مواضيع اليوم

روحانيات الحج

أبوحلاوة التهامى

2009-12-06 07:16:11

0

الحمـدُ للهِ الذي امتنَّ علينا بنعمة الإسـلام ، و فَضَّلنا على سائر الأمم، و منحنا مواسمَ للخيرات ، فيها مِن النفحات العَطِرات ما يُزيدُ الحسنات ، و يرفعُ الدرجات ، و يُكَفِّرُ السيئات .. و الصلاةُ و السلامُ على البشير النذير ، و السِّراج المُنير ، محمد بن عبدالله ، صَلَّ اللهُ و سَلَّمَ و باركَ عليه و على آله و صحبه أجمعين . احبتى في الله بعد أن من الله على بأداء فريضة الحج هذا العام وفى وسط هذه الروحانيات الربانية لم أجد ما أعبر به من كلمات أو ما أدلى به من عبارات فالمشهد عظيم، وروحانياته مرتفعة ،فالكل جاء بشوقٍ و حُب ، مُلَبِّين مُكَبِّرين ، مُستجيبين لدعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام: (( وَأَذِّن في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجًالًا وَعَلَى كُلِّ
ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (( الحج / 27 .. الكُلُّ جاء و ألسنتهم تلهجُ بذِكر الله .. الكُلُّ يَحمدُ اللهَ أنْ يَسَّرَ له الوصولَ لمكة المكرمة ،و أعانه على أداء فريضة الحَـج ..وهاهي جاءت الأفئدة تهوي إليه استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام : ? فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ? [إبراهيم : من الآية37 } ، فافهم معنى { أَفْئِدَةً } لتدرك أن الرحلة ليست رحلة أجساد غائبة بل رحلة قلوب مشتاقة وأرواح منقادة تنجذب إلى بيت الحبيب رغما عنها ، وتسعى إليه دون أن تشعر.
فيتحقق بأنك تستشعر أنك تطأ بقدمك موضعا وطأته قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترابا مشى عليه الحبيب ، ولعلك تبكي من خشية الله فيسيل دمعك على تربة سقتها دمعة صحابي أو رواها دم نبي ، وتتنفس نسمات هواء ملأت صدور خير خلق الله ، وها هي الآن تملأ صدرك لتزيدك شوقا وتغمرك حبا وتعيد إليك ذكريات الكرام المرسلين والصحب الأولين.
هنا بمكة آي الله قد نزلت ... هنا تربى رسول الله خير نبي
هنا الصحابة عاشوا يصنعون لنا ... مجدًا فريدًا على الأيام لم يشُبِ
ورحم الله الشيخ الشعراوي حين قال : " وإذا كانت المساجدُ في جميعِ بقاعِ الأرضِ بيوتَ الله وفيها نتقربُ إليه بالجماعةِ والاجتماعِ على الذكرِ والاعتكافِ مع أنها بيوتُ الله ولكنْ باختيارِ عِباده ؛ فكيف يكون التقربُ إلى الله في بيتِهِ الذي اختاره؟! ".
ومن الشوق أن تدرك أنك تزور رب البيت لا البيت ، وتطلب القرب من الغفار لا من الأحجار . ومن الشوق أن الناس يثوبون إلى البيت كلما فارقوه ، ويشتاقون إليه فور أن يتركوه ، ولا يشبعون منه أبدا ، لأن من ذاق لذة القرب عرف ، ومن شرب من نهر الحب اغترف. قال تعالى : ? وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً ? ] البقرة : من الآية125 إن الحاج إلى بيت الله لا يلتفت قلبه إلى غير الله ، فلا تعود تذكر أهلك ومالك وعملك ، بل لا يملأ قلبك طوال رحلتك سوى هم جليل يتزلزل بسببه كيانك وتضطرب أوصالك ، قد يكون مثلا أن يغفر الله لك فيقلب صحيفة ذنوبك بيضاء نقية ،
