا ، و تنبأ بضرورة وضع اللغة نفسها مكان ذاك الذي اعتبر ، إلى هذا الوقت ،مالكا لها . فاللغة ، بالنسبة إليه كما هي الحال بالنسبة إلينا ، هي التي تتكلم و ليس المؤلف ، و بهذا يصبح معنى الكتابة ، هو بلوغ نقطة تتحرك اللغة فيها وحدها ، و ليس (الأنا))))،و فيها ((تنجز الكلام)) . و سيكون ذلك عبر موضوعية أولية )) .(01) إذن لا يمكن أن تحصل لذّة النّص في ظل هيمنة المؤلف و حضور صورته السلوكية بالمفهوم الاجتماعي أو النفسي كما يرى ألان تين في تحليله للبيئة و ما تلعبه عناصرها السيسيولوجية المكيفة ، و بات أمر العملية التركيبية في سياق القراءة المتطورة لا يكفي لبلورة التوالد الذي يصرف السلطة الأدبية الخارجية و تفعيل الحركة في تتابعها ، و من هنا فإنّه ((يجب على النّص الذي تكتبونه لي ، أن يعطيني الدليل بأنّه يرغبني . و هذا الدليل موجود : إنّه الكتابة . لتكمن في هذا : علم متعة الكلام ، و لم يبق من هذا العلم سوى مصنف واحد :إنّه الكتابة نفسها )) ، فالصورة الحقيقية لتمثلات اللياقة الأدبية في فرز فنيّات النّص الجمالية تنطلق بدءا بالحقيقة المتوارية في مستويات النّص التركيبية أي تداولات لغوية عاكسة في منتهى السهولة لتوالد المعاني ، و لا يمكن أن تدرك هذه الحقيقة التي يعتقد رولان بارت تواجد الخفي الذي لا يميّزه إلا وظائف ذهنية شاعرة ، تنبع من سطحية اللفظ و سيميائية التشاكل البديل الذي أشرنا له في بداية الموضوع و بناء على هذه النظرة ((فالزمن ، بادئ ذي بدء ، لم يعد هو نفسه . و المؤلف ، عندنا نعتقد بوجوده ، إنّما يكون مصمما كما لو أنّه دائما ماضي كتابه بالذات. فالكتاب و المؤلف (يقفان تلقائيا على خط واحد موزع على (قبل) و (بعد) : فالمؤلف مكلف بتغذية الكتاب ، و هذا يعني أنّه يوجد قبله ، فيفكر ، و يتألم ، و يعيش من أجله . و إنّه أيضا ليقف في علاقته مع كتابه موقف الأب من طفله ))2 ، الكيفية التي انتهى بها رولان بارت لم تكن العزل المؤقت فحسب ، إنّما استشفاف ملامح الضوابط الباطنية لتناسق الأفكار في ظل تغييب صورة المؤلف الذي لم يحرمه صفة الأبوة مما أنجب على قدر توسع لطائف العلاقة النفسية التي خلقها بين الأب (المؤلف) و الابن(الكتاب)، و النتيجة التي خلص لها عملية التواصل العضوية و اللغوية ، و من هنا فالخطاب الحقيقي الذي يتلقاه القارئ من الابن (الكتاب)أو النّص في مستواه المتحرر من روابط الأبوة الغالبة عليه ، و تغييب الأب (المؤلف) ، تلك حجة قوية في استرسال مفاصل العلاقة العضوية بين الطرفين ، فلذّة النّص تحصيل ثابت بموت المؤلف كحاصل مؤكد .. ـــــــــــــــــــــ (01)- نقد و حقيقة / رولان بارت . (02- لذّة النّص / رولان بارت.
التعليقات (0)