غادرت الرياض .. في اجازه قصيره تاركا متاعب وضجر الحياة اليوميه من ورائي .. حزمت امتعتي بعد ان استفزني هاجس يحذرني من غرائزي ومن اهوائي الخادعه .. وأن العاطفه الروحيه شيء والواجبات الدنيويه شيء اخر، وكلاهما ينفر من الاخر .. فأي خلط بينهما سوف يحولني الى مجرد حيوان برمائي .... فاتجهت الى هجر، ذلك المكان الذي يقال ان ينابيعه قد نضبت او بالأحرى جففت .. مع ذلك بقيت ينابيع الحنان في صدر امي تزخر بعمقها وغناها وتنوعها ..
عشت ايام لم اشعر فيها حتى بكاهل السنين على غاربي، واكتشفت بأنني كبرت في غفله من امي .. فهي لا زالت تعاملني كطفل ولكن طفل مكتهل .. تغمرني بحبها وتسكب في جوفي مشاعرها على دفعات مترادفه .. اشبه بطش السحاب الذي تحدوه الرياح، فيحيي الاراضي الضمآنه .. تعطيك في جمله واحده ما يكفيك من الحنان لعمر بأكمله .. اما انا فكنت اتلذذ بكل لقمه تصنعها بيديها الحنونتين وأتقرب الى الله بالنظر الى نور وجهها، فتتلاشا مناطق المشاعر الخامده بداخلي، وينتابني شعور من الاستغراق الى حد نسيان نفسي.. وعندما امعن النظر فيها اكثر .. اهيم كشاب تقي رقيق القلب تعلق باستار الكعبه متحريا ليلة القدر .. فابجل الله اكثر فأكثر ..
كذلك ولأول مره ادركت بان رمضان ليس مجرد صيام وقيام وتبادل التهاني برسائل الجوال ... وايضا تسائلت .. لماذا رمضان لا يثير فينا سوى هذا القدر الضئيل من المشاعر اتجاه والدينا .. ! فإذا كان هذا الشهر الكريم لا يكفي لايقاض نفوسنا نحوهما فلا حول ولا قوة إلا بالله .. !
اما ابي فكنت اجلس استمع اليه وهو يتلو القرآن، واسير معه في الظلمات لصلاة الفجر، واحيانا اجلس معه اقلب صوري القديمه، وهو يحدثني عن طفولتي وصباي فتنساب ذاكرته بالتقسيط ... وعجبت كل العجب حينما بدت صوري كشاب مراهق متعجرف مغرور مستهتر .. ! بشعري الطويل، وهيئتي الغير مباليه ، مع ذلك لا اذكر ابد بأن ابي كان يمطرني بوابل متواصل من النصح .. بل لم يكن حتى يرفع حاجبيه استنكارا من اي عمل كنت اقوم به .. ! ثم ضبطت نفسي متلبسا بهذا السؤال .. يالاهي، هل استطيع ان اقدم هذا الشي نفسه لابنائي .. ؟ فلم يكن جوابي شديد التثبيط ،كما لم يكن مجلبا للثقة التامه..! ولكن نحن يا معشر الآباء الجدد، نزين حوائطنا في المنازل والمكاتب وعلى صفحات الإنترنيت بشهادات في براويز لنثبت لانفسانا وللناس باننا متعلمين نقرأ كتب تطوير الذات، ونشاهد برامج تربية الابناء في المحطات الفضائيه ..! ولكن ثم ما ذا ... ؟ لست ادري ..؟ لقد كانت ايام رمضانيه لا تنسى .. تخليت فيها عن جميع وسائل الاتصال الحديثه، من جوال وفضائيات وانترنيت، ولكن بقيت على اتصال دائم مع الله عبر امي وابي .. بعدها قفلت راجعا الى الرياض، اجرجر اقدامي كأنني مشدود بحبل مطاط ،كلما سحبته للامام يرتد و يشدني للوراء ..
حفظ الله لكم امهاتكم واباءكم ورحم الله من قضى نحبهم رحمة واسعه ..
التعليقات (0)