مواضيع اليوم
بسم الله الرحمن الرحيم وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم , قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) صدق الله العظيم . علي بعد أمتار من بيتي تقع مدارس البريج الابتدائية للاجئين التابعة لوكالة الغوث ( الأنروا ) والتي أصبحت مأوي آمن نسبيا ً لآلاف من النازحين الذين هربوا من نير الوحشية الهمجية البربرية الصهيونية ،وبالأخص سكان منطقة جحر الديك الواقعة شرق مخيم البريج ، توجهت للمدرسة للاطلاع علي أحوال أهلنا النازحين عسي أن نقدم لهم ما يحتاجونه من حاجات أولية ارضاءا ًلله أولاً وعملاً بواجبنا الإسلامي والوطني ثانيا ً . وهناك كانت المآسي التي رأيناها ولمسناها عين وحق اليقين ، رأينا ما حدثنا عنه آبائنا إبان هجرة 1948 وما قرأناه في كتب التاريخ ، ولكن الآن بصورة حية ومباشرة وربما أكثر قساوة ومرارة مما علق في أذهاننا ، رأينا أطفال تبكى عطشاً وأمهات ونساء تبكى فراق أ خ و زوج أو قريب ، وشيوخ يرتجفون من برد الشتاء القارص ورجال يصارعون أمعائهم الفارغة من الجوع ، ومع كل هذا وذاك توحد الجميع علي رفع أكفهم إلى السماء دعاءاً لله لان الدعاء هو سلاحنا الوحيد كفلسطينيين، رغم أن إسرائيل اعتبرت الدعاء سلاحاً محرماً اسرائيلاً ودولياً، وقامت بقصف النازحين الذين رفعوا أكفهم في مدرسة الفاخورة - التي تحوي أيضاً آلاف النازحين من أهلنا الصامدين علي ثري شمال القطاع في جباليا وجاراتها بيت لاهيا وبيت حانون . وبينما كنا نتجول بين النازحين لفت انتباهنا امرأة في متوسط عمرها تبكى بكاءً شعرنا خلاله أن مصيبتها كبيرة، فتوجهنا إليها بالسؤال ما بك يا أختاه ؟ فزاد بكائها وهدئنا من روعها وقالت وهي تبكى وترتجف " لقد تقدمت دبابات إلى منطقتنا وشرعوا يطلقون علينا القذائف من كل صوب وهدموا البيوت علي رؤوس سكانها، وساندتهم طائراتهم التي أنزلت علينا حممها البركانية ،وبدأنا بالخروج من بيوتنا دون وعى ---- وما يحزني أننا تركنا في البيت امرأة( عجوز مشلولة وابنها الكفيف ) لم نتمكن من حملهم لان أقدامنا ترتجف والقذائف تتناثر من يميننا وشمالنا وتركنا أمامهم ما تبقى عندنا من ماء وطعام، ووصلنا إلي مراكز الإيواء بعد رحلة عناء شاقة ، واستشهد منا البعض وأصيب الآخر وها نحن والعجوز والكفيف ننتظر مصيرنا إلي أن يقدر الله أمراً كان مفعولا". وبينما كنا في خضم الحديث دخل علينا رجل بلحية بيضاء وتضاريس وجهه تدل علي عناءه وتعبه ، و عيناه اغرورقت بالدموع حتى ابتلت لحيته، وتحدث إلينا قائلا ( والله يا بني لم نرغب بالرحيل من بيتنا لأننا جربنا معنى النزوح في نكبة 48 – وجربنا نفس التجربة في عدوان 56 - وحاول اليهود أن يعيدوا علينا الكرة في نكسة 67 ، ولكن اليوم الحرب أكثر خطورة وضراوة إنها مذابح وإبادة جماعية انه التطهير العرقي يا بني ! الأكثر وحشية مما مارسه الصرب في البوسنة والهرسك وما يمارس في كشمير والشيشان وكوسوفو ، إنهم يلقون علينا قنابل فسفورية ويورانيم مخضب وغاز برائحة كريهة لم نشتم مثله أبدا! ، ويستمر العجوز في بكاءه قائلاً( ما أحزنني وأوقف الدماء في عروقي هو رؤيتي لمشهد مروع حيث قامت الكلاب والغربان بنهش لحم الشهداء علي مرأى ومشهد قطعان الإحلال الذين تعمدوا بترك الجرحى ينزفون حتى الموت ) . وتأكدت رواية نهش الكلاب لجثث الشهداء في أكثر من مشهد في القطاع حيث روى سائق الإسعاف في قطاع غزة كايد أبو عوكل ، "لم أرى منظراً أفظع من ذلك، منظرٌ يفوق المشاهد التي رأيتها من أشلاء للشهداء والأطفال منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة"، واصفًا مشهد الطفلة الفلسطينية (شهد سعد الله أبو حليمة ) والتي يبلغ عمرها سنة ونصف ، وشقيقيها (مطر) 17 عاماً، وآخر ون لم يعرفهم سائق الإسعاف ، وابن عمها محمد حكمت أبو حليمة 17عاماً، التي تغذت على جثثهم الكلاب الضالة على مدار خمسة أيام. ويتكرر نفس المشهد في بيت لاهيا ، حيث قذيفة مدفعية إسرائيلية استهدفت عائلة( العطار) أثناء تجمعها في فناء منزلها ، وقال أبو عوكل الذي يعمل في مستشفى كمال عدوان الحكومي شمال قطاع غزة المشهد الذي لا يمكن أن يزول من ذاكرتي هو مشهد تلك الطفلة البريئة من عائلة العطار التي نهشت الكلاب الضالة أطرافها ولم يبق سوى جذعها".ومن الجدير بالذكر أن هذا المشهد نقلته رغم بشاعته عشرا محطات التلفزة العالمية والمحلية صراع مع الموت وتدخل مشيئة الله :- حدثني احد الصحفيين الثقاة عن حادثة مأساوية شرق غزة مفادها (أن اليهود دخلوا منطقة سكنية واقتحموا البيوت وطلبوا من الرجال والنساء الاستسلام ورفع أيديهم! وبعد ذلك أطلقوا النار علي كل من في البيت ،ويقول أحد سكان البيت أصبت بكتفي وظن اليهود أنى مت ، وبعد انسحابهم أفقت من غيبوبتي ونظرت إلى أسرتي وجيراني فوجدت الجميع شهداء، وفجأة سمعت أنين أخى البالغ من العمر (5 سنوات) فوجدته مصاب إصابة بليغة وهنا فكرت ، فوجدت نفسي أمام خيارين إما البقاء في البيت وسط الشهداء ، وننزف حتى الموت، أو الخروج للنجاة أو ربما الموت أيضاً ، واخيراً لم أتردد وشاهدت وحملت أخى علي كتفي غير المصاب، ومشيت بين أزقة منطقتي وسط الركام و وسط الجثث الملقاة علي الأرض ، وفى أغلب الأحيان كنت ازحف علي الأرض لتفادى شظايا الرصاص والمدفعية ، إلى أن كتب لي الله النجاة ، ووصلت إلى اقرب منطقة آمنة، وألقيت بنفسي في بيت شبه آمن ، وجاء الإسعاف ونقلنا إلى دار الشفاء وكان أخى في نفسه الأخير ولازال في الإنعاش في حالة شبه مستقرة. كتبها: د.ناصر إسماعيل جربوع - غزة - خاص - - إلي لقاء في روايات مأساوية جديدة . كاتب باحث ومؤرخ فلسطيني - موجه التاريخ والقضايا المعاصرة بوزارة التربية والتعليم الفلسطينية |
التعليقات (0)