والآن سأستعرض عضلاتي المفتولة وعروقي المتفصدة في التعليق على هذه الرواية مع إدراكي ويقيني أنني غير كفء لهذه المهمة بيد أني سأدوّن انطباعاتي الخاصة وليحصل ما يحصل..
بين أوائل عامي 2004 و2005 ميلادية انهمرت على كثير من مستخدمي الإنترنت بالسعودية «إيميلات» دورية، كانت تحط رحالها في أحضانـهم مساء كل جمعة، ترسلها فتاة مجهولة الهوية تشرح فيها وبشكل تشويقي قصص وسوالف صديقاتـها الأربع «قمرة القصمنجي وسديم الحريملي ولميس الجداوي وميشيل «مشاعل» العبد الرحمن» وعادة ما تختتم المرسلة «أيميلها» بشكل فجائي كما يحدث في المسلسلات العربية لتُبقي المتلقي مشدوها وفاغرا فاه في انتظار القادم الجديد ليُضمر فضوله المترهل.. وعادة ما تكون هذه الايميلات حديث الناس في أعمالهم وتجمعاتهم في اليوم التالي،، لأن الكاتبة وكما أسلفت أقنعت الناس أنها عميلة سرية لهم تتجسس على صديقاتها لتلتقط الصغير والفضائحي من أخبارهن وتنقلها إلى غرفة العمليات «بريدهم» مصحوبا بتوصيات قوية «ها لا أحد يدري ها الأخبار بس لكم انتو» وطبعا الناس - مثل المهبل - مصدقين..
تبدأ رجاء روايتها بتقمص شخصية الراوية «موا» التي جاءت من سبأ بنبأ يقين، وبطريقة «الفلاش باك» تشرع في سرد «السري» من حياة صديقاتـها الأربع قمرة وسديم ولميس وميشيل،، وميشيل هذي بالذات التي تركز «الزوم» على جسدها النحيل الممشوق المتناسق اللدن الذي يطاوعها في تأوده وتمايله كأفعى «الكوبرا» وهي تقلبه ذات اليمين وذات الشمال على أغنية محمد عبده في حفل زواج قمرة القصمنجي على راشد التنبل «والذي يجمع النقيضين في اسمه فهو راشد وتنبل في نفس الوقت» وهو الذي سيعيش في أمريكا ليحضر الدكتوراه وكذلك هو الصخرة الملساء التي هطل عليه الشعور فتركه صلدا لا يقدر على مغازلة زوجته أو حتى الابتسام في وجهها خوفا من النظرات المتجمعة نحوه..
بعد الحفل تخرج الفتيات وبطريقة المتسكعين في أفلام «الكاوبوي» فيدخلن أحد الأسواق لتتعرف ميشيل هناك على فيصل البطران والذي تبدأ قصتها معه بتبادل «المسجات» ثم المكالمات بعدها يأتي اللقاء فالاستلطاف إلى درجة ذوبان عواطفها ومشاعرها في شخصيته القوية و«إيتيكيته» المبهر فتعيش في أحلامها الوردية معه أجمل لحظات حياتـها.. كان فيصل دقيقا جدا حتى في اختيار الهدية التي أهداها لميشيل،، وحتى في الدبدوب الناعم الذي لم ينس أن يعلق في أذنيه «قرطين ماسيين على شكل قلبين... حتى تعلقهما دبدوبته الجميلة في أذنيها صـ 71»،«لم يخطر ببالها قبل تعرفها إلى فيصل أن بإمكان الشاب السعودي أن يكون رومانسيا كغيره من شباب العالم المتحضر صـ 103» إلا إنـها وعلى طريقة «أسامة أنور عكاشة» الذي لا تنتظم شخصياته في حياتـها الزوجية، وعادة ما تنتهي بالطلاق.. هنا أيضا ميشيل تفاجئ بفيصل يصدمها بقرار أمه «ست الحبايب» الجائر الذي يأمره بإنـهاء علاقته مع هذه «المتحررة» والزواج بإحدى قريباته لأنه وكما قال أحد الفلاسفة قديما «حلاة الثوب رقعته منو وفيه» بافتراض أنه ثوب مشقق والرقعة المغايرة تشوهه.. فتبقى منكسرة حزينة لا حول لها ولا قوة، وهنا تقفز النظرة السوداوية للرجال الذين تجري الخيانة في دمهم «كما تومي إليه الرواية» مجرى الهم في قلب خسران في الأسهم.. علما أن السبب في نفوره منها هي أمه والتي من المفترض أن تكون امرأة، أو هذي العادة في الأمهات.
من هول الصدمة لجأت ميشيل إلى طبيب نفسي، غير أن إحساسها أن فيصلا يحمل لها من الحب أكثر مما تحمل له ولكنه ضعيف وسلبي وخاضع لإرادة المجتمع.. هذا الإحساس خفف عليها الوطأة نوعا ما.
الدراسة في أمريكا هذا ما قررته أخيرا، العودة للبلد الذي نشأت فيه مع والدها السعودي وأمها الأمريكية فتشد الرحال إلى هناك إلى سان فرانسيسكو لتجد ابن خالها «ماتي» في انتظارها ليبدأ معها مشوارها الجديد كان يساعدها في كل شيء ويشرح لها ما استعصى عليها من دروس ويصاحبها في جولاتها في بلد العم سام، استمر هذا التجاذب بينهما والإعجاب على مدى عامين حتى أحست بميل نحوه «كان أكثر ما يعجبها في ماتي احترامه لوجهة نظرها مهما يكن الاختلاف بينهما. صـ 187» ولكن هل سيقتنع والدها بتلميحاتها ورغبتها الزواج من ابن خالها.. والدها الرجل المتحرر والذي قضى نصف عمره في أمريكا لم يستطع الانفلات من قيود مجتمعه «كما تزعم الرواية».. ووالدتها الأمريكية التي أسلمت أخيرا يرفضان هذا الزواج من ماتي المسيحي فيقرران على الفور الهجرة والعيش في مدينة دبي هناك «وبتسلسل درامي مهترء» تعمل ميشيل في إحدى المحطات التلفزيونية فيستلطفها المخرج حمدان الشاب الإماراتي ذو الأنف المسلول كالسيف ويتقرب منها مبديا بتلميحات بريئة رغبتها الزواج منها.. «رغم كل هذا، لم تستطع ميشيل أن تحبه،... إذا كانت أسرتها ترفض ارتباطها بقريبها الأمريكي، وأهل السعودية يرفضون ارتباط أحد أبنائهم بها، فهل سينفك النحس مع حمدان الإماراتي؟ صـ 276»..
إذن «يبدو كل شيء في حياتها ممتازا ما عدا مسألة الزواج صـ 276».. هنا تقف الرواية مع ميشيل في المحطة ما قبل الأخيرة من تسلسلها السردي.. لتنطلق إلى محطة الوصول وعودته في زيارة خاطفة للسعودية وحضور حفلة زواج حبيبها الأول فيصل البطران متنكرة، يعرفها فيصل فيزداد غرورها واعتزازها بنفسها وتغادر القاعة بعدما تيقنت أن من اختارتها أمه له وفضلتها عليها لا تصلح أن تكون خادمة لها..
أما قمرة القصمنجي والتي يسوقها حظها العاثر لتحط في أرض العم سام مع تنبلها أقصد زوجها راشد التنبل فتسكن إحدى ناطحات السحاب في «شيكاغو» لتشعر بالغثيان والدوار كلما نظرت للسيارات في الشارع من تحتها كعلب الكبريت،، مع إحساس بالملل قوي خاصة وأن هذا التنبل يتركها بالساعات وأحيانا بالأيام وحدها في هذه الشقة الكئيبة.. ليعود إليها آخر الليل «فيلقي بنفسه على السرير كعجوز خائر القوى لا كعريس جديد صـ 34»، أما هي فكان حلمها «كثير من الملاطفة وكثير من الحب وكثير من الحنان والعواطف «....» وهاهي تجد نفسها أمام زوج لا يشعر بانجذاب نحوها صـ 35».
في البداية اعتبرت أمر غيابه المستمر واللامبالاة بعواطفها عاديا ولكن بالمصادفة تكتشف علاقته بـ «كاري» الفتاة اليابانية والتي ما زال راشد من «تنبلته» يحتفظ بصور تجمعه بها في حاسبه الآلي.. فوقعت عيناها عليه بالمصادفة، إذن هي كاري بضآلة جسمها التي تعيد لها راشدا «منشكحا وسعيدا ومبالغا في إظهار مودته» صـ 93.
قررت قمرة مقابلة «كاري» والتفاهم معها في أمر هذا «التنبل» وتحينت الفرصة لذلك، قبل ذلك قررت عدم تناول حبوب منع الحمل لتعمل بنصيحة أمها «ما لك إلا عيالك يا بنيتي. العيال يربطون الرجال» صـ 95..
كسرت هذا التردد وحزمت أمرها لمقابلة «كاري» ومن تكون كاري حتى لا تقابلها ولا تواجهها إنها مجرد فتاة يابانية لعوب هكذا حدثتها نفسها،، ولكن يبدو أن حديثها مع نفسها لم يعجب كاري فقالت لها بلغة لا تخلو من الحزم والوقاحة.. «لقد عانى راشد الكثير ولا بد من أن تعملي على تحسين نفسك من الداخل والخارج حتى ترتقي إلى المستوى الذي يستهويه، حتى ترتقي إلى مستواي» صـ 99،، هكذا بكل صلافة لم تتمالك معها قمرة نفسها فأطلقت للسانها العنان لينهال شتما وسبا على كاري، ثم تغادر الفندق وهي مدركة أن ما دار بينهما ستوصله هذه اللعينة لراشد..
كما توقعت يقتحم عليها راشد المكان ويأمرها أن تعتذر لكاري فلما رفضت بشدة وزل لسانها بأنها حامل ينهال عليها ضربا وتقريعا ويعيدها في أقرب طائرة لأهلها وبعد أيام تأتيها ورقة طلاقها،، هكذا وبكل صفاقة، لتؤكد رجاء أو «موا» أن الرجال مالهم أمان وكميشيل تتحطم أحلامها على صخرة هذا الجاهل «التنبل» الذي يُبقي في أحشائها ولدا يذكرها به كلما حانت منها التفاتة سعادة..
«وللحديث صـلة مع سديم ولميس»،،
التعليقات (0)