مواضيع اليوم

رهانات الحكومة وانتظارات المغاربة

محمد مغوتي

2012-01-06 14:16:00

0

    أسدل الستار أخيرا عن مسلسل طويل من الإنتظار، تحولت معه الحكومة الجديدة إلى حكاية اختلفت الروايات بشأنها كثيرا، وفرضت على المغاربة ما يقارب أربعين يوما من الترقب والـتأويلات والإشاعات. تم إذن تعيين أول حكومة في ظل الدستور الجديد. ومعها بدأت مرحلة جديدة يضع عليها المغاربة آمالا واسعة خصوصا في ما يرتبط بالشأنين الإجتماعي و الإقتصادي اللذين يحضران باستمرار على لائحة الهواجس الأساسية المتعلقة بالمعيش اليومي للمواطن المغربي.
     حكومة عبد الإلاه بن كيران تأتي في سياقات وطنية وإقليمية خاصة فرضها الربيع الثوري الذي عرفته عدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وإذا كان المغرب قد نجح حتى الآن في تجنب العاصفة من خلال الحس الإستباقي الذي عجل بتعديل دستوري وضع بلدنا على سكة إصلاح سياسي تضاربت بموجبه المواقف و الآراء(لكنه كان ضروريا في هذه المرحلة على كل حال)، فإن التحديات المقبلة التي ستواجه التحالف المشكل للحكومة الجديدة تقتضي بذل مجهود كبير على عدد من المستويات. وهو ما يتطلب شجاعة سياسية حقيقية يراهن عليها كل المتفائلين بالمستقبل. هذه الشجاعة أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وبدونها ستضيع على بلدنا فرصة تاريخية لتجاوز التراكمات التي خلفتها سنوات طويلة من التدبير القائم على الريع الإقتصادي الذي انتهى بزواج المال والسلطة فأنتج ريعا سياسيا أفرغ الممارسة السياسية من محتواها وغابت معه كل أشكال المحاسبة والمسؤولية... لذلك فإن حجر الزاوية في أي مشروع يتوخى تحقيق تطلعات المغاربة هو محاربة الفساد ومختلف مظاهر الإختلال التي يعرفها المرفق العمومي في علاقته بالمواطن سواء على مستوى ظاهرة الرشوة أو التهرب الضريبي أو امتيازات الريع الإقتصادي بكل أشكاله...
    الحديث عن انتظارات المغاربة ليس جديدا، فالمشاكل الأساسية التي كان يعيشها المواطن كل يوم مازالت قائمة، بل ازدادت استفحالا. لكن المواطن البسيط يبدو اليوم عموما أكثر تفاؤلا من الماضي. ففي التجارب الإنتخابية السابقة ساد اقتناع كبير لدى شريحة واسعة من أبناء هذا الشعب باستحالة تحقيق تغيير إيجابي وملموس. حيث تتوالى الحكومات و تتأزم معها الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية و يرتفع مؤشر اليأس أكثر فأكثر. أما اليوم فيبدو أن الشارع يأمل خيرا من التجربة الجديدة. وإن كان من حقه أن يحيط هذا الأمل بهالة شديدة من الحيطة والحذر. لذلك فإن ثقة الشارع في إمكانية نجاح الحكومة الجديدة تعد رأسمالا مهما لهذه الحكومة ينبغي استثماره و ترجمته إلى تدابير و إجراءات عملية تحول الوعود الإنتخابية إلى أفعال وسلوكات في مختلف القطاعات التي تتصل بالشأن اليومي للمواطن المغربي. وواضح أن الرسائل الأولى التي ينتظرها المواطن من هذه الحكومة تتعلق بكل ما يرتبط بتعزيز قدرته الشرائية. وهو ينتظر تدابير ملموسة للحد من ارتفاع الأسعار وتحسين مستوى الدخل الفردي عبر الرفع من الحد الأدنى للأجور وتوفير فرص الشغل وتوظيف حاملي الشهادات. إنه يتطلع إلى تحسين جودة التعليم بالشكل الذي يعيد للمدرسة العمومية دورها التنموي، ويريد تطبيبا يليق بكرامته وإنسانيته... و تلك إجراءات ضرورية ومستعجلة لتجنب مزيد من الإحتقان الإجتماعي الذي يطل برأسه بين الفينة والأخرى هنا أو هناك...
     المغاربة إذن ينتظرون أجرأة ميدانية للوعود التي أطلقتها الأحزاب المكونة للتحالف الحكومي خلال حملاتها الإنتخابية، وهم يراهنون بالدرجة الأولى على حزب العدالة والتنمية بالنظر لكونه القوة السياسية الأولى في البلد، ولأنه المسؤول الأول عن العمل الحكومي، وخصوصا لأنه يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام لأول مرة، وهو بذلك يتمتع برصيد سياسي نظيف يؤهله لأن يحول انتظارات المغاربة إلى حقائق ملموسة. هذه الإنتظ.ارات التي لا يمكن أن تتحقق إلا عبر مزاوجة ضرورية بين تحسين الأوضاع الإجتماعية و تخليق الحياة العامة. وهو ما يعني أن المرحلة المقبلة تقتضي دورا جديدا للعدل من خلال نفض الغبار عن ملفات الفساد وتفعيل مسطرة المحاسبة وفق القانون خصوصا في ما يتعلق بنهب المال العام. وذلك هو التحدي الحقيقي الذي يتطلب الإرادة و الشجاعة اللازمتين للتغيير. وإذا تحققت هذه الشروط ستكون الحكومة قد تناغمت إلى حد بعيد مع انتظارات المغاربة، وسيكون المغرب قد قطع خطوة جبارة نحو دولة الحق والقانون والعدالة الإجتماعية و الديموقراطية. أما إذا ظلت دار لقمان على حالها فإن القادم سيكون أسوأ.
                      محمد مغوتي.06/01/2012.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !