رمــوز وهموم سـودانيــــة
أصل شعوب السودان
حلقة (1)
أحاول من خلال هذه السلسلة تقديم بعض ما وقع تحت يدي من سيرة ذاتية لرموز وشخصيات سودانية كان لها إسهام وافر في تاريخ السودان ومسيرة شعبه منذ أقدم العصور . وليس الغرض من ذلك مجرد السرد والتوثيق على صفحات الويب بقدر ما أرمي إليه من تحليل يتجاوز السطح إلى العمق لتلمس طبيعة الشخصية السودانية وموقعها وتاثيرها على غيرها ، وكذلك تأثرها بما يدور وبمن هم من حولها بوجه عام .......
خريطة توزيع أبناء نوح عليه السلام وفق الإسرائيليات ... لاحظ أن شعب شرق وشمال السودان (كوش سابقا) بالإضافة إلى قبط مصر ونوبتها هم أبناء حام
والـسودان لدى المؤرخين والذهنية الشعبية الغير أفريقية (عدا شمال افريقيا) لا يقصد به رقعة المليون ميل مربع الحالية بحدودها السياسية المعروفة . ثم ان "جمهورية السودان" قبل ان تعرف ((رسميا)) بهذا الإسم لدى الأروقة السياسية في العالم الخارجي ، كانت تعرف في التوراة ببلاد كوش ، نسبة إلى كوش بن حام . لكنها لم تكن تعني سوى مساحة جغرافية محددة تمتد من جنوب منطقة النوبة المصرية (النوبة السفلى) ، لتعرف بعد ذلك بالنوبة العليا ثم تنحرف من نهر النيل نحو الجنوب الشرقي ، فيحدها البحر الأحمر ومرتفعات اثيوبيا . كما أطلق عليه اليونانيون إسم أثيوبيا ويعنون به الوجه الأسود .
وعلى الرغم من أن العرب قبل الإسلام ، كانوا يعرفون شرق السودان الحالي إلى نهر السوباط جنوبا ويلحقونه بالحبشة كمسمى ؛ إلا أنهم وبعد أن ورثوا امبراطوريتي الفرس والروم ، نراهم قد اطلقوا إسم السودان كمصطلح بعنى به (بلاد السود) تارة و ((جمع أسود)) تارة أخرى، ويشمل أفريقيا جنوب الصحراء اعتبارا من غرب السودان الحالي وحتى سواحل الأطلسي ثم تنحدر الرقعة جنوبا لتشمل نيجيريا.... أما اهل الساحل المتاخم لشواطيء البحر الأحمر الجنوبية الغربية فقد أطلقوا عليهم مسمى الأحباش.
جـــــد شعوب الســــودان
حــام بن نوح عليه السلام
وقد جاء في كتب التاريخ العربي أن أصل السودان (جمع أسود) كعنصر بشري هو حام بن نوح ..... ذلك أنه وبعد أن غرقت الأرض ثم توقف الفيضان والأمطار ورسو سفينة نوح على جبل الجودي (في منطقة ديار بكر بتركيا الحالية) ، لم يترك الله عز وجل على وجه الأرض بعدها من نسل آدم سوى من هم من ذرية نوح عليه السلام ، لقوله عز وجل في سورة الصافات – آية 77 ((وجعلنا ذريته هم الباقين)) . الأمر الذي يعني أن كل من هو على وجه الأرض في يومنا هذا ، ومنذ رسو السفينة هم من صلب نوح عليه السلام. ... أما نسل من صحب نوح عليه السلام من غير ذريته فقدر انقطع نسلهم وانقرضوا لا محالة.
جبل الجودي وفي مقدمة الصورة آثار لسفينة نوح التي طمرت بمرور السنوات
وقد رويت أحاديث نبوية عديدة عن أصل الشعوب من أبناء نوح ، لكنها جميعا وصفت إما بالضعيف أو ضعيف الإسناد .... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ولد لنوح سام وحام ويافث . فولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم . وولد ليافث :ياجوج وماجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم . وولد لحام القبط والبربر والسودان)) .... وقد ضعف العلماء هذا الحديث الذي رواه الحافظ ابوبكر البزّار في مسنده. لاسيما وأن لسان الرسول صلى الله عليه وسلم منزّه ، ولم يعرف عنه وهو المعصوم الإساءة إلى أحد ناهيك عن شعوب بأكملها. وعليه فلا يعقل ان يصف الترك والصقالبة بانهم لا خير فيهم ، وأنما وضع هذا الحديث لأسباب ربما تتعلق بالعنصرية العربية والفارسية على عهد الأمويين ثم العباسيين وما تلاهما من عهود سياسية محدودة الأثر والرقعة الجغرافية أو نتيجة خلافات في مرحلة تاريخية وسياسية لاحقة ما..... ويكفي الترك فخرا أن فيهم محمد الفاتح وجنده فاتحي القسطنطينية.
على اية حال ؛ ومن واقع ماجاء من سرد في كتب الزاملتين ( وهي كتب لبني إسرائيل غنمها الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في معركة اليرموك وصار يحدث بها) ... فقد ورد أن نوح عليه السلام كان له ولدان فقط ، قبل الطوفان وهما ((عابر)) الذي وافته المنية قبل الطوفان ثم ((كنعان)) الذي غرق في الطوفان بعد أن رفض ركوب السفينة قائلا لأبيه: ((سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)) ...... وربما لأجل ذلك كان تعلق نوح عليه السلام وحرصه على حياة إبنه كنعان هذا ، لاسيما وأن نوح كان قد بلغ وقتها من العمر التسعمائة وخمسين عام (هي الفترة التي مكثها في قومه حتى لحظة الطوفان) فخاف على نفسه من إنقطاع نسله وذريته . ولكن الله عز وجل كان به لطيف خبير ، وكافأه على صبره بان رزقه بعد الطوفان بثلاثة أبناء ذكور هما سام وحام ويافث وأن ام هؤلاء كانت مؤمنة تزوجها نوح عليه السلام في السفينة . .....
رسم تخيلي تقريبي لسفينة نوح ودخول الحيوانات إلى جوفها
ودليل حياة نوح عليه السلام أطول من تسعمائة وخمسين عام قوله عز وجل في سورة العنكبوت – الآية 14 – ((فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون)) .... مما يعني أنه عاش بعد ذلك فترة ما بعد الطوفان قصرت او طالت لكنها كانت بعد بلوغه سن ألـ 950 .... وأرجو أن ينتبه لذلك بعض أئمة ورجال دين على المنابر وداخل استديوهات التلفزيون ، ممن يدعي ان سن نوح عليه السلام عند وفاته كان 950 سنة ... وكذلك أخطأ جورج قرداحي في برنامجه الشهير "من سيربح المليون".
وهناك من يقول بأن كنعان (الغريق) ، إنما كان إسمه يام ، وأنه الأخ الشقيق لسام وحام ويافث وأن أمهم جميعا واحدة ، وأنها ركبت السفينة ثم كفرت بعد ذلك . وقيل بل كفرت قبل الطوفان وغرقت مع من غرق.... وربما كان لاختلاف اللغة اثره في تعدد الأسماء لشخص واحد ...... والمهم أن المتفق عليه هو أن حــــام كان جــد شعوب السـودان.
سبب البشرة السوداء
قد قيل الكثير من الإشارات العنصرية ضد ((السودان)) بمعنى اصحاب البشرة السوداء ... فقد جاء أن حاما واقع إمراته في السفينة فدعا عليه نوح أن تشوه خلقة نطفته فولدت له ولد أسود وهو كنعان بن حام جد السودان ......وهناك رواية أخرى تقول أن حاما رأى والده نوح عليه السلام عاريا ، وهو نائم فلم يابه به ومضى دون أن يستر له عورته ؛ ولكن جاء سام ويافث فسترا عورة أبيهما .. وعندما استيقظ نوح عليه السلام من نومه علم بذلك فدعا على إبنه حام أن تغير نطفته وأن يكون أولاده عبيدا لأخوته.
وعلى زعم الأخذ بهذه الفرضية ، فإن ذلك لا يعني أن حام بن نوح عليه السلام قد ترك أرض الشام وهاجر إلى افريقيا ، ذلك أنه ورد أن إبن عباس رضي الله عنهما قال : "قال الحواريون لعيسى بن مريم : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها. قال : فانطلق بهم حتى أتى على كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه وقال : أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب حام بن نوح . قال: وضرب الكثيب بعصاه وقال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن راسه قد شاب . فقال له عيسى عليه السلام هكذا مت؟ قال : لا ، بل مت وانا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت".
وعليه فإن من المرجح أن كوش بن حام وإخوته السود قد تركوا بلاد الشام، وهاجروا إلى مصر ، ربما بسبب ما تعرضوا له من إضطهاد عنصري على يد بني عمومتهم ... وبعد استقرارهم بمصر تكاثروا ومن ثم اقتضت مطالب حياتهم المعيشية هجرة البعض منهم إلى داخل أفريقيا غربا وجنوبا ، ليشكلوا فيما بعد الشعب الأفريقي والسودان جزء من ذلك الحراك بالطبع.
العـرقـيات السودانية
مما لا شك فيه أن أهل السودان قد اضاعوا ويضيعون وسيضيعون الكثير من وقتهم وزناد فكرهم ، فيما لا طائل من ورائه بجثا وتنقيبا وجدلا حول من هو الأحق بالسودان الحالي من غيره ... وعادة ما يتمسك الأسود السوداني بنقاء عنصره الأفريقي في مواجهة السوداني الهجين من اصل عربي .. لكن الواقع ان الامور لا تؤخذ بمثل هذه البساطة في المنحى ، لاسيما وأن هجرات الكتل البشرية والقبائل في أفريقيا كانت ولا تزال مستمرة، فالشمالي السوداني جاء من الجزيرة العربية قبل الإسلام ثم على نحو مكثف بعد عام 31هـ (651م) تاريخ اتفاقية البقط المشهورة والتي تعني الجزية ..... ولكن هؤلاء لم يستوطنوا المناطق التي يعشون فيها حاليا خصما على القبائل النيلية الزنجية المعروفة ، وإنما جاء استيطانهم بالتزاوج وعلى حساب النوبيين وممالكهم الوثنية أو المسيحية في دنقلا شمال السودان وسوبا جنوب الخرطوم ، والمناطق الحيوية المحيطة بها بما في ذلك أقاليم كردفان ودارفور وبحر العرب ، وكذلك الحال في شرق السودان ..... ويسري الأمر على أصول القبائل النيلية في جنوب السودان ، فإنها لم تخلق في مكانها الحيوي الحالي ، وإنما وفدت في حقيقة الأمر من كينيا ... وأهل دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق كذلك لا يهم من اين قدموا في الأصل ، بقدر ما ينصب الاهتمام على تحديد ما إذا كانوا متواجدين قبل ذلك في مكان آخر في السودان من غيره ... والواقع أن لا شيء من ذلك قد حدث ، وأنهم على اعتبار انتمائهم لذرية حام بن نوح عليه السلام في الأصل ، فإن أسوأ الفرضيات تقتضي ترجيح استيطانهم مناطقهم الحالية قادمين من مصر أو من شمال غرب أفريقيا وشرق أفريقيا بنحو عام ..... لكن لا توجد احتمالات لتواجد القبائل الأفريقية الغير هجينة كالفور والنوبة والدينكا والشلك وغيرهم في شمال السودان الحالي ومنذ 7000 عام قبل الميلاد على أقل تقدير .... نعم لا توجد احتمالات أو آثار تشير إلى سبق تواجدهم حتى في ضفاف منطقة نهر النيل بأبيضه وأزرقه من كوستي جنوبا إلى وادي حلفا شمالا ، فالآثار التي خلفها إنسان تلك المرحلة العتيقة تشير إلى تبعيتها للحضارات النوبية (نبتة) و (مروي) و (سوبا) . ثم مملكة سنار الإسلامية، وحيث لا توجد علاقات إثنية او ثقافية وثيقة بين النوبيين في شمال مجرى النيل وغيرهم من سكان السودان الأفارقة ، بقدر ما توجد هذه العلاقة والتشابه بينهم وبين الهجين العربي الحالي سواء من حيث الملامح أو الثقافة والعادات والتقاليد بل وحتى المأكل والملبس والموسيقى والرقص والغناء والأزياء بنحو عام ، رغم ان السلم الخماسي هو القاسم المشترك العظم بين أهل المليون ميل مربع الحالي وأعني به "جمهورية السودان".
وعلى الرغم من إستطرادي في الفقرة اعلاه ، إلا أنني لو تركت لنفسي او ترك لي الأمر لضربت صفحا وتغاضيت عن إجهاد نفسي في مثل هذا الجدل البيزنطي العقيم ، الذي لا يصلح حالا ولا يكسو عريانا أو يقيم أودا .... وحبذا لو توقف المثقف السوداني بغض النظر عن إنتمائه القبلي عن تناول مثل هذه المواضيع خوفا من الوقوع تحت طائلة النفخ في الجمر المدفون تحت الرماد ، .... وحبذا لوتكاتف الجميع لتشكيل سودان موحد يتسع لجميع أبنائه ..... لكنني رغم ذلك لست متفقا مع البعض الغلاة في ردود الأفعال الذين يطالبون بإلغاء الثقافة العربية واستبدالها بالإنجليزية أو الفرنسية لأن ذلك سيؤدي بطبيعة الحال إلى نكوص لا طائل من ورائه ، وهو لن يشكل حلا منطقيا لمشاكل السودان العرقية والاقتصادية بيت القصيد في كل ما أصبحنا نعانيه حاليا من مشاكل ، بالإضافة إلى أن تبني العديد من الدول الأفريقية المجاورة لنا للثقافة الفرنسية أو الانجليزية واتخاذها نبراسا لها لم يفيدها في شيء ، ولم يحقق لها تقدما ولا ازدهارا أو حتى استقرارا.
إن اتخاذ اللغة العربية وسيطا للتفاهم بين أبناء الشعب السوداني لا يقدح من قدر الآخر الغير عربي الأصل ، ولكن الغير مقبول أن يفرض العنصر العربي الهجين الثقافة العربية على الآخرين من أخواله غير العرب ، على اساس من الإستعلاء والهيمنة أو الإقصاء لثقافة وتراث غير العربي ... ويكمن الحل في نظري بضرورة خلق وابداع ثقافة سودانية أفريقية ناطقة باللغة العربية ..... أو بمعنى اوضح ثقافة ناطقة باللغة العربية داخل وعاء سوداني أفريقي كحل وسط يرضي كافة الأطراف خاصة تلك الغير مسلمة ، لاسيما إذا وضعنا في الاعتبار حقيقة الرفض الاجتماعي العربي من الخليج إلى المحيط للهجين العربي السوداني وعدم اعترافه به كرافد إثني حقيقي للعروبة وإكتفائه فقط باستغلاله اقتصاديا و سياسيا وأمنيا لمصلحة المجال الحيوي العربي عامة والمصري خاصة لاسيما في المسائل المتعلقة بضمان حصتها في مياه النيل.... وذلك على الرغم من احتفاء بعض العرب بين الحين والآخر بانتاج سوداني ثقافي من قبيل أعمال الطيب صالح وأشعار الفيتوري وبعض أغنيات لسيد خليفة من قبيل المامبو السوداني و إزيكم .. كيفنكم لأغراض الفرفشة وتنسم خفة الدم في سيد خليفة ليس إلا....... أما الجوائز التي يجصل عليها المبدع السوداني من خلال مهرجانات الثقافة العربية الرسمية فهي جوائز موزعة سلفا بعناية على ((أعضاء جامعة الدول العربية)) وتندرج داخل إطار ومفاهيم الترضية والمجاملة وجبر الخواطر .... ومن افتى بغير ذلك فهو إما ساذج أو أهبل أو مغفل يجوز الحجر عليه من أول جلسة.
السـودان في عيون الآخرين
كان السودان (أي السود) نهبا منذ قديم الزمان للاستعباد والاسترقاق ولو بشكل متفاوت ، فالعرب وأهل فارس والرومان واليونان استعبدوا الأفريقي من شرق افريقيا على نحو خاص ، وأطلقوا عليهم مصطلح ((الأحباش)) ..... والأوربيون والأمريكان استعبدوا الأفريقي من سواحل غرب أفريقيا وأطلقوا عليهم مسمى ((الزنوج)) ..... ولا أحد يستطيع التنصل من هذا التاريخ الأسود مهما حاول بذكاء ان ينفي التهمة عن نفسه ، بإدعاء تورط وطنيين أفارقة من تجار وزعماء قبائل في عملية تجارة الرقيق. فالحقيقة أنهم سمحوا بهذه التجارة وحرضوا عليها ، وفتحوا لها أسواقهم وبلدانهم ومزارعهم ومصانعهم للمساعدة في أداء الأعمال الشاقة والفلاحة وغيرها.
في عيون البيض الأوربيين:
ربما أغنت قصة ((الجذور)) لمؤلفها الأمريكي اليكس هيلي كل من يحاول تكبد عناء التوجه للكتابة في هذا الموضوع ..... لكن نضيف هنا فترة تاريخية لاحقة لتلك الفترة التي اعقبت ((الجذور)) ، وحيث لا يزال الزنجي الأمريكي الأسود ، يعاني الأمرين من التفرقة العنصرية في كافة أرجاء أوروبا والأمريكيتين . وهو المشتبه به الأول في كل جريمة تحدث . وكم من سود مظاليم في سجونهم .. وعلى نحو شبه سائد ومؤكد أن جمعيات حقوق الإنسان في تلك القارات ربما تنتظر واضعة يدها على خدها حتى تحل كارثة مـّا بعشرة آلاف زنجي حتى تتحرك على مضض .... بينما يكفي تعرض ابيض واحد لمعاملة غير ((لطيفة)) من شرطي إلى إعلان قيام الساعة ونصب طاولات يوم الحساب... وعلى مثل ذلك يجوز القياس في جرائم النصب والاحتيال والقتل والتحرش الجنسي والاغتصاب ومخالفات السرعة وقواعد المرور .... ومن نافلة القول الإشارة إلى التفرقة الواضحة في مجال التوظيف ومقدار الرواتب وظروف العمل بين الأبيض ورصيفه الآخر المواطن الزنجي ..... وبالبلدي الفصيح يكون المجتمع وسيف القانون بالمرصاد للأسود في ((الهينة والقاسية)) .. أما الأبيض فله 1000 رب رحيم ...... وهلم جرا..... بل ولا يزال الأسود المهاجر إلى الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة (والسوداني من ضمنهم) ... لا تزال مجالات فرص عمله تتراوح بين الأعمال الهامشية مثل محطات تزويد السيارات بالوقود في المناطق النائية وبين الأعمال التي توصف بالشاقة أو الحقيرة مثل الصرف الصحي ومسح الطاولات في المطاعم وغسل الصحون وجمع القمامة وجني الفاكهة.
في عيون العرب وأهل المشرق :
في حديث نبوي ضعفه العلماء عن إبن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من اهل الجنة لقمان الحكيم والنجاشي وبلال المؤذن)) ...... وقال الأوزاعي : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد : لا تحزن من اجل أنك اسود فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان : بلال ومهجع مولى عمر ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافـر ( مشافر بمعني شفاه عليظة جدا ةيطلق عليها في اللهجة السودانية مسمى شلاليف) ..... وعليه يطلق العرب ((البيضان)) منذ قديم الزمان وحتى زماننا الحاضر مسمى ((السوداني)) على كل من هو أســـود أو أو غامق السمار على حد سواء ، وسواء أكان مواطنا بينهم أو مغترب من الحبشة أو نيجيريا والسودان والكاميرون أو من السنغال وساحل العاج .... إلخ . وهذا بالطبع على السطح .. أما في العمق فإن المصطلح يمتد ليعنى به العـبد من الرقيق الأسود ..... ولا يختلف بقية أهل المشرق من فرس وترك وفينيق وحتى اليابان في هذه النظرة الاجتماعية الدونية من جانب ((البيضان)) تجاه ((السودان))، وعلى نحو يضع محاذير اجتماعية عميقة التجذر ، والعنصرية تجاه كل اختلاط للدماء عن طريق الزواج الشرعي المعترف به اجتماعيا ، وإن كان القبول في جوانب التعامل الاجتماعي الأخرى من جوار في السكن وصداقة وزمالة ، وفي نطاق العمل والتوظيف والترقي لا يشوبها هذا القدر المريع من العنصرية ، والرفض المطلق مقارنة باوروبا وامريكا ، ويظل المشرق رغم ذلك جنة الأسود مقارنة بأوروبا وأمريكا..... وبنحو عام تظل العلاقة بين البيضان والسودان في البيئة العربية والمشرق بوجه عام عادية ، ويظل التعامل والتفاعل الاجتماعي وديا ، ولا يصل الوضع إلى مرحلة التوتر وإثارة المشاكل بين الأفراد ، إلا في حالة رغبة الأسود في الزواج من بيضاء أو العكس ... أو وقوع بيضاء في غرام اسود ، فيرشح الرفض إلى السطح دون دبلوماسية أو حياء ... وكذلك عند وقوع ابيض في غرام سوداء فتبدأ الشكوك تحاصر الأبيض الذكر من جانب اهل الأنثى السوداء حول صدق مشاعره ونواياه الحقيقية.
ولربما كنا ولا نزال أكثر اهتماما بتلمس ورصد ردود الأفعال الصادرة من جانب الإنسان العربي لا لشيء ، سوى أن هناك عنصر سوداني عربي هجين في التركيبة الإثنية الرئيسية للدولة السودانية الحالية ، تتنازعه الأهواء والانتماء بين الطرفين برغم عنه .... وكذلك بسبب الثقافة العربية التي تربط بيننا وبينهم سواء رضينا بذلك أو لم نرضى .... وعلى الرغم من انه لا توجد ((منظمة إثنية فنية )) منبثقة عن جامعة الدول العربية تشرف على ((ختم القـفـا)) أو ((الجبهة)) بختم ((عربي)) ... وحيث تقع مسألة الانتماء إلى العروبة تحت بند ((على كيفك)) وأن (( من فارق داره قلّ مقداره)) إلا أننا نظل نحن السودانيين زنوجنا وهجيننا ، مفرطو الحساسية تجاه هذا الجانب على نحو خاص.
التاريخ يلعـب دوره:
لا يختلف عاقلان . بل ولا يخبيء التاريخ حقيقة ان الأسود لم يعبر البحر الأحمر إلى الجزيرة العربية والشام والمشرق بوجه عام منذ قديم الزمان .. لم يعبر هذا البحر بمزاجه ، ولم يأت لتلك البلاد إلا قسرا على يد تجار الرقيق .... ورغم تكاثر هؤلاء السود فيما بعد ؛ إلا أنهم لم يشرعوا في ثورة أو تذمرا واضحا في الجاهلية . اللهم إلا من جانب فردي بين حقبة واخرى، لعل أشهرها ما جرى على لسان ويد عنترة بن شداد ، رغم أن عنترة هذا يعتبر في حقيقة الأمر هجينا ولم تتخذ ثورته عمقا شعبيا ولم يكن مهتما في احتجاجه على وضعه الاجتماعي ذاك إلا بنفسه فقط ولأجل الظفر بمحبوبته البيضاء إبنة عمه العربية عبلة ليس إلا...... لكنه رغم ذلك يبقى شديد الشبه في علاقته بالمجتمع العربي بعلاقة الهجين العربي السوداني ، والفارق الوحيد أن الهجين العربي السوداني قد لطف به ربه فجعله مواطنا له كامل الحقوق في بلاده . وبالتالي يظل عزيزا مكرما وبعيدا عن الإذدراء ، طالما كان داخل حدود "جمهورية" السودان ............
وبحلول الإسلام فقد وجد فيه السودان ممن ولد وترعرع وسط العرب وأصبح عربيا بالتنشئة .. وجد فيه هؤلاء خير ملاذ وعلى نحو جعلهم يدخلون فيه أفواجا. ولم يكن مستغربا جراء ذلك أن يكون بلالا الحبشي أو السوداني لايهم .. لم يكن مستغربا ان يكون من ابرز رموزه...... ولولا ثورة الزنج التي سادت جنوب العراق وامتدت إلى المنطقة الشرقية في السعودية الآن (كانت تسمى ساحل البحرين) ... لولا هذه الثورة ما كان للمنطقة العربية أن تشهد صراعا دمويا بين البيضان والسودان.
ثــورة الـزنـج:(863 – 883م)
سميت هذه الثورة بالزنج لأن أغلب من شارك فيها كان من السود، الذين تم جلبهم خلال العصر العباسي قسرا من افريقيا عمل في جنوب العراق وفق ظروف عمل أقل ما يقال عنها انها غير إنسانية ، تمثلت في فتح وتنظيف مجاري المياه ، وكنس الأوساخ والأملاح التي يجلبها الخليج العربي إلى مزارع البصرة . ولم يكن قائد هذه الثورة زنجيا بل كان عربيا تغلغل وسط هؤلاء العبيد وبشرهم بالتحرر من الرق وإكسابهم حقوقهم المدنية مثلهم مثل غيرهم من العرب والفرس وسائر شعوب الدولة العباسية .... وقيل أن قائدها هذا قد كان سليل البيت العلوي وإسمه علي بن محمد .. ولم تفلح الدولة العباسية في القضاء على هذه الثورة وتدمير عاصمتها (المختارة) إلا بعد تحالف جيشها بقيادة الموفق شقيق الخليفة المعتمد مع جيش إبن طولون الذي كان مرابطا في الشام بقيادة غلامه لؤلؤ ........
على أية حال سالت أنهار من الدماء خلال تلك الثورة حتى بلغ ضحاياها قرابة النصف مليون في ذلك الزمان . وشهدت ساحاتها مشاهد الانتقام من السادة البيض وصلت إلى حد جلدهم في الأسواق والساحات العامة من قبل عبيدهم ورقيقهم السابقين . وبنحو عام منحت هذه الثورة السيادة للعنصر السوداني ، وأطلقت له اليد الطولى في المجتمع داخل المساحة التي خضعت لحكمه فترة قاربت العشرين عاما اقتسم فيها السلطة مع الخلافة العباسية داخل الجزيرة العربية وجنوب العراق ومساحات لا يستهان بها من إيران الحالية .... ومما لاشك فيه ان كثير من المعايير الاجتماعية قد تم تخطيها خلال فترة السيادة تلك واختلطت فيها دماء السودان بالبيضان سواء بطريق التزاوج ، أو غيره مما تذرفه الحروب من مآسي وتجاوزات ، وهدم للقيم والعادات والتقاليد الموروثة ، ولو لفترة من الزمان وتسلط القوي على الضعيف والمنتصر على المهزوم . وحيث لا يزال آثار ذلك الاختلاط في الدماء ماثلا لا تخطئه العين المجردة في ملامح ولون بشرة بعض سكان تلك المناطق التي خضعت لحكم وسلطة الزنـج.
آثار ثورة الزنج على النفسية العربية:
رغم أن الجاحظ قد ألف رسالة بعنوان (فضل السودان على البيضان) تناول فيها ثورة الزنج ، إلا أن الجاحظ لم يكن هو الآخر بعيدا عن أصابع الإتهام الموجهة له ، ولغيره من ادباء العصر العباسي ومن بينهم الشاعر أبو نواس مثلا بانتهاج ((الشعوبية)) .. وهي حركة تبغض العرب وتفضل العجم ، أو هي على اقل تقدير تصغر من شأن العرب ولا ترى لهم فضلا على غيرهم. ....... لكن على المستوى الشعبي ، فقد كان لثورة الزنج ولا يزال ذكريات غير محببة تولدت لدى الذهنية الشعبية العربية ، تجلت فيما بعد في الإضافات العربية المنشأ لقصص وأساطير ألف ليلة وليلة ، التي تناولت السودان (جمع أسود) بالظلم الفادح ، وجعلته صنوا للسحر والغدر واللؤم والإيقاع بفتيات ونساء البيضان في دوامة الجنس الشهواني الحيواني ، سواء بسحرهن أو استغلال الاختلاط بهن كعبيد في داخل القصور ، وحيث لم تسلم المراة البيضاء ((في ألف ليلة وليلة)) التي تعشق الأسود ، من اللعنة والإذلال والإصابة بامراض نفسية وعضوية موضعية جراء ممارسة الجنس مع الأسود ، وذلك انسياقا وراء تحقيق أهداف نفسية محددة قصد بها مجتمع البيضان في ذلك الحين لجم أي اختلاط بين السودان والبيضان ، يتجاوز حدود التعامل السطحي إلى دائرة العلاقة العاطفية واختلاط الدماء بالزواج..... ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب بل أن حكايات ألف ليلة وليلة جعلت من خيانة البيضاء مع الأسود ، الأساس الذي قام عليه كره شهريار للنساء ، وقتله صباح كل يوم فتاة بعد ان يكون قد دخل بها في الليلة الماضية .... أنظر ((حكاية الملك شهريار وأخيه الملك شاه زمان )) حيث تروي الحكاية أن الملك شهريار بعد أن عاد فجأة إلى قصره ،، وجد زوجته راقدة في فراشه نعانق عبدا أسود من العبيد فاستل شهريار سيفه وقتلهما معا ..... ثم أن الملك شهريار سافر إلى مملكة أخيه الملك شاه زمان، وحصل له هناك حالة اكتئاب جراء خيانة زوجته له فأصبح ميالا للوحدة لا يطيق الخروج من جناحه في قصر أخيه . وصادف ان دعاه شقيقه الملك شاه زمان للخروج معه للصيد فأبى ذلك وظل راقدا في جناحه بقصر شقيقه . وفي صباح نفس اليوم الذي غادر فيه شقيقه القصر أطل الملك شهريار من شباك غرفته على حديقة القصر، ففوجيء بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا وإمرأة أخيه شاه زمان تمشي بينهم ، وهي في غاية الحسن والجمال حتى وصلت إلى فسقية ، وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم . وإذا بإمرأة الملك شاه زمان قالت يا مسعـود ... فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها . وكذلك باقي العبيد السود فعلوا بالجواري البيض وظلوا (والعهدة على ألف ليلة وليلة) في نكاح وبوس وعناق ونحو ذلك حتى ولى النهار.
ثم أقرأ حكاية الليلة السابعة التي ترمي الذهنية الشعبية إلى تخويف بنات البيض من التعلق بحب السود ، كون هؤلاء لا يحترمون المرأة ويسيئون معاملتها ويتفنون في إهانتها ومحو آدميتها .... وملخصها يدور في قصر مبني بالحجارة السود ، وحيث سيدة القصر تخون زوجها إبن عمها الذي لا تنقصه الوسامة مع عبد اسود بعد ان تضع لزوجها المخدر في شرابه كل ليلة .... ولكن الملفت للنظر هو الحوار الذي جرى بين العاشقة البيضاء و العبد الأسود بعد أن تاخرت عليه ذات ليلة في المجيء. وحيث تروي الحكاية أن العاشقة المشار غادرت القصر إلى حيث يقيم عشيقها الأسود في شبه خرابة !! وبعد دخولها عليه قبلت الأرض بين يديه فرقع ذلك العبد الأسود راسه وقال لها:
- ويلك ! ما سبب قعودك إلى هذه الساعة؟ كان عندنا السود وشربوا الشراب وسار كل واحد بعشيقته وأنا ما رضيت أن أشرب ! فقالت:
- يا سيدي ويا حبيب قلبي أما تعلم أني متزوجة بإبن عمي وأنا أكره النظر في صورته وأبغض نفسي في صحبته ، ولولا أني أخشى خاطرك لكنت قد جعلت المدينة خرابا يصيح فيها البوم والغراب! فقال العبد :
- تكذبين يا عاهرة وأنا أحلف وحق فتوة السود ألا تكون مروءتنا مروءة البيض أن بقيت تقعدي إلى هذا الوقت مثل هذا اليوم ! ولا أضع جسدي على جسدك يا خائنة . تغيبين علي من اجل شهوتك يا منتنة يا أخس البيض .
فظلت العاشقة تبكي إليه وتتذلل بين يديه وتقول له يا حبيبي وثمرة فؤادي، يا حبيبي يا نور عيني ! وما زالت تبكي وتتضرع له حتى رضي عليها ففرحت وقامت وخلعت ثيابها ولباسها وقالت : يا سيدي هل عندك ما تأكله جاريتك ؟ فقال لها قومي لهذه القوارة تجدي فيها بوظة (مريسة) فأشربيها. فقامت وشربت وغسلت يديها وجاءت فرقدت مع العبد على قش القصب وتعرت ودخلت معه تحت الغطاء.
ثم طالع حكاية الليلة رقم (379) حيث تشتط الذهنية الشعبية للبيضان في بث الهلع والخوف من ممارسة الجنس مع السود ، وما قد بفضي إليه من انتكاسات عضوية ...... ويدور محور الحكاية حول إبنة احد السلاطين التي تعلق قلبها بحب عبد اسود ، فافتض بكارتها وأولعت بالنكاح ، فكانت لا تصبر عنه ساعة واحدة ، فباحت بسرها إلى إحدى الكهرمانات ، فنصحتها هذه بمضاجعة القرود على اعتبار أنها أكثر الحيوانات ولعا بالنكاح . فاتخذت بنت السلطان لنفسها قردا ضخما خبأته في جناحها بالقصر. وصار القرد ليلا ونهارا على أكل وشرب ونكاح معها ، حتى فطن لذلك والدها ، فاراد قتله فهربت بقردها إلى مصر . وسرعان ما اكتشف سرها أحد المصريين ، فقتل القرد وعاهدها إن تزوجته على القيام بما يقوم به القرد من مجهود وكثرة نكاح ، فواققت على ذلك ورضيت به . لكن المصري سرعان ما وجد نفسه غير قادر على الوفاء بتعهداته وإطفاء نيران شبقها ، فذهب بها إلى بعض العجائز ، فأعطينه دواء شعبي في شكل غسول مهبلي موضعي . وإن هي إلا برهة من الزمن حتى نزل من فرجها على الطست دودتان إحداهما سوداء والأخرى صفراء .. فقالت العجوز أن الدودة الأولى ترتبت من نكاح العبد والثانية من نكاح القرد ...... وبذلك تم شفاؤها مما هي عليه.
وعلى مثل هذا النهج تمتليء قصص الف وليلة بحكايات مشابهة .....
ولا يقتصر هذا المنحى العنصري تجاه الأسود على الأدب الشعبي فقط بل تجري ممارسته على نطاق ثقافي أرفع ولعل أبيات الشاعر المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي خير دليل ولا تحتاج لشهرتها إلى إستعادتها هنا .....
بل ويحاول البعض الأدباء والمفكرين ممن يصنفهم العرب الساميين بانهم من سلالة كوش بن حام يحاول هؤلاء الحط من شأن السودان . وحيث يتنكر الروائي المصري نجيب محفوظ مثلا لأصوله الحامية فيصف في روايته ((حديث الصباح والمساء)) يصف زوجة أحد أبطال روايته هذه بأنها جارية لا لشيء إلا لأنها سوداء وكانت تعمل خادمة في قصر ضرتها وامتدت سخريته منها ومن لونها الأسود حين وصفتها إحداهن بانها مثل ((قعر الحلّة)) .. ...... وكذلك يتنكر الكاتب المصري محمد حسنين هيكل لأصله الحامي حين حاول في مؤلفه ((خريف الغضب)) السخرية والحط من قدر غريمه الرئيس السادات ومحاولة الإيحاء بانه سليل جارية سوداء ...... وربما لا يخفى على أحد من أهل السودان ان العقيد القذافي أبان مشاكسات واجتماعات تحقيق الوحدة الثلاثية بين السودان ومصر وليبيا وإزاء نفاذ صبره تجاه اعتراض الرئيس السوداني جعفر نميري على فكرة الوحدة الاندماجية واستبدالها بالتكامل انفلتت اعصاب القذافي من عقالها ونعت النميري بالعبد .... رغم ان نميري في عرف السودانيين يعتبر ((أصفر اللون)) ..... مما يدل على أن أهل السودان بحدوده السياسية الحالية جميعهم في (( سـلة واحـدة)) في عيون غيرهم .. وأن من الخير للهجين العربي فيه ، التخلي عن تعلقه الغير مبرر بالعرب والعروبة طالما كانت على حساب مصلحة السودان العامة كدولة وشعب أفريقي..... وحتى لا يفقد تعاطف ومؤازرة مجاله الحيوي المحيط من دول وشعوب القارة السمراء..... ولا اعني بذلك إدارة الظهر للعروبة فهذا لا ينصح به عاقل ولا مجنون .. ولكن فلتكن أفريقيا هي الأولى بنا ، لا سيما وان افريقيا لم تدر لنا ظهرها في يوم من الأيام .. بل على العكس يحمد لأفارقة السودان انهم اختاروا وعن طيب خاطر اللغة العربية كلغة تعامل في الشارع السوداني ، وكذلك العديد من الشعوب الأفريقية المجاورة للسودان تأثراً به.
ومن طرائف ما افرزته الذهنية الشعبية السودانية في هذا السياق تلك النكتة التي تروي أن بعض أسطوات وعمال بناء شماليين سافروا مجموعة للعمل في ليبيا ، وكان معهم عامل جنوبي يعمل في خلط المونة ... وبعد وصولهم إلى ليبيا استلموا مقاولة بناء وبدأوا عملهم .. وذات يوم كان الأسطوات والعمال مستغرقين في عملهم على السقالات اعلى المبنى ، والعامل الجنوبي يخلط المونة في الأسفل ، فجاء صاحب المبنى الليبي ، ونزل من شاحنته ووقف غير بعيد يصيح مناديا على رئيس الأسطوات بقوله:
- يـا عـبــــد !
فتوقف الجنوبي عن عمله عند سماعه هذه الكلمة ، وحمل الكوريق في وضع الهجوم وتوجه نحو الليبي صارخا مهددا بقوله:
- أنا عــبد ؟؟؟.... أنا عـــبد ؟؟؟
فــرد عليه الليبي بكل بـــرود:
- كـلـكــم عـبيــد.
ففكـر الجنوبي لحظة ثم ساله قائلا:
- جَـنـا بـتـاع عـرب طـالع فــوق سقالات ده برضو عــبد؟؟
فــرد عليه الليبي:
- نعم كـلكــم عـبـيـد.
فضحك الجنوبي شماتة في العربي السوداني وذهب غضبه وقال موجها كلامه إلى الليبي:
- ليبيا كويس .... كله عــبد
وظل يردد هذه العبارة حتى وصل إلى حيث مكان خلطه للمونة وواصل عمله بجد ونشاط وهو يتغنى :
يـيي بلــدنا وكـلنـا اخــوان ... ســــودانــو بـلـدنـا
......... يتبــع
التعليقات (0)