رمضان وأزمة إنسانية، مجزرة كربلاء شاهدا.
قال الإمام علي "عليه السلام": « كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ»، والأكياس: جمع كَيّس بتشديد الياء، أي: العقلاء العارفون يكون نومهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم.
يقول السيد الصرخي في كتاب الصوم: (إن احد الأهداف للعبادة هو بناء الإنسان الصالح المتكامل القادر على تجاوز ذاته والمشاركة في المسيرة الشمولية التكاملية للمجتمع في كل مجالات الحياة، فجعلت عبادات الإنسان وإعماله في سبيل الله تعالى، وهذا السبيل في الحقيقة طريق وممر ووسيلة كاشف عن السبيل لخدمة المجتمع الإنساني، لأن كل عمل من اجل الله تعالى هو من اجل عباد الله، لأن الله تعالى غني عن العباد، ويؤكد هذا أو يدل عليه قول النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله": «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فالصيام هو احد العبادات يوفر الأرضية المناسبة لعلاج الشخصية الإسلامية من الجانب العبادي والصحي الحيوي والنفسي والسلوكي....)
على ضوء ما تقدم ننطلق لتسليط الضوء على هذه العبادة، وهل إنها تمارس على نحو العادة، أم أنها منهج تربوي يهذب الإنسان، ويجعل منه فردا صالحا ومساهما في بناء الحياة...
الواقع يشير وبكل وضوح أن الصيام في العراق خصوصا، بات صيام عن العلم والتفكير والتدبر والتمييز بين السليم والسقيم، والصالح والفاسد...، وإفطار على الجهل والتحجر وفقدان الإرادة، فتسلط الجاهل والفاسد والظالم...، وهو أيضا صيام عن القيم والمثل والأخلاق والمبادئ الإسلامية والإنسانية والحضارية...، وإفطار على ما ينافيها...، فانقلبت الموازين رأسا على عقب، وصار الكاذب صادق والصادق كاذب، والفاسد صالح، والصالح فاسد...
صيامٌ عن الكلام وإطلاق صوت الرفض والشجب والاستنكار المنتج المثمر الحقيقي، لكل الجرائم والقبائح التي ارتكبت ولا زالت ترتكب في العراق المختطف، وإفطار على السكوت والرضا و الإمضاء والدعم والشرعنة لها...
صيامٌ عن محاسبة المفسدين والسارقين والمجرمين الذين تسببوا في دمار العراق وهلاك شعبه...، وإفطار على إكرامهم ومنحهم المناصب والمواقع الحساسة...
صيامٌ عن ثقافة السلم والسلام والتعايش السلمي، وان « الناس: صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك الخلق»، وإفطار على لغة العنف والتطرف والقمع، ولغة: «وإما أن تكون مثلي أو أنت عدوي»،،، صيام عن المواطنة والتوحد والتوادد والتالف والوئام...، وإفطار على أفيون الطائفية والتفرق والتنافر والتخاصم والحقد والكراهية... فذُبِحت الحريات وانتُهكت المقدسات، ومُنعت الحقوق، وتحكم التمييز والتهميش والإقصاء والقمع....وساد القتل والخطف والتهجير والسلب والنهب والحرق والتمثيل بالجثث وحرقها وسحلها بالشوارع، أو تعليقها على الأعمدة وهدم البيوت والمساجد والكنائس والمتاحف الأثرية، كما حصل في مجزرة كربلاء بحق السيد الصرخي ومقلديه في رمضان الماضي، وفي تكريت والرمادي والأعظمية وغيرها من مدن العراق الجريح...
صيامٌ عن الولاء للعراق فقط وفقط ...،وإفطار على التبعية والولاء لجهات ودول خارجية محتلة شرسة قذرة، فتحكم الأجنبي وساق الوطن والمواطن من سيء إلى أسوأ...
صيامٌ عن التفكير في مصلحة الوطن والمواطن،وإفطار على الأنا والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية...
صيامٌ عن المنهج الوسطي المعتدل والخطاب الهادف البناء الرسالي الإنساني... وإفطار على المنهج المتطرف الطائفي النفعي، والخطابات والفتاوى الطائفية التي زجت الناس في محرقة كبرى لا تبقي ولا تذر...
صيام عن التعاطي بايجابية مع الحلول والمبادرات الناجعة، وإفطار على المؤامرات والمخططات والمشاريع والأجندات التي لا تخدم إلا أعداء العراق وشعبه، حتى صار الوطن ساحة لتصفية الحسابات، ومسرحا للصراعات والمواطن وقود النار...
هكذا هو الصيام... وهكذا هو الإفطار في العراق، إلا ما رحم ربي...
بقلم
احمد الدراجي
التعليقات (0)