رحم الله الشيخ سيد مكاوي مسحراتي إذاعة مصر وشاعر الشعب الصائم ....لم تكن أشعار المسحراتي مجرد كلمات لتقطيع الوقت ولكنها كانت رسالات شعبية مليئة بالحكم والأدعية إلى شعب مصر المتدين الذي يعتبر مسحراتي رمضان علامة ثابتة من علامات رمضان رغم انتشار وسائل الإعلام والمآذن والمساجد في كل بقعة من أرض مصر المؤمنة...ما زال أذان الشيخ رفعت يذكرنا برمضان حتى في أيام السنة وخاصة إذا رفع أذانه في ساعة المغرب حين تذهب الشمس إلى قصرها وراء الأفق وتغيب حتى صباح اليوم التالي...تتركنا الشمس على وعد باللقاء لا تتخلف عنه.. وتنشر في الصباح الباكر أشعتها من أقصى أطراف الأرض ...ومن أبعد نقطة في البحر إذا كنت من سكان المدن الشاطئية... وتظل في صحبتك حتى تغطس في البحر في ساعة المغرب وتكاد تسمع صوت (طشتها) في ماء البحر المالح ....هذه الصورة للدنيا في رمضان مع رتوشها من ذهاب الأطفال قبل صلاة المغرب وخاصة في الريف ليشتروا (الطرشي) ثم يعودون مع الأذان وقد أعدت الأم طعام الإفطار الشهي أيام الشباب حيث لا سكر ولا ضغط ولا حدود يضعها الطبيب لعدد الملاعق والبعد عن السمين والسكريات والنشويات والدهنيات واللحوم البيضاء والحمراء والبيض واللبن وكل شيء ...قليل من خبز السن مع الجبن القريش وطبعا لا تلتزم بكل ما قال الطبيب وتدعو بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء وتتوكل على الله وتأكل ما قسم...صورة رمضان الشبابية لم تعد كما كانت من قبل وتغيرت الحياة وأصبح الطعام أكثر تنوعا وأشهى وأصعب في الهضم حتى أن المعدة أحيانا تغضب بشدة من أفعال صاحبها وتشكوه إلى الأسرة والطبيب والصيدلي صارخة بطلب الفوار وحبوب الحموضة ...كانت بطوننا نحن الصغار تكتفي سريعا لأن الشارع ينتظرنا بألعاب الأرياف بعد الإفطار مباشرة تحت ضوء خافت ينبعث من فانوس زغلول...زغلول يأتي قبل المغرب ومعه كيروسين اليوم يملأ لمبة الفانوس نمرة عشرة ويضيئها ويمضي ويتركها بصحبتنا حتى بعد صلاة التراويح ثم يأتي قبل الفجر ليطفئها ...نذهب إلى (الزاوية) لصلاة العشاء والتراويح وزاويتنا عبارة عن مسجد مبني بالطوب اللبن ومسقوفة بالنخل والجريد ويسبح على حائطها في بعض الأيام ثعبان يبحث عن فأر أو ضفدع يتسحر به ...لا يخيفنا منظره لأننا نرى مثله كثيرا واعتدنا على رؤيته ...وماء الوضوء يخرج من طلمبة ماصة كابسة إلى خزان أعلى سقف الزاوية ومزود بتوصيلات إلى مكان الوضوء الملحق بالزاوية ثم نصلي على الحصير المصنوع من نبات السمار المصري ...وأمامنا فانوس يشبه فانوس زغلول عامل البلدية ...أين ذلك من مساجد اليوم التي تنتشر في كل شارع من شوارع مصر ذات عشرات الآلاف من المآذن والمساجد بسجادها وتكييفاتها وثرياتها وأرضها المغطاة بالسيراميك والرخام ...والمزودة بالسخانات الكهربائية ومبردات المياه وقبل ذلك كله أمام المسجد موائد الرحمن التي أغنت رواد المساجد عن طرشي عبد الوهاب... وأبدلت طعام الإفطار بتمرات ولبن وزبادي ...ثم الصلاة مغربا وعشاء وتراويحا في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه............
التعليقات (0)