مواضيع اليوم

روايــة بنأت الرياض رؤية جديدة الحلقة الأولى

زكي السالم

2008-05-23 00:00:00

0

    في زيارتي لمعرض الكتاب الدولي بالبحرين دخلت إحدى دور النشر المتربعة في صدر المعرض وطلبت من البائعة هناك رواية رجاء الصانع «بنات الرياض» فأحضرتـها لي وحدقت في وجهي هنيئة وعلى محياها ابتسامة صفراء وبرتقالية وحمراء بل «رينبو» شخصيا بارك على وجهها.. وقالت هل تريد كتابا آخر وعند إجابتي بالنفي.. تبرعت بنفسها وجلبت لي كتابا جنسيا من الدرجة الأولى فقلت لها وبراءة «اليهّال» في عيني: لم أطلب هذا الكتاب فقالت هو من نفس النوعية.. فسألتها هل قرأت الرواية قالت لا، عندها سكت عن الكلام المباح وأخذت الرواية ومشيت.

    لمَ ألـم هذه الفتاة على نظرتـها المريبة واعتقادها أن من يطلب هذه الرواية فهو باحث متخصص في شؤون الجنس علما أنـها لم تقرأها وذلك لكثرة ما سمعت من آراء وتعليقات معلبة حول هذه الرواية واتـهامها بأنـها جاوزت الخطوط الحمر وصعدت فوق الرصيف وفحطّت وخمّست داخل حي راقٍ ..

    بالنسبة لي فقد قرأتُها من الوريد إلى الوريد محملا ومعبئا بكل هذه الآراء المتشنجة وفي يقيني أن قراءتي لن تفتح لي آفاقا جديدة نحو تغيير فكرتي المأخوذة مسبقا نتيجة هذا السيل الهادر من الانتقادات فقط كل ما أرجوه من هذه القراءة الاستدلال ببعض الجمل والفصول على فسق وعهر هذه الرواية حتى إذا ما تربعت وتقرفصت في مجلس من المجالس إياها نفخت أوداجي وتنحنحت وصببت جام وقشطة وبنات بتر غضبي على هذه الرواية وعلى الكاتبة بالخصوص متهما إياها بكل ما حمل قاموسي الاتكالي والطفيلي الذي يعب آراءه من جهد غيره ليعطوه حكمهم الجاهز..

هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أشرع في تصفح الرواية ولكن بعد أن قرأت صفحات منها وغصت حتى أم وخالة رأسي فيها لم أرَ ما يقال.. لا أخفيكم كنتُ متضايقا أن لم أجد ضالتي ولكن قلت أُكملُ وأكملتُ حتى أتيت على آخرها ووصلت «إلى مكان ماضيّع إبليس ولده» من الرواية فلم أجد ويا للأسف الشديد ما أبحث عنه.

    لعل الناس هنا معذورون في نظرتـهم السوداوية الحالكة لهذه الرواية وحشرها في زاوية ضيقة من الشتائم والتهايم ففي يقيني أن الكاتبة نفسها أرادت هذا الشيء لغرض في نفس يعقوب وحاولت مستميتة أن تُعمق هذه النظرة في عقل من يقرؤها.. فبجمل متناثرة هنا وهناك من الرواية رسخت في ذهن القارئ أن ما ترويه من قصص صديقاتـها - كما سمتهم - حقيقي وحصل بالفعل.. وذلك بعد إعداد المتلقي لهذه الرسالة التي أرادت إيصالها من خلال إثارة فضوله واستغلال نهمه للولوج إلى عوالم طالما كانت موصدة في وجهه على مر السنين..

ففي الصفحة (9) من الرواية وهي واقعا الصفحة الأولى من تسلسلها السردي تقول رجاء «... أنتم على موعد مع أكبر الفضائح المحلية، وأصخب السهرات الشبابية..... لكل من هم فوق الثامنة عشرة، وفي بعض البلدان الحادية والعشرين، أما عندنا فبعد السادسة.... للرجال وسن اليأس للفتيات. لكل من يجد في نفسه الجرأة الكافية على قراءة الحقيقة عارية على صفحات الانترنت..... إلى كل من مل قصص الحب الطرزاني،..... إلى كل الساخطين والناقمين، الثائرين والغاضبين،... إليكم أكتب رسائلي» انتهى..
    يعني على عينك يا تاجر.. يعني إللي ما يشتري يتفرج، تُعدهم لمشهد إباحي فضائحي فوق الثامنة عشرة.. ثم تسترسل لتقول «.... فقد آثرت تحريف القليل من الأحداث مع تغيير الكثير من الأسماء، حفاظا على العيش والملح، بما لا يتعارض مع صدق الرواية ولا يخفف من لذع الحقيقة. صحيح أنني مستبيعة...» انتهى

    فبعد أن هيأت الجميع لوليمة فضائحية محلية صاخبة وبعد أن وعدتنا بقول الحقيقة عارية كما ولدتـها أمها.. عادت لتوقد النار من جديد.. فتقول مع كل هذه الوعود إلا أنني مضطرة لتغيير بعض الأحداث.. فبالله عليك من يقرأ هذا الكلام مع خلفية تحريضية ضد الرواية مسبقة ماذا عساه أن يقول.. قطعا سيمزقها ولن يكمل قراءتـها ويهيم على وجهه في الآفاق شاتما ومحرضا على هذه الرواية والراوية..  

ولو استرسل ملقوف مثلي وأراد إكمال الرواية واقتنع أن شخوصها ربما يكونون من نسج الخيال تصدمه في الصفحة 317 تحت عنوان بيني وبينكم.. ها.. لا أحد يدري أنتم فقط المعنيون بهذا السر «أعجبت ميشيل - اسم إحدى بطلاتها - بالقصة كثيرا وأثنت على طريقتي في السرد.... سديم - بطلة أخرى - لم تفصح لي عن مشاعرها....» لم ترد الكاتبة أن نصب ماء باردا على انتقادنا اللاذع لنقول لعلها خيال.. فتحاول أن تجير تفكيرنا إلى أن الأحداث والحبكة الدرامية واقعية.. ربما علمت أن رواية لشابة في مقتبل عمرها لم تعسجها وتعصرها الحياة بتجاربـها لن تُستقبل باكورة إنتاجها بترحاب إلا بالدخول في حقل من الألغام داخله مفقود ومغادرها مولود.. فركزت بكل ما أوتيت من قوة على التحرش بالمجتمع النجدي ونقده نقدا لاذعا ووصفه بالبداوة والتخلف وعدم الإتكيت في حين تثني ثناء منقطع النظير على مجتمع الغربية وجدة غير فشبابـها يمتاز بدماثة الأخلاق والالتصاق بالبرستيج والإتكيت التصاق البمبرة بالرخام الأملس.. هي تدرك أن هذا سيثير عليها أناسا يسهل إثارتهم بأقل من ذلك..

    ولا ننسى فكرة تحديد الأماكن التي كانت مسرحا يتناقز عليه أبطال الرواية «جامعة الملك سعود، كلية الطب، الرياض، جدة، الخبر، طريق الرياض الدمام.. إلخ» هذه الأشياء وعن تجربة في الشعر تدير دفة تفكير المتلقي لتنتزعها من الخيال إلى الواقع ومن الصعب عليك إقناعه بغير ذلك.. فقط قص عليه قصة وحدد لها أماكن وانظر ما يصنع

    إذن الكاتبة أرادت أن تدخل المتلقي في عالم الواقعية ومن ثم الدخول في عوالم ومشاهد لطبقة مخملية والتقاط الجزئيات الصغيرة قبل الكبيرة في حياتهم وفي ظني أنها نجحت نجاحا باهرا في هذا الصدد الأمر الذي جعل كاتبة مثل الدكتورة دانية الشويعر تهاجمها هجوما لاذعا وتحاول أن تفند «مزاعمها» الواحدة تلو الأخرى فتقول في مقالها المنشور بجريدة الرياض «ولكوني طبيبة تخرجت من جامعة الملك سعود طب بشري واعرف أغلب طالبات كلية الطب في الوقت الذي كانت رجاء في كلية طب الأسنان ولم اسمع كلمة تسيء ولا حتى شبهة على أي طالبة في كلية الطب وان الجو الجامعي يتصف بالجد والعمل الصارم في كل أنحاء الجامعة ولا يوجد وقت لطالبة لأي نوع من العبث الذي أشارت إليه الرواية عن إحدى طالبات كلية الطب وهي لميس.» يعني ألقت بظلال الواقعية على وهج الخيال وشمرت عن ذراعيها لترد هذه الفرية عن كل دارسات كلية الطب وكأنهن معصومات من الزلل.. وكأن المشاعر المخبأة في قلب كل واحدة منهن لا يجوز لها حتى الهمس بها مع نفسها.. ثم تعود الدكتورة دانية لتقول «وطالبة الطب تتصف بالذكاء ورجاحة العقل وبعد النظر وإلا لما استطاعت دخول هذا المجال الصعب جداً..» إلى آخر اعتراضاتها الكثيرة جدا على الرواية..

وكأن الكاتبة مؤرخة يُطلب منها الدقة في كل كلمة تقولها.. عموما الدكتورة قدمت لنفسها العذر في البداية فقالت «قراءتي لهذه الرواية ليس لنقدها من حيث أسلوبها أو تماسكها الدرامي أو ترابطها من حيث أدوار شخصياتها أو من أي رواية نقلت أحداثها فهذا متروك للمتخصصين من الأدباء وهم كثر في بلادنا والحمد لله.».. هذا غيض من فيض من الهجوم العنيف ضدها..

    المهم أن الكاتبة أرادت أن تثير نقمة المجتمع عليها ونجحت في ذلك.. خاصة في ظل مجتمع يكره المرايا ويريد أن تظل صورته نمطية ذات نسق واحد لا يتغير..

    في تصوري أن الكاتبة لم تتجاوز الخطوط الحمراء ككثير من الروائيين الذين لا تحلو لهم الحرية إلا إذا انغمسوا في مواضيع الجنس ونقد الدين نقدا لاذعا كي يتمكنوا من الوصول إلى أكبر شريحة من خلال العزف على الحساس من مشاعرهم..

    رجاء الصانع حاولت إيهام القراء بذلك ولكنها لم تدخل.. إن مجرد الحديث وسرد قصص لفتيات عشن حياة منفتحة نوعا ما في مجتمع متحفظ لا يكفي لنـزول هذا الوابل من النقد اللاذع الذي خدم الرواية وقدم لها دعاية مجانية، لولاها لصرفت دار النشر عشرات الألوف للوصول إلى هذه الغاية.. خاصة أنني أعتقد أن شخوص الرواية ليسوا حقيقيين وأن سديم ولميس وقمرة وميشيل اللاتي جعلت منهن بطلات لروايتها وكذلك فاطمة الشيعية ما هن إلا من نسج خيالها مع يقيني أن هذه الفئة من الفتيات موجودات بكثرة في مجتمعنا ويعشن ويمارسن كل ما حكته الروائية بحذافيره.. فهي تحدثت عن مجتمع في ظني أنها قريبة منه أو التقطت أحداثه وجزئياته من لصيق أو لصيقة به..

ما أريد قوله أن الحكايات المروية من نسجها.. ولكن توأمها موجود على أرض الواقع..

وللحديث بقية.. نتناول فيه نقدنا للرواية ..

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات