في الماضي ، وحينما كان المجتمع يغط في ظلمة الجهل والأمية كان من السهل على أي مشعوذ مبتدئ أن يستغفل الناس ويستغل ظروفهم الصحية للتكسب المادي أو للوصول لشيء من الجاه !
أما الآن وفي القرن الواحد والعشرين .. عصر العلم والمعرفة والتقدم الطبي المذهل ، وبعد أن قطع أغلب أفراد المجتمع أشواطا متقدمة في مضمار التعليم والانفتاح على معطيات العالم المتقدم مما لا يتعارض مع الثوابت فليس من الغريب أن تستغرب لجوء الكثيرين بل والكثيرين جدا وبعضهم ممن يحمل أعلى الشهادات العلمية للمختبئين خلف (الشرعية) ومن يمارسون الوهم تحت غطاء (الشرعية) وقد يكون منهم السحرة والمشعوذين باسم الدين وخلف ستار الرقية (الشرعية) !
ولم يعد من غير المألوف أن تسمع حديث الناس في مجالسهم ومنتدياتهم عن الرقاة (الشرعيين) ! وأسمائهم ومواقعهم باعتبارهم شيوخ دين متخصصون في علاج ما تيسر علاجه وما استعصى علاجه على الأطباء في أنحاء العالم بالرقي والرقية دون أن يغفل أي من هؤلاء عن ذكر كلمة (شرعية) للتأكيد على دينية هذا العلاج وذاك "المعالج" وإضفاء الشرعية على ما يقوم به من ممارسات خرافية باسم الرقية المضاف لها (شرعية) !
صحيح أن الرقية التي ذكر العلماء صحتها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي نوع من الدعاء وقراءة آيات من القرآن الكريم يمكن للمسلم قراءتها والدعاء بما تيسر ومما ذكر من الدعاء ولكن على نفسه ودون أن يدعي التطبب في الناس ، أو يتخذ من من الرقية شرعية للخرافة والسحر والجن !
لكن لا اعلم أن أيا من علماء الدين دعا لممارسة (مهنة) جديدة تسمى الطب بالرقية ، أو أن أقساما في كليات الطب أو في الجامعات والكليات الإسلامية تخرج متخصصون في الرقية يسمون (رقاة شرعيون) ! وأن كنت لا استبعد ذلك في ظل ظفرة الأسلمة التي نعيشها هذه الأيام !
ولم أسمع أن المؤسسة الدينية الرسمية رخصت للشيخ فلان أوعلان لممارسة (الرقي) !
فكيف انتشرت ظاهرة (العلاج) بالرقية حتى أصبح لها شيوخ يسمون ( رقاة ) يقصدهم الكثيرون طلبا للشفاء على أيدهم باعتبارهم أشخاص صالحون وكأن المريض يطلب توسطهم بينه وبين ربه - وهو قصد قد لا يكون بإرادة ظاهرة - بل وتقصدهم المحاكم لإصدار تقارير (طبية) أو رقيية نسبة لمصدّرها (الراقي) ؟!!
وكيف انتشرت ظاهرة ما يسمى بالماء أو الزيت المقرئ عليه أو فيه ؟!!
والسؤال بصيغة أخرى :
من شرعن الخرافة ؟! ومن أضفى على سلوكيات الضحك على عباد الله لباس الشرعية ؟! ومن ساهم في نشر ثقافة التطبب على أيدي شيوخ الرقية " المشرعنة " ؟!
في تقديري ، أنها كلمة (شرعية) .. لقد شرعنة كلمة شرعية لانتشار مثل هذه الممارسات ونمو ثقافة التطبب بالرقية (الشرعية) وذلك في إطار أسلمة كل شيء ، وإضفاء ( الشرعية ) على كل منتج حتى لو كان إنسانيا مشتركا ينتجه ويستفيد منه المسلم وغير المسلم . لتكاد ظاهرة أخطاء الرقاة (الشرعيين) تنافس ظاهرة الأخطاء الطبية في المستشفيات الخاصة التي تمارس علاج المرضى تحت رقابة ضعيفة وأنظمة مترهلة ..
ومن المؤكد أن ما نشرته صحيفة سبق الالكترونية من أن الجهات الأمنية ضبطت ( راق ) تسبب في وفاة فتاة سعودية تعاني مرضا نفسيا .. من المؤكد أن ذلك ليس ( الخطأ الرقيي ) الأول في أخطاء ( الرقاة الشرعيين ) بعد محاولة بعضهم تمرير ثقافة جديدة " تشرعن " تقبل المجتمع لبعض أذرع الفساد تحت غطاء كلمة (شرعية) كما تقبل فداحة خسائر الأسهم تحت غطاء كلمة
(هوامير) !!!
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)