أو أن يصطفيك من عباده فيُمتِّعك بالنظر إلى وجهه الكريم ، أو أن يؤويك إلى جوار نبيه ويجعلك من جلسائه المقرّبين ، أو غير ذلك من عظائم الآمال وجلائل الأمنيات -تعقد المعاهدات دومًا في بداية أمر ما ، والتلبية معاهدة مقدّسة بين العبد وربه ، فهي ليست نهاية بل بداية ، ومن عاد من الحج فقد رجع بعد أن أبرم العهد مع الله ، ليعود بعدها من مقام العهد إلى مقام العمل ،
ومن وعد اللسان إلى تصديق الجوارح ، فعملك الحقيقي إنما يبدأ بعد حجك ، لذا فالواجب عليك أن تخجل من مخالفة الله بعد انطلاق هذه الكلمات من فمك ، فإن رجوع الرجل عن وعده لمخلوق ضرب من الدناءة وانخلاع من صفات الرجولة ، فكيف إذا كان الوعد مع الخالق؟!
ويقول أحد العلماء أن الغاية من الفريضة تطهير القلب والنفس من كل خبيث، وهو ما يصوره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه". ولذا يجب على وافدي بيت الله الحرام أن يعملوا جاهدين على تنقية قلوبهم، وانتهاز فرصة الحج لنيل رحمات الله ومغفرته. فيستيقظ ضمير الفرد المسلم، وينجح الحج في تربية المجتمع المسلم على الطهر والنقاء
فلو تذكر الحاج وهو يلبس ملابس الإحرام اللحظة التي سيخرج فيها من دنياه، ولو فكر وهو يطوف تردده بين يدي رب العباد يوم القيامة، أثناء الحساب والجزاء، ولو تذكر وهو يقف على عرفات تجرده من زينة الحياة الدنيا وألفته ووحدته مع بقية الحجيج على اختلاف ألوانهم ولغاتهم، ولو تذكر وهو يذبح الهدي أنه يقدم روحه وهي أغلى ما يملك فداء للدين.
ولو تذكر وهو يحلق أو يقصر أنه لا يذهب الأذى عن رأسه وإنما يستجلب مغفرة الله لكل شعرة من رأسه، لو استحضر الحاج كل هذه المعاني وهو يؤدي المناسك لأدرك قيم الوحدة والتآلف والتقوى والرحمة والتراحم. وهي معاني هامة لتمام الإيمان، ويعود المسلم من حجه وقد تزود بأخلاق سامية وروح إيمانية عالية؛ نحتاج إليها في ظل عالم ودع القيم وتنكر للمبادئ والأخلاق" وصدق القائل
إليك إلهي قد أتيتُ ملبياً فبارك إلهي حجتي ودعائيا
قصدتك مضطراً وجئتك باكياً وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
كفاني فخراً أنني لك عابد فيا فرحتي إن صرتُ عبداً مواليا
أتيتُ بلا زاد وجودك مطمعي وما خاب من يهفو لجودك ساعيا
إليك إلهي قد حضرتُ مُؤمّلاً خلاصَ فؤادي من ذنوبي ملبياً
إنها دموع جرت على خد باكيها عندما رأت البيت الحرام بكاء المشتاق الذي انقطع أمله من لقاء شوقه فإذا هو أمامه وبين يديه. ودموع ابتلت منها أرض المطاف يحس بها من لسعت قدميه حرارتها. ودموع أروت الفُرش في سجود وخضوع وخشية وأزيز كأزيز المرجل قد كتمها باكيها ولكنها أبت إلا أن تُسمع من حولها من حرّ ما تجد في قلبها!!
ودموع اغرورقت بها عينٌ ملأت نظرها واروت عطشها من جنبات البيت الحرام وعاشت به في روحانية وسكينة وهي اليوم تودعه أشد من وداع المحب لحبيبه وهي لاتدري أتلقاه بعد يومها هذا أم لا!!
إنها دموع حرّا هملت من عين كسيرة وقلب شجي وبدن خاشع خاضع ,, ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت,أسأل الله العلى القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يرزقنا الحج والاعتمار إلى بيته مرات عديدة وأن ييسر لمن أراد الحج أو الاعتمار إلى بيته إنه القادر على ذالك سبحانه واختم قولي سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !