مواضيع اليوم

رقم صحيح

حسن الزوام

2009-06-25 16:48:09

0

 كان صباحه عاديا .. استيقظ على صوت المنبه المتصاعد المنبعث من تليفونه المحمول .. ذلك الجهاز الذى يزداد انبهار أحمد به يوما بعد يوم .. فمد يده الثقيلة حتى يطمئن "محموله" انه استجاب للتنبيه .. فتح عينيه بصعوبة .. لم يضاهيها سوى صعوبة اتخاذ قرار بوضع قدمه اليمنى على الأرض .. بحثا عن أول "فردة شبشب" تسكنها.
نجح أحمد فى قراره الروتينى الأول .. وعاجل نفسه بالقرار الثانى وهو الوقوف واستطلاع شمس اليوم التى تسربت من خلف ستار غرفة نومه الثقيلة .. اتسعت حدقتاه لتدخل مزيدا من الضوء .. حتى رأى زوجته ككتلة بلا تفاصيل .. غارقة فى النوم .. وبالتدريج بدأت التفاصيل فى الظهور .. تفاصيل دفعته دفعا فى السابق لاتخاذ قرار الزواج فى عجالة .. فابتسم ابتسامة يدرك جيدا أنها لن تراها ولن تفهم ما ورائها.
توالت خطوات أحمد المحفوظة .. فمن "الحمام" الى غرفته ذهاب وايابا .. ليخرج ملابسه المرتبة بنظام وعناية تضايقه أحيانا .. وان كان على يقين بأن قيمتها فى حياته أكبر من نظرته الحالية لها .. قبل أن تتسرب يده الى ريموت التليفزيون الموجود فى غرفة المعيشة فى شقته الصغيرة التى اشتراها من حر ماله .. وبعصامية شديدة يفاخر نفسه بها .. ليتسقر على قناة الجزيزة .. التى كان شريطها الأحمر ينقل أخبار انتشار فيروس أنفلوانزا الطيور .. وتسجيل ضحاية جدد .. وكأنه بنديرة تاكسي.
ذكرته فكرة البنديرة .. بالمواصلات .. وموعد وصوله للعمل .. فأسرع فى خطواته وتناول كوب الشاى بالحليب فى رشفة واحدة.. حتى يتجنب نظرة مديره الذى يتخيل أن الناس جميعا تنتقل فى جحافل مثل النمل .. وكأنه لا يعيش فى القاهرة ولا يدرك مفاجآتها .. ولا يستوعب طرائفها المبكية.
طبع قبلة على خد زوجته النائمة .. فرمقته بابتسامة خفيفة .. ونظرة جانبية كاليمامة .. معناها لا يتجاوز كلمتين دون ان تنطقهما .. "ترجع بالسلامة".
بعد خطوات يعرف عددها جيدا وتصل الى 750 خطوة .. استدار ليواجه مصيره اليومى .. انه الميكروباص القادم من بعيد ولا يعرف هل سيكون له فيه مكان أم سينتظر.
أسعفه الحظ بمقعد فى الكرسي الأوسط .. فركب .. وقرأ الشهادتين .. فمروره اليومى على طريق المحور .. ومشاهدة ضحايا السرعة الجنونية .. تجعله مشروع قتيل فى كل ذهاب واياب.
امتلأ الميكروباص .. واغلق الباب .. ومعه أغلق الركاب نوافذهم .. حتى لا ينزعهم الهواء المقذوف عليهم بحكم السرعة الجنونية لسائق الميكروباص من أمكانهم .. فيخلع حجاب هذه .. ويطيح بتسريحة هذا .. فيذهب الجيل الذى أغرق به شعره هباءا.
وفجأة دوت القنبلة .. عطس أحدهم وانتشر الرزاز .. فتفرق الناس عنه شمالا ويمينا .. لكن الى أين .. فأربعة عشر راكبا محشورين فى مساحة لا تحتمل الهروب .. فتحت النوافذ فى لحظة .. وأوقف السائق الميكروباص .. وأصبح الاطمئنان على العطسة ونوعها وسببها أمرا مصيريا .. فليست كل عطسة كغيرها.
لم يتحرك السائق الا بعد أن أقسم الراكب العاطس .. أنه ليست مصابا بالانفلوانزا وأن عطسته مصدرها حساسية الانف من العطر المغشوش بالسبرتو الأبيض .. الذى أغرق به الشاب الذى بجواره نفسه .. فتحرك الميكروباص .. وبقيت النوافذ مفتوحة .. والاعين موجهة الى أنف الرجل مباشرة.
قرر أحمد وهو يضع قدمه فارا من جحيم الميكروباص أن يسحب رصيده فى حساب دفتر توفير البريد .. واقتراض مثلها .. لشراء سيارة صغيرة تحميه من أمثال "الرجل الذى عطس" .. وأن يوصل الانترنت فى منزله ليتجنب النزول فى الايام التى يمكن له اتمام العمل من المنزل.
نفذ أحمد خطته التى "أيقظتها عطسة" .. وبعد أيام .. قرأ فى صحيفته المفضلة .. خبر عن تقرير مبيعات السيارات فى الشهر الماضى .. وأخر عن أرتفاع عدد مشتركى خدمات الانترنت فائق السرعة .. ابتسم وهو يرشف كوب الشاي بالحليب بهدوء لأول مرة فى حياته .. سعيدا بأنه أصبح رقما ايجابيا .. وجزءأ من خبر يعلم تماما أنه صحيح.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !