مواضيع اليوم

رواية بنات الرياض رؤية جديدة الحلقة الثالثة

زكي السالم

2008-05-28 18:49:47

0

أما الثالثة وهي سديم الحريملي فقد بدأت خطاها التي كُتبت عليها مع دخولها مجلس أبيها حيث كان وليد الشاري ينتظرها هناك على أحر من الجمر «صـ 36» ليراها الرؤية الشرعية قبل الزواج بمحضر والدها،، سبحان الله يأسره جمالها ويأخذ بمجمع قلبه سحرها فتسرق منه التفاتة وهو يتلصص النظرات ليتفحص قوامها الفارع وقدها الضامر فيشاغبها كعادته «على فكرة سديم ترى وظيفتي فيها سفرات كثيرة للخارج.. صـ 37» فترد عليه وهي تمازح حاجبيها بغنج فاتن..: «ما هي مشكلة. أنا أحب السفر..».

«بدا لها وليد وسيما.. صـ 38» وشعرت أنه الرجل الذي ستكمل معه حياتها بكل أحلامها الوردية «والبنفسجية»،، وبجرأة مستحبة طلب وليد من أبيها رقم جوالها فأعطاه إياه، ليبدأ من هنا مشوار المكالمات المنهمر والذي سيحيل ليلهما نهارا ليفسح المجال أمام هذه العواطف المتدفقة.. لم يكن وليد مشاغبا، كل أمانيه قبلة على جبينها عند وداعها في الثانية صباحا بعدما تعود أن يزورها من بعد صلاة العشاء حتى هذا الوقت المتأخر، خصوصا أنها صارت «حليلته» الآن بعد عقد قرانهما..

في إحدى الليالي وفي أثناء انهماكهما بأحلامهما الوردية أرادت سديم أن تُزيل عن وليد ذلك الغضب الحارق الذي شعر به وهي تطلب منه تأجيل موعد الزواج،، فتسامحت معه قليلا - وهنا أقول إن الرواية لم تتجاوز الخطوط الحمراء، فقد اكتفت رجاء الصانع بتدوين هذه اللحظة بقولها صـ 40 «وبما أن سديم كانت قد نذرت نفسها تلك الليلة لاسترضاء حبيبها وليد فقد سمحت له بالتمادي معها» فقط ليس إلا وعلى القارئ أن يفهم، وقد فهمنا أنه بعد أن نال منها قرر هجرانها مجسدا كل ما حفلت به القواميس العربية من عبارات الدناءة والوضاعة والصفاقة.. إذن هنا منحنى صعب في حياة سديم يطل برأسه..

لندن هي المتنفس الوحيد الذي بقي لها.. هذا ما اعتقدته سديم بعدما هجرها وليد الشاري وبعد أن رسبت في نصف موادها بسببه، وفي الوقت الذي أمضته هناك لقضاء إجازة طويلة،، تعرفت على فراس الشاب السعودي الذي يدرس في لندن وبعد عدة لقاءات بريئة.. تودعه في ليلة عودتها إلى الرياض قافلة إلى بلدها وكثير من الهم الذي زرعه وليد في قلبها قد تبدد، كالعادة وفي الطائرة تبدأ السعوديات رحلة إعادة ما سلخنه عن أجسادهن من عباءات.. «عندما تصطف النساء والرجال صفوفا - كذا وردت - أمام أبواب الحمامات لارتداء الزي الرسمي.. صـ 134»، لميس شاركتهن في الغاية ولم تشاركهن في التوقيت إذ اتجهت إلى الحمام لتغيير زيها في أول الرحلة وليس في آخرها كما يفعل الآخرون وعند عودتها لمقعدها تُصعق لوجود فراس أمامها، هل هي الصدفة؟.. هذا ما ادعاه..

