مواضيع اليوم

رمية بغير رام

انور محمد

2009-05-24 11:21:14

0

                                 رميــة بغيــر رام ٍ
يقول الإمام الخمينى : ( فى زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ونتيجة لكل تلك المشاكل من حروب ومعارضة ، لم تتحقق الحكومة بالشكل الذى يريده ) مختارات من خطب الخمينى . من أجل ذلك قامت الثورة الإيرانية لتحقق ما لم يحققه الرسول صلى الله عليه وسلم ، بدعوى أن المعارضة لم تمكنه صلى الله عليه وسلم ، ولا الخلفاء من بعده ، ومنهم الإمام على بن أبى طالب من ذلك الحلم ، بهذا التصور الأيدولوجى المنغلق قامت الثورة الإيرانية لبناء الدولة الدينية بدعوى أن الدين هو فرض الرأى والحكم ، وأرادت الانتشار والضغط على من حولها ولا تزال ، فهى ترى الدولة الدينية ، كما هى فى الفكر الشيوعى ، دولة ذات اتجاه واحد ، لا معارضة ولا رأى آخر ، ليس لأن المعارضة خطأ ، ولكن من الذى يعارضنا ؛ ونحن الموقعون عن الله عز وجل ، الذى يعارضنا كافر لا تقبل توبته ، ومصيره جهنم ، وهو مصير أى مخالف لنا .
وهذا النموذج لا محالة ماض للفناء إن لم يكن على يد أعدائه ، فسيكون على يد أبنائه ، وعليهم أن يقوموا بتعديل هذا النموذج بحيث يشمل انفتاحا على العالم ، ويقبل الآخر كشريك قومى فى بناء الوطن قبل أن ينتهى الأمر ، كما قال الخمينى عن نفسه فى نهاية عمره ( إنى أتأسف لعمرى الذى ذهب هباء فى طريق الضلال والجهالة )سلسلة الفكر الخومينى:القرآن فى كلام الإمام الخومينى
لكن الواضح أن تصدير الثورة كان وظيفة رجالاتها الذين وزعوا الأدوار عليهم فالشيخ الخلخالى الملقب جلاد الثورة أراد هدم مقبرة رضا بهلوى التى تكلفت 200 مليون دولار حتى يثبت للناس صدق توقعات الخمينى فقط ، رغم أن الجثمان قد خرج بصحبة ابنة بهلوى ، وأصبحت المقبرة مبنى أثريا ملك الشعب ، كما اعترف مهدى خروبى رئيس مجلس الشورى بمؤامرة عام 1987 ، وما حدث فى بيت الله الحرام كمحاولة لنشر الثورة خارج الحدود ، وإذا تتبعنا توجهات الحكومات المتعاقبة منذ عهد الخومينى حتى خامنئى ، وجدنا أن تصدير الثورة ، وإقناع الناس بها لا يزال شاغلا لآيات الله ، وقانونا خفيا يحرك سياسة الدولة هناك مما يعنى التمسك بالانغلاق على المفهوم الدينى الضيق .
وهذا ما تحاوله إيران مع الدول الصغيرة الأقرب منها كالبحرين بالإضافة لما تقوم به فى العراق وسوريا ، ومد ذراعها لفلسطين ولبنان ، والحق أن هناك انتصارا وهميا شجع قادة إيران على ذلك وكان واجبا عليهم أن يفطنوا لعدم واقعيته ، وأنه مسألة سوء تقدير لتعارض المصالح بالمنطقة بين عدة قوى ، وبمرور الوقت سينهار هذا النصر الوهمى وسيعود الوضع للضغط القديم ، فبدلا من استثمار المناخ الجيد الآن نجدهم مندفعين لتوجههم الأيدولوجى ضاغطين على من حولهم بغية تحقيق رؤيتهم والعقائدية ، وليس خفيا على القارئ أن هذا المفهوم هو عكس صحيح النص القرآنى أصلا .
فمنذ قيام الثورة الإيرانية وهى قائمة على مذهب شيعى صريح يرفض غيره من المذاهب فكانت نقطة معاناة الثورة آنذاك هى وقوع أيران بين دولتين سنيتين هما العراق وأفغانستان ، وظلت أيران تعانى صراعا وصل لحد الحرب طويلة الأمد مع العراق طوال الثمانينيات وخلف قتلى وجرحى ، وورث دمارا وخرابا طوال عقد كامل ، وتعطلت حركة التنمية والنهضة بسبب تمسك الثورة الإيرانية بتصدير مذهبها ورفضها الانفتاح على المذاهب الأخرى وقبول الآخر وهذا عكس صحيح الدين كما سبق القول ، كما اشتعلت حركة الاستنفار والترقب مع الجانب الآخر فى أفغانستان بوصول حركة طالبان للحكم ، والتى كانت تبنى أيضا مجتمعا منغلقا لكن على أساس مذهبى سنى ، فتوترت المنطقة مرة أخرى وكان مصير هذا التوتر لا محالة حربا أشد من الحرب الإيرانية العراقية ، ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان فكانت رمية من غير رام ؛ حيث جاءت من أقصى العالم أكبر قوة عسكرية لتقاتل أعداء إيران مرة واحدة ، فجاءت أمريكا لقتال طالبان وقضت على دولتهم ، وأعطت الحكم لفريق مختلف لا يرى السياسة قائمة على الفهم الأيدولوجى المنغلق ، كذلك حاربت العراق وقضت على قوتها وخلفتها لا حول لها ولا قوة بالإضافة لسيطرة الشيعة على الحكم وعدم انفراد السنة به وتحويل القوة فى الدولة فى إطار موزع بين الشمال والجنوب بحيث لا يسمح لها منذ الآن ولمدة طويلة أن تفكر فى خارج حدودها إذ يكفى الهم الداخلى على الهموم الخارجية البعيدة .
نقول جاءت هذا التقديرات من جانب على حساب جانب آخر ، فلم تكن أمريكا وهى تقضى على دولتين هما بالمرصاد للثورة الإيرانية تعلم أنها تقدم خدمة لا تقدر بثمن لها ، ولو تأخرت هذه الحرب عقدا أو أكثر لكنا لا محالة نتحدث الآن عن الحرب السنية الشيعية بين إيران وجيرانها كما جلسنا عقدا كاملا نتحدث عنها وكان لا محالة نهاية للثورة لأن الدولة أعظم من الفهم المحدود لبعض أفرادها ، والشعوب هى الباقية ولا بقاء للحكومات .
الآن قد يظن البعض أنه نصر إلهى جاء لطهارة مقاصدهم وسلامة اعتقاداتهم ، لكن الأمور لا تؤخذ بهذا المنطق ، وعلى القادة فى إيران ألا يغتروا بهذا النصر الزائف وهذه القوة الهابطة عليهم ليس بيدهم ولكن بيد عمرو ، وعليهم أن يثبتوا دعائم ملكهم بقيام الدولة الكاملة الراعية لجميع أفرادها تاركة الحريات دون تدخل ، فلا إكراه فى الدين ولن نكره الناس حتى يكونوا مؤمنين هذا هو الأصل والفهم الحقيقي أما فرض الرأى والقتل على الهوية فهذا من الظلم البين ، والله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة المؤمنة إذا كانت ظالمة ، فالعدل أساس الملك .
                             والله من وراء القصد 
                                                بقلم 
                                                    أنور محمد أنور
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !