المترجم الخائن
لـ ( فوزي حداد )
جرأة في إزاحة القداسة الوهمية
( كانت لدي قضايا حقيقية، لكنني استعرت قضايا الآخرين )
المترجم الخائن: 425
صدرت رواية ( المترجم الخائن ) أواخر العام الماضي ( 2008م ) وهي أحدى إصدارات دار رياض الريس للكتب والنشر؛ إذ تقع في 486 صفحة. ويحاول الروائي المبدع فواز حداد من خلال رواية ( المترجم الخائن ) أن يبدأ من إشكالية في الروايات المترجمة ليلج من خلالها في عالم المثقفين انطلاقا من شعار الأمانة في الترجمة حيث يقوم ( حامد سليم ) بطل الرواية ومترجم الروايات بتغيير ختام رواية يترجمها لا يرى نهايتها تتناسب وتقاليد المجتمع، غير أن هذا الاجتهاد يودي به إلى هاوية سحيقة إذ يعتبر مترجما خائنا ويفصل من عمله مع تزامن لعين لمشاكل زوجية ليبقى وحيدا مما يتيح له مجالا رحبا للانطلاق فيما يبدو مع أحداث الرواية.
وينطلق ( فواز حداد ) ليعري المثقفين الذين يحاولون الصعود على كاهله – ( حامد سليم ) – بتعريته وبيان عمله بأنه جريمة عظمى ويجب محاكمته وكف يده عن الترجمة، بل وتعمد آخرون على استغلاله من خلال استحلاب الأفكار منه عبر أديب ومفكر معروف يتخذ البرجماتية السبيل الأمثل في البروز.
بعدها يعمد حداد إلى وصف تطور فكر كتاب ومثقفين يشار لهم بالإبداع والشهرة ليكشف حقيقتهم حيث يصل بهم الأمر للقتل ( إلغاء وجود المثقف من الإعلام ) دون أن يرمش لهم طرف؛ كما تناول القضايا العربية بدءا بالقضية الفلسطينية وصولا لاحتلال العراق ( 2003م ) وما أعقبه، وعلاقة المثقفين بهذه الأحداث .
ومن خلال مجهره المعتمد على بصيرته الروائية قام ( فواز ) بتشريح لواقع ظاهرة الأدب والأدباء إذ يصل لنتيجة مؤلمة ( إنه أخطأ، نظر إلى الأدب كمهنة سامية، واكتشف بعدها، وفيما يشبه الصدمة، أنها مثل غيرها من عشرات المهن، لا تقل أو تزيد عليها، قابلة لكذب والاحتيال والظلم - ص 429 ) وهو وصف لواقع هذه الظاهرة وإخراجها من يوتوبيا اعتبارية إلى تعرية غير مرغوبة لدى كثيرين مما أثار تداعي معاني لدراسة الدكتور على الوردي ( أسطورة الأدب الرفيع ) وإن كانت هذه تعنى بالشعر .
يبدع فواز في تصوير الحالة التي يعانيها المثقف العربي عبر التعدد في الأدوار التي يلعبها ومدى تداخلها وصراعها إذ ( حامد سليم ) الذي يعيش مع أسماء متعددة، ومن ثم مع شخصياتها يثير لدينا موضوعة التنوع والمعاناة والتعدد الذي يرهق الأديب ويحيله إلى تجارب تسلمه إلى إنتاج أدبي أو حسب تعبيره ( روايات مجرد أحابيل شيدت من الوهم بناء من العقل، صلبا بمنطقه، مراوغا بإفكه، مغرورا بقدراته، وكل هذا سراب – ص 448 ) .
لم يكن فواز مراوغا حينما عبر عن معاناة المرأة من خلال ( ليلى شكران ) من سوريا عبر زواجها من أحد شبان المخيمات الفلسطينية، ثم رحيلها معه إلى لبنان، ووقوعها تحت نير تناقضات فصائل القضية التي تنصب عليها عبر زوجها الذي أحبت؛ هذا الزوج الذي انطبع بسلوك فصائلها من الشك والتخوين. لتعيش معاناة صعبة لا تخرج منها إلا بموت زوجها منهكا بقداسة قضية كانت مرتعا للاعبين والمقامرين والمرابحين لتعود إلى وطنها ( سوريا ) وتعيش تجربة حب أخرى مع شاب عراقي هارب من طغيان حاكم العراق، ثم سقوط الصنم، علاقة حب تتمنى نهاية لها وأيا تكن هذه النهاية.
هذا التنقل للمرأة ( العربية ) بين القضية الفلسطينية إلى معاناة العراق وكأنها واقعة بين عُقَدِ أصحاب هذه القضايا وتدفع ثمن مبادئ وإشكاليات لا علاقة لها سوى التعاطف والإيمان بالثورة التي أذهبت زهرة حياتها ثمنا لها، ثم تعرف النتيجة من خلال صديقها العراقي بقوله: ( عزيزتي ، النضال إفك وبهتان، الثورة تبدأ في داخلنا، كل ما ترينه من ثورات تعتمل على السطح، لن تبلغ أعماقنا ولو دامت سبعين عاما . ص:349 ).
ويستمر فواز في إزاحة الستار عن المثقفين ليكشف سر ( سميح حمدي ) الذي أُبْعِدَ عن أجواء وإعلام المثقفين بل مملكتهم السلطوية لأنه لم يلتزم قواعد لعبتهم، وراح يكتب رواية واحدة طويلة طوال سنوات إبعاده حتى تجاوزت عشرة آلاف صفحة من القطع الكبير ومع ذلك يقول ( سميح ) ( احتاج إلى الوقت وهو لا يسعفني ، لدي ما أريد كتابته، وما يجب أن أعرفه، ولهذا أكتب. صدقني، أنا في سبيلي إلى الكشف عن أمور مروعة تخص البشرية جمعاء. ص:433 ) . هذا التصوير لشخصية ( سميح ) يكسب تعاطفنا ويزيد أكثر عندما يتعامل معه الأدباء والمثقفون تعامل النظام الدكتاتوري الأمني. ( سميح حمدي ) هذا يبكينا عندما يوصي أخته بحرق روايته الطويلة بموته، ويكون الأمر كذلك .. بعد موته أو اغتياله.
إن رواية ( المترجم الخائن ) ( تحتوي على واقع لا يمكن تجاوزه، بينما الواقع يحتوي على رواية لا يمكن تفاديها – 475 ) غير أن ( فواز ) يعقب في الصفحة ما قبل الأخيرة بقوله ( لا يمكن الوثوق بالرواية، مهما كانت متفائلة، ولا بالخيال، ربما مخادعا؛ كلاهما مخيب ومشجع – 485 ) وأخيرا يعلل ( فواز ) الجرأة التي عمد لها بقوله : ( وبالوسع دائما كتابة رواية رائعة، قد تكون عظيمة، دون تنازلات أو مساومات. والإيمان بأن للكاتب كرامة، ينبغي ألا يستهين بها الكاتب نفسه، إنها السند الوحيد إزاء حياة بلا معنى ولا هدف، ومن الحقارة السكوت على عالم يبيح كل هذا الظلم لهذا السبب- 485 ).
( المترجم الخائن ) رواية تجعلنا لا نثق بلعبة أعلام الأدب وتزرع فينا الشك على جميع الصعد لا يخرج رواية ( فواز )من دائرته.
التعليقات (0)