افترقا في مطار الرياض بعد اتفاق مسبق على مداومة الاتصال بينهما، كان فراس حريصا جدا على إطلاع سديم على كل تحركاته وسكناته،، عشقته إلى درجة الذوبان، وهامت به إلى درجة الانصهار، ملأ عليها ست الجهات.. «تصدقين يا خالتي، ما عرفت أن وليد ما يسوى إلا بعد ما تعرفت على فراس.» صـ 190، إذن «أنا ما أبغي من الدنيا إلا فراس. فراس وبس».. «عُمري ما تصورت أني ألقى إنسان أحبه للدرجة هاذي.» صـ 193

كان حلمها أن ترتبط به وتعيش تحت رجليه «أتخيل نفسي أغسل رجوله بمويه دافية وأبوسهم وأمسح بهم على وجهي» صـ 193..

فراس كذلك عشقها بجنون فسديم إضافة إلى شخصيتها الرقيقة وحديثها الآسر وعنفوانها المتألق فهي «أحلى مواهب فينا (....) أحس إنو جسمها مرة أنثوي، ياليت عندي مواهب زيها من....» صـ 17،، هذا الحب وهذا الوله أيضا لم يستمر.. «وعودة لشخوص أسامة أنور عكاشة» يفاجئها بكل برود وبكل حسرة «بأنه قد خطب فتاة تقرب لأحد أزواج أخواته الخمس» صـ 233 أيعقل أن يتزوج فراس بغيرها، أقول يُعقل عند كاتبة مبتدئة لا ترى أن النهايات السعيدة «كأفلام أبو هنود» موفقة ويجب أن تنتهي بعنصر المفاجأة حتى لو تشابه مصير كل الشخصيات عندها فهي تتحدث بتفكيرها ونظرتها وربما بعقدها لا بعقلية مخرج مسرحي يُحرك أبطاله على خشبة المسرح كيف يشاء.. عموما أدع رأيي آخرا وأعود لاستعراض الرواية.. فراس هنا لم يكن خائنا ولم ينل من سديم شيئا كما فعل وليد حتى يهرب ولكنه شخصية سلبية لا يستطيع أن يكسر قاعدة الأهل الموروثة.. ويبدو أن لديه انفصاما في شخصيته فهو يعشق فتاة من جهة ولكن لا يريد الارتباط بها،، فكما يفعل كثير من «المغيزلجية» فتاة يلهث خلفها وفتاة يختارها «بالفرازة» عندما يقرر الزواج. «اعترف فراس لنفسه ولها بأنها وحدها التي تشبع كل عاطفة وغريزة داخله صـ 236» كان حريصا على علاقته بسديم ولكن وبنفس الحرص يتمسك بالأخرى، هي ترفض هذه الازدواجية بقدر رفضها توسلاته الكثيرة في الإبقاء على علاقتهما متوهجة.. فجاء قرارها ببتر هذه العلاقة.

إذن استسلمت سديم لقدرها مع إيمان عميق بأن «الرجال جميعهم من صنف واحد وقد جعل الله لهم وجوها مختلفة حتى يتسنى لنا التفريق بينهم فقط» صـ 234 بعد فترة «شُفيت سديم أخيرا من إدمانها للحب، لكنها كانت تجربة قاسية جدا، فقدت على إثرها احترامها لجميع الرجال، بداية بفراس ومن قبله وليد، ومن دون انتهاء» صـ 286.

أما رابعة الأثافي - إن كان للأثافي رابع - فهي لميس الجداوي التي شاطرت أختها «تُماضر» بطن أمهما لتشكلا توأما جميلا لوالديهما اللذين أعيتهما الرغبة العارمة في إنجاب طفل والدعاء والتضرع إلى الله مستعينين ببرنامج علاج امتد أربع عشرة سنة ليُرزقا أخيرا هذا التوأم الجميل «لميس وتماضر» فيقرران بعدهما التوقف عن هذه الرغبة في الإنجاب لتقدم الأم في السن الأمر الذي سيجلب لها المتاعب لو حبلت مرة أخرى..

