فوز روحاني في الإنتخابات الرئاسية في إيران كشف عن الوجه الحقيقي للصراع على السلطة في إيران . فتارة يظهر الصراع بين التيّارات المختلفة التي تدّعي أحقيتها في الإرث الذي تركه الخوميني مؤسس الثورة في إيران.لأنّ تلك التيارات لديها أيديولوجيتها الخاصة فالمصلحة هي التي جمعتها تحت مظلة الثورة التي قادها الخوميني والأة يقودها وريثه ، رغم التناقضات العديدة التي تحكمها ، فعند انتهاء تلك المصلحة يبدأ الصراع على أشده بين تلك التيارات.
الإنتخابات الرئاسية الماضية التي انتجت فوز روحاني في السلطة، رغم أنها لم تكن نزيهة ولم تكن في يوم من الأيام حرة ولا ديمقراطية ؛ بسبب انحسارها على الموالين للنظام وانغلاقها على معارضي أومنتقدي النظام.لكنّها كانت نتيجة لإفراز شخص معتدل ذو ميول إصلاحية لم تك المتغيّرات عبثية ولم تأتِ من فراغ. فلو أراد خامنئي أن يمنع فوز روحاني لاستطاع بكل سهولة لأنه يمتلك آلية المنع بيديه. فهو الذي يعيّن أعضاء ورئيس مجلس صيانة الدستور الذي يعمل كدائرة رقابية تحت امرته لمنع معارضي النظام من تولّي مهام سيادية في الدولة الإيرانية.
استغلّ خامنئي ترشّح روحاني المقرّب من رفسنجاني لرئاسة الجمهورية استغلالاً ذكيّاً. فوجود الأخير في السلطة التنفيذية في إيران يجلب مرحلة من التهدئة وإرجاع الأمور الى نصابها بعد أن تحوّلت فترة أحمدي نجاد الى أسوأ فترات الحكم و أكثرها قسوة على نظام طهران بسبب الضغط الدبلوماسي الدولي والعقوبات المفروضة نتيجة سياسة أحمدي نجاد الغير محسوبة خاصة في الملف النووي ومعاداة الساميّة. فتقديم روحاني كوجه جديد للعالم من شأنه تخفيف الضغط على طهران ومنح النظام فرصة لاستعادة أنفاسه التي أرهقها حكم نجاد.وذلك بسبب المعرفة السابقة دولياً بروحاني كونه الدبلوماسي الذي أوصل بلاده الى هدنة في الملف النووي في فترة حكومة خاتمي الإصلاحي عندما كان كبير المفاوضين الإيرانيين. للرجل حنكة دبلوماسية و نفس طويلة في التفاوض تمكّنه من إدارة البلاد داخليّاً وخارجيّاً وهذا ما كان يحتاجه خامنئي منه لإدارة المرحلة الحساسة التي تمرّ بها البلاد.
اختيار روحاني أو فوزه بالإنتخابات لم تكن إرادة الشعوب في إيران فقط وإنما إرادة خامنئي أيضاً لأنه هو الذي مكّنه من الصعود الى هذا السّلم وإلاّ لاستطاع أن يفعل به كما فعل بقادة الإصلاح الذي يقبعون حايّاً في قفص الإتهام و الإقامة الجبرية . في حين كان أحدهم أوشك أن يصبح زعيماً للبلاد لو لا معارضة خامنئي له وتفضيل نجاد علىه وعلى جميع المرشحين في عام 2009.
لكنّ عام 2013 وهو عام تغيير كفّة القوى في طهران لصالح روحاني تغيرت فيه الظروف الداخلية مثلما الخارجيّة بعد انتفاضة الشعوب في إيران ضد نجاح نجاد لولاية ثانية .و بفضل الإستياء العارم للقمع والسجن و الإعدامات في البلاد والغلاء والبطالة و تزايد التذمّر من سياسة البلاد استطاع روحاني بناء حملته الإنتخابية التي قهر فيها خصومه المتحالفين مع خامنئي . ناهيك عن النفق المظلم الذي كانت البلاد تمرّ به البلاد نتيجة الانسداد الحاصل في الملف النووي. أضف الى ذلك الثورات العربية التي أضرت طهران وأفقدتها بعض حلفائها وقللت من مكانتها في العالم العربي بسبب دعم الأخيرة لزعماء ضد توجهات الشعوب المنتفضة وخاصة في سورياو تجنيدها لحلفائها في لبنان و العراق و إرسالهم لنصرة الأسد وقتل الشعب السوري.
إنّ الصراع على السلطة في إيران والشرخ الكبير بين التيارات والحرس الثوري والقوى الأمنية والمرحلة الدقيقة من المتغيرات في المنطقة والعالم أرغمت قادة طهران ومرشده على وجه الخصوص القبول بروحاني كحل وسط بين تيارات السلطة و تقديمه كحل للملف النووي وأيضاً خروجاً من الأزمة التي تمرّ بها البلاد. فإرادة اختيار روحاني في السلطة مجتمعة بين الدعوة للتغير من قبل أبناء الشعب و البحث عن حل وسط داخل تيارات النظام و كذلك بين النظاام والمجتمع الدولي .لكن هل سيتمكّن روحاني بأن يكون بيضة قبّان بين النظام و العالم وحتى بين النظام الشعوب الإيرانية تطبيقاً لشعاراته التي رفعها خدمة للشعوب و مصلحة لنظامه الشهور القادمة كفيلة بالإجابة؟!.
التعليقات (0)