محاكمة مبارك وهو حدث ابتهل به الكثير بحكم النظر إلى الماضي والسجل الأحمر القاني لمبارك وآله. ولكن الملفت في الانتباه قد انعدم رسم آفاق مصر بعد تلك المحاكمة و( الثورة).
حضرت إلى ذهني مقارنة طفيفة بين محاكمة إيران ( الثورة ) للشاه ومحاكمة مصر( الثورة ) لشاهها.إيران حاكمت الشاه وقامت بقطيعة صارمة مع عهده ورفعت الثورة مطالب ثقيلة لم يخشوا حينها الفرس من إخفاق تحقيقها وألا يقوى عاتق الخوميني من حملها. أجهرت الثورة الإيرانية أمام العلن بأحلامها ولم تخشى من عدم تحققها وإلا تكون في حجم المسؤولية ومنها قطع العلاقات مع دولة بني صهيون ( سياسية تجارية عاطفية ..) غلق السفارة الاسرائلية في طهران وهو الحدث الذي اندهش له العالم العرباني فكيف لبلاد فارس أن تقطع علاقاتها مع الصهاينة بينما ( عار أبيهم ) يستبضعون من بني صهيون.
لكن ذكاء الفرس وكونهم ليسوا كالعرب في التركيبة النفسية والثقافية وحتى الانتماء الحضاري العريق جعل الفرس يتجاوزون مسالة غلق السفارة إلى مسالة وضع مخطط دقيق لاستنهاض قوى إيران الاقتصادية والزراعية والتكنولوجية.
وفعلا تمكنت إيران من فرض هيبتها على العالم فيوم أغلق مضيق هرمز أذعن الغرب للفرس يفتشونهم حتى في ملابسهم الداخلية ( إيران قالت هنالك مناورة عسكرية ممنوع المرور يعني ممنوع).صنعت أمريكا طائرات أف 16 و18 وصنعت إيران الصاعقة وصواريخ سجيل وفجر وبدر .
عولت أمريكا والعربان على الإساءة لثورة الخوميني فقالوا إن إيران تضطهد المرأة ولا مكان للمرأة الإيرانية في المجتمع بحكم أن الخوميني فرض ( التشادور الذي هو الجلباب ) لكن فاجأت إيران العالم حين ظهرت نساؤها بزي إسلامي وهنا يقمن باستعراضات ولو كان العربان يفهمون في الفنون العسكرية لأخلوا ثكناتهم صراحة نساء إيرانيات أكثر انضباطا وهيبة في الاستعراض من جنرالات وضباط عربان بكروش متدلية حمل بتسعة توائم والله يسلك الوالدة على خير ويقوي الوالد.
عندما أعلنت أمريكا محاصرة إيران أعلنت هذه الأخيرة محاصرة الغرب بالكافييار بينما العرب ببترولهم و بمواشيهم وأبقارهم وديوكهم وأرانبهم وكل ثرواتهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ما فعلت إيران بشق بطن سمكة السومو .
مصر الثورة تحاكم مبارك بحجة انه اصدر الغاز لاسرائيل لكن المفارقة أن مصر الثورة ذاتها لازالت تضخ الغاز لاسرائييل !!!
مصر الثورة تحاكم مبارك بحجة الخضوع لأمريكا والغرب لكن المفارقة الكبرى أن مصر ذاتها لم تشمر على ساعديها لتضع مشاريع زراعية ترقى إلى مستوى الثورة الزراعية.
مصر الثورة تحاكم مبارك لأنه قوى علاقاته مع الغرب على حساب القومية والأخوة العربية لكن المفارقة الكبرى أن الأخوة العربية والقومية لن تنفع إذا تعلق الأمر بصناعة قرص الاسبرين أو مهدئات الحمى وناهيك عن أدوية للأمراض المزمنة.
مصر الثورة تحاكم رئيسها موجهة له تهما تدين بها حتى نفسها لأن معظم تلك التهم فهي الآن ترتكبها ولم تقم بقطيعة مع عهد مبارك ولا تنوي فعل ذلك وهذا قد تبين من طبيعة الأحلام التي تبوح بها.
الثورات لا تبنى على محاكمة فرد وعائلته بينما الفساد مستشري في كل الربوع.
الثورات تنجح في محاكمة المفسدين والمجرمين عندما تضع قوانينا تقوم بإرساء العدالة وإصلاح مؤسسات حساسة كالعسكر العدالة والاقتصاد .
لا أؤمن بأن العدالة في مصر ستقام على محاكمة مبارك لان العدالة لا تقوم على محاكمة أشبه بتصفية حسابات شخصية لأنها إذا كانت انتقاما بدافع الحقد ليست عدالة …لان العدالة هي إصلاح المؤسسات وتربية الشعب و بما أن مبارك مريض وفي أرذل العمر وفي شهر رمضان كان على الأقل أن يتجنب المصريون هذه المهزلة في هذا الشهر .اعدموا صدام في العيد ومبارك في رمضان صحيح العدالة واجبة ولكن إذا كانت ستفضي إلى مطالب اكبر من جلب مبارك وقرعة سيروم في يده . هل ستتولى مصر بعده الريادة وزعامة العالم العربي وتنسف اتفاقيات كامديفيد .مادامت هذه المطالب لم تطرح كمطالب للثورة تبقى مجرد سراب... العدالة يجب أن ترسخ كتقليد والعرب لا تقليد لهم في العدالة .
وأقول بما أن العرب لا يقومون بالثورة الزراعية والصناعية سيبقون يعيشون تحت جزمة الصهاينة والغرب...علابة الاسبيرين تستورد... الصويا تستورد.... الذرة تستورد ....الإبرة تستورد ...هم يحبون البذخ ويطاولون البنيان ونواطح السحاب لكن لم يطاولوا في كرامتهم ...منذ أيام أعلن الوليد بن طلال أنه سيبني في جدة أطول برج في العالم وقال أموال سعودية نجنيها من استثماراتنا في الخارج ونبنيها في السعودية وطبعا يكثر خير روتانا وغنوة وهلم جرا….العرب يشبهون اليهود في حب المال لكن اليهود مالهم يشترون به غيرهم لصالحهم أما العرب فيبيعون أنفسهم بمالهم .
لم تعجبني محاكمة مبارك وهو على تلك الحالة لأنه إذا نظرنا إلى الصهاينة وصرامتهم في محاسبة المسؤولين فإننا نقول إن العدالة توجد لدى اليهود لا غيرهم لولا أنهم ليسوا مجرمين عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
اليهود عندما أرادوا أن يتخلصوا من شارون تخلصوا منه بطريقة غامضة لم يجعلوا العالم يتفرجون عليه رغم كل ما قدمه للأمة اليهودية لأن قسوة اليهودي لا تكون على اليهودي وهذا سر استمرارهم عكس الحكام العرب الذين فضحوا انفسهم أخيرا وخاطبوا شعوبهم بلغة الرصاص و الدبابات !.
أما حسني مبارك فكان الأفضل لو ترك إلى غاية الشفاء من المرض ويحاكم وهو واقف على قدميه وليس على سرير طبي .
الأيام بيننا وسيتبين بأن العدالة هو تنظيم وإرساء فعلي ونظري للقوانين و نخطئ إن قارننا هذه الثورات بالثورة الفرنسية .الثورة الفرنسية نظر لها الفلاسفة والمفكرين لكن ثورات العالم العربي أجهضها شيوخ الدين المنافقين تارة القرضاوي يدعوا بالموت للقذافي ومبارك ومن نفس المنبر ينافق ويدعو لآل خليفة بالنصر وغيرهم من الأمراء والملوك.
شيوخ الدين في العالم العربي كالقابلة المجرمة تتقن فن الإجهاض لا التوليد .العالم العربي يجب أن يقوم بثورة ضد النفاق وضد تأليه المظاهر.العرب منذ القدم لديهم مشكلة العائلة حكم العائلة وتوريث الابن ولو على رقاب الأنبياء.
في العالم العربي تجد العزاء الوحيد في عبارة النبي محمد صلى الله عليه و سلم مات وأحفاده استشهدوا وماذا بقي من أثره غير الطاقية واللحية والقميص والمسك والسواك! ؟.
التعليقات (0)