لا داعي للتذكير هنا عن تشابه الفتاتين شكلا واختلافها كليا مزاجا وحراكا وشخصية فتماضر بشخصيتها المنضبطة والجادة هي الأقرب إلى أساتذتها في الجامعة أما لميس - وهي التي تهمنا هنا - فهي الأقرب لزميلاتها لظرفها وجرأتها وقربها من الجميع.
 كانت للميس صديقة في الجامعة اسمها فاطمة القطيفية - وهنا تنط سذاجة الكاتبة في أبهى صورها فهي تتصور أن فتاة شيعية لا بد أن يكون اسمها فاطمة وأسم أخيها علي -.

هذه الـ «فاطمة الشيعية» كما تُسميها الشلة تقربت من لميس وكذلك فعلت لميس، في حين أن كل الشلة لم ترتض هذه العلاقة حتى توأمها «تُماضر» كانت «أول الرافضين لعلاقة أختها بهذه الرافضية. صـ 150»..«يا لميس والله سمعت البنات (....) بيقولوا ساكنة لوحدها وعايشة على كيفها «...» تزور إللي تبغاه ويزورها إللي تبغاه كمان» صـ 150». حاولت لميس إقناعهن أن ما يشاع عار عن الصحة ولكن دون جدوى.

لم تعبأ بكلامهن ووطدت علاقتها بـها لشعورها أن هذه الفتاة «تشبهها إلى درجة فظيعة صـ 151» ومن خلال اتفاق مسبق بين فاطمة وأخيها «علي» الذي أُعجب بلميس حين رأى صورة تجمعها بأخته كانت ملقاة في غرفتها بمنزلهما بالقطيف، طلب علي من أخته ترتيب موعد يجمعه بلميس دون أن تشعر الأخيرة بذلك، وفعلا تم اللقاء الذي بدا وكأنه صدفة، وكثرت لقاءاتهما بعد ذلك في «الكافيهات» المنتشرة في كل مكان.. كان طول علي «مئة وتسعين سنتيمترا» و«سمرته الجذابة المشربة بحمرة وحاجباه الكثان، تضفي عليه - هكذا وردت - سحرا ورجولة طاغية صـ 159».. في تلك الفترة كان علي في سنواته الأخيرة في كلية الطب.. وفاطمة ولميس في سنتهما الأولى لذا اختارته لميس ليشرح لها ما صعب عليه.

لم تكتمل فرحتهما ففي إحدى جلساتهما بمقهى بشارع الثلاثين هجمت عليهما جوقة من رجال الهيئة واقتادوهما إلى المركز للتحقيق معهما، بعد شد وجذب وأسئلة محرجة للميس تم الاتصال بوالدها ليأخذها بعد أن وقع على التعهد المطلوب.. وبقي علي محتجزا هناك «اكتشفوا أن الفتى الذي كان معها من الرافضة، وأن عقابه سيكون أقسى بكثير من عقابها صـ 161».. أيضا هنا يُقتل حب لميس في مهده كسابقاتها، «مسكين علي. لقد كان شابا لطيفا، وبصراحة، لو لم يكن شيعيا، لكانت أحبته صـ 161».
 
بعد أن خُنق حبها لم تجد متهربا إلا إلى الشات ليضيع وقتها مع سخافات الشباب الذي يسيل لعابه أنهارا متدفقة كلما أحس أن من تختبئ خلف الكيبورد أنثى أو هكذا يوهمه شبقه.. آه ما أجمل الأنثى عندنا وما أحلى الانقضاض على شبحها.. حصلت لميس على كم هائل من أرقامهم ولكنها لم تعطهم في المقابل رقمها «كانت ما خذه المسألة تسلية وبس»، بعد صد وقبول وبريق وأفول في هذا العالم المشحون بالمتناقضات قررت لميس التفرغ لبرنامج تدريب صيفي في أحد المستشفيات بجدة وهناك تتعرف على نزار وتتزوجه بطريقة تقليدية ربما رجعيتها يخالف تحرر الكاتبة..    

هذا باختصار - أرجو ألا يكون مخلا - لبُ ما سطرته رجاء الصانع في روايتها بنات الرياض..

في الحلقة الرابعة والأخيرة،، سأدلي دلوي في هذه الرواية.. وآمل ألا يكون هذا الدلو ممزقا..